"الرجل الذي كان يتحكم بمصير الجزائر أصبح طريد العدالة"، فقد أصدر القضاء الجزائري مذكرة دولية لملاحقة خالد نزار وزير الدفاع الأسبق .
يوصف خالد نزار الذي شغل منصب وزير الدفاع بين أعوام 1990-1994، بأنه رجل العشرية السوداء ويعتقد أنه كان أقوى رجل في البلاد لسنوات.
إذ إنه قاد انقلاب الجيش الجزائري الذي أجبر الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على الاستقالة عام 1992، وألغى نتيجة الانتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ مما أدخل البلاد إلى موجة من العنف الدموي خلال حقبة التسعينيات والتي تعرف بالعشرية السوداء.
أيام مظلمة تنتظر الجزائر
نزّار سارع إلى انتقاد طلب المحكمة بالقبض عليه، قائلاً "أيام مظلمة تنتظر الجزائر".
وتابع، في تغريدة على حساب منسوب إليه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، "أن تهاجم سياسة رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، بالنسبة له (لقائد الجيش) قضية أمن وطني".
وأضاف "ما يمليه عليه (الحمص الذي بداخل رأسه)"، وهي عبارة فرنسية كناية عن "محدودية التفكير" و"الغباء".
وكان قد جاء في الحساب على لسان نزار قبل أيام أن "الحراك السلمي أرغم بوتفليقة على الاستقالة غير أن السلطة تم الاستحواذ عليها بالقوة العسكرية، والدستور تم خرقه بواسطة تدخلات غير شرعية، الجزائر حالياً رهينة شخص فظ فرض الولاية الرابعة وهو من ألهم الولاية الخامسة، وينبغي أن يوضع له حد، البلد في خطر".
فمن هو خالد نزار، وهل يعد هذا التحرك القضائي تعبيراً عن تغيير حقيقي في النظام أم أنه مجرد تصفية حسابات بين أجنحة النظام أم أنها تضحية بجناح لم يعد له وزن في النظام".
الرجل الذي التحق بالجيش الفرنسي أثناء الثورة
ينحدر خالد نزار من منطقة الأوراس بشرق الجزائر.
وكان والده يعمل رقيباً في الجيش الفرنسي. وقد سلك خالد نزار طريق والده وعمل في الجيش الفرنسي، رغم أن الثورة الجزائرية كانت قد انطلقت آنذاك، إذ التحق عام 1955 بالمدرسة الحربية الفرنسية سان مكسان (Saint-Maixent)، ولكن ما لبث أن فر في آخر عام 1958 من الجيش الفرنسي ليلتحق بالناحية الأولى لجيش التحرير الوطني الجزائري التي كان على رأسها الشاذلي بن جديد.
وقد قوبل بشكوك آنذاك بحكم التحاقه المتأخر بالثورة. وعلى كل حال فقد بقي بتونس يقوم بتدريب الثوار، حتى حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962.
وترقى نزار في سلك الجيش إلى أن كلف بـ"إعادة النظام" في أحداث عام 1988 (مظاهرات واحتجاجات بسبب أوضاع اقتصادية) التي قتل فيها نحو 600 جزائري، واتهم نزار بالسماح بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين والتسبب في مجزرة.
بعدها بعامين عينه الرئيس الشاذلي بن جديد وزيراً للدفاع.
ثم انقلب على قائده السابق وأقصى الإسلاميين
مع صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ، دخل نزار مع جنرالات آخرين كان من بينهم، عبدالمجيد تاغيت قائد البحرية الوطنية، ومحمد تواتي مستشار وزارة الدفاع، ومحمد لعماري قائد جيش البر، في مباحثات سرية لوضع خطة لقطع الطريق على الإسلاميين الذين كانوا على وشك الوصول للسلطة بالانتخابات.
وقاد الانقلاب على الانتخابات التي فازت بدورتها الأولى "جبهة الإنقاذ"، وأجبر الشاذلي بن جديد الذي كان قائده في فترة حرب الاستقلال على الاستقالة في عام 1992.
ويوصف نزار بأنه أبرز وجوه جنرالات فرنسا في الجيش الجزائري والذين لعبوا الدور الأساسي في الانقلاب.
ونشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريراً حول الظروف الغامضة التي دفعت بالرئيس بن جديد للاستقالة بعدما أيد المضي في الانتخابات، روت فيه كيف قام "جنرالات فرنسا"، كما يسميهم الشعب، بإجباره على التنحي، حتى يقوموا بإجهاض "المسار الديمقراطي".
وبينما يعتبره البعض أنه "أنقذ" الجمهورية من الوقوع في أيدي الإسلاميين، وحال دون تحول الجزائر إلى "الفوضى"، يرى آخرون أن ما قام به هو انقلاب ضد الإرادة الشعبية وعلى الديمقراطية، وأنه مسؤول عن الأرواح التي سقطت والتجاوزات التي وقعت على حقوق الإنسان.
واتهمه الشاذلي بن جديد بكونه جاسوساً لفرنسا، ويتهمه كثيرون بأنه يقف وراء اغتيال الرئيس بوضياف، وهو ما فنده نزار بصفة قطعية، متهماً رئيس الحكومة في تلك الفترة "بترويج الفكرة" في عزاء بوضياف بحضور زوجته التي اقتنعت بتورط نزار بقتل زوجها.
وها هو قد أصبح أقوى رجل في الجزائر
وكان الجنرال نزار أحد الأعضاء الخمسة في المجلس الأعلى للدولة الذي تولى الحكم في البلاد إثر استقالة بن جديد.
وأصبح خالد نزار أقوى رجل في النظام الجزائري في النصف الأول من التسعينيات.
ومع استمرار تدهور أوضاع البلاد وتعاقب الرؤساء، انسحب نزار من المشهد بعد تراجع دوره وتأثيره.
وبقي الوحيد بين الجنرالات أصحاب "القرار الفعلي" في هذا الوقت العصيب من تاريخ الجزائر الذي تحدث صراحة عن دوره في وسائل الإعلام وعبر أكثر من كتاب، وأن قرار توقيف "المسار الانتخابي" كان بتوافق مع جنرالات آخرين، تاركاً ما جرى للتاريخ.
طائرة خاصة أنقذته من قضية تعذيب
ورفعت ضده عدة قضايا لكونه غطى عمليات التعذيب في الفترة التي تولى فيها وزارة الدفاع ما بين عامي 1991 و1993، ورفعت ضده شكاوى بهذا الصدد في باريس عامي 2001 و2002 حيث حاول القضاء الفرنسي توقيفه إلا أنه غادر فرنسا مسرعاً بعد أن أبلغ أن هناك مذكرة توقيف ضده بتهمة التعذيب، وأرسلت له السلطات الجزائرية طائرة خاصة إلى باريس ليغادر فرنسا من دون أن يتم توقيفه.
وفي عام 2011 أخضعته السلطات القضائية بسويسرا لاستجواب بشأن قضايا تعذيب، واستجوبته النيابة السويسرية عشر ساعات بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وبعد أن أطلق سراحه في اليوم التالي، غادر نزار سويسرا مقابل تعهده بالاستجابة لطلبات المثول من طرف القضاء.
ورداً على اتهامات له حول الأموال الطائلة التي يمتلكها، يدافع نزار عن نفسه بقوله إنها "حلال ومن عرق جبينه" فهو يؤكد أنه كان يمتلك شركة مقاولات حصلت على الكثير من العطاءات حين كان في السلطة، كما أنه يمتلك مع عائلته شركة للإنترنت في الجزائر.
العلاقة الملتبسة مع قائد الجيش
قبل الإعلان عن ملاحقة خالد نزار قضائياً بدا موقف نزار متذبذباً من الحراك الجزائري ومن وزير الدفاع قايد صالح.
فقد اصطف نزار في البداية ضد الحراك الشعبي الذي اجتاح الشوارع الجزائرية في الـ 22 فبراير/شباط 2019، قبل أن يعود ويلتحق به، حسب موقع "موندأفريك" الفرنسي المختص في الشؤون المغاربية والإفريقية.
حاول نزار إظهار تأييده لقائد أركان الجيش الجزائري قايد صالح، وكانت أبرز مظاهر ذلك تصريح شهير له قال فيه إن سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل استشاره حول إقالة قائد الأركان الفريق قايد صالح وإعلان حالة الطوارىء لمواجهة الحراك الشعبي.
جاء ذلك في بيان مطول نشره على موقع يديره نجله حول موقفه من الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير/شباط الماضي.
وقال نزار إنه خلال لقاء مع سعيد بوتفليقة في 7 مارس/آذار الماضي اقترح عليه خطة للخروج من الأزمة باستقالة الرئيس وتغييرات في مختلف المؤسسات استجابة للشارع، لكن سعيد بوتفليقة رفضها جملة وتفصيلاً وقال إنها خطيرة عليهم (جماعة الرئاسة)".
وأضاف أن سعيد بوتفليقة طلب رأيي حول قضية إقالة قائد الأركان فكان ردي أنه سيكون مسؤولاً عن ضرب وحدة الجيش في هذه المرحلة الحساسة."
ولكن سرعان ما بدا أنه مغضوب عليه
بسرعة انتهت مرحلة الغزل من جانب واحد التي حاول نزار ممارستها مع قايد صالح، عندما بدأت السلطات تتحرك ضد مصالحه.
فقد تم حجب موقع "ألجيري باتريوتيك" الذي يملكه لطفي، نجل خالد نزار.
وقبل ذلك بأيام معدودات، أعلنت سلطة ضبط البريد وتكنولوجيات الاتصال، وقف نشاط اثنتين من الشركات المختصة في التزويد بالأنترنيت (آس آل سي)، و(ديفونا)، وهما الشركتان اللتان تملكهما عائلة الجنرال السابق.
وفي غياب أي تأكيد رسمي من أية جهة كانت، تحدثت وسائل إعلام أجنبية ومحلية ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي، عن فرار وزير الدفاع الأسبق وعائلته إلى الخارج، وأشارت بعض التسريبات إلى أن نزار يوجد حالياً في إسبانيا لاجئاً.
وبموازاة ذلك، تم استحداث حساب على شبكة التغريدات القصيرة "تويتر"، يحمل اسم خالد نزار، وتضمن تغريدات منتقدة للفريق أحمد قايد صالح، وتحدث نزار في واحدة من هذه التغريدات عن أنه سوف لن يعود إلى الجزائر، لأنه يتوجس وجود مخطط لاعتقاله.
أما نجله لطفي نزار، الذي يدير مصالح شركات عائلة وزير الدفاع الأسبق، فقد صرح في حوار أجراه مع أحد المواقع يديره جزائري فار يقيم بالعاصمة البريطانية لندن، بأنه لا توجد أي مذكرة توقيف صدرت بحقه.
لماذا تتم ملاحقة خالد نزار؟ من أجل عيون الثورة أم انقلاب قصر
ملاحقة خالد نزار رغم أنها يبدو أنها بدأت في الوقت الضائع، (الرجل يعتقد أنه هارب)، إلا أنها تظل حدثاً فارقاً، فصانع الرؤساء وجزار الديمقراطية الجزائرية أصبح طريد العدالة.
واللافت أنه قد سبق استدعاء نزار للشهادة في قضية تضم عدداً من المسؤولين من بينهم رجل المخابرات القوي السابق الجنرال توفيق
وقد تمثل هذه الخطوة أخباراً سارة بالنسبة للشعب الجزائري، خاصة أنه كان هناك مطالبات وسط الحراك بمحاسبته من قبل المتظاهرين مؤكّدين أنه "تسبب بمواقفه في مقتل أكثر من 250 ألف جزائري ".
إلا أن هذه الملاحقة أيضاً يمكن أن تفهم في إطار تصفية الحسابات بين أجنحة السلطة الجزائرية.
فنزار خرج من السلطة منذ سنوات وفقد كثيراً من نفوذه حتى لو تمتع بنتائج هذا النفوذ عبر الثروة التي يمتلكها.
الجناح الذي هزم حزب فرنسا
ويرى البعض أن ما يحدث هو صراع بين جناحين في السلطة الجزائرية، وأن ما يحدث حالياً هو انقلاب جديد يشبه سيناريو انقلاب يونيو/حزيران 1992 نفسه، الذي قاده نزار وجماعته بهدف الحفاظ على النظام وتفادي حدوث التغيير الجذري.
ووفقاً لهذه الرؤية اليوم يتكرر ذات السيناريو مع اختلاف في التفاصيل فقط.
فكما قاد نزار انقلاب يناير/كانون الثاني 92، يقود قايد صالح انقلاباً ضد الإرادة الشعبية للحيلولة دون تغيير النظام كما يطالب الحراك.
ولكن نقطة الاختلاف الرئيسية هي في هوية قائد الانقلاب وتصنيفه وشعاراته السياسية.
فإذا كان الجنرال نزار يصنف ضمن ضباط الجيش الفرنسي الذين التحقوا بالثورة في الوقت بدل الضائع، وعليه يتهم بأنه جاء في مهمة وظل وفياً لفرنسا خلال مسيرته بالجيش، فإن قايد صالح يقدم على أنه مجاهد، مناوئ للنفوذ الفرنسي، ينتمي لما يسميه أنصاره المدرسة النوفمبرية الباديسية (نسبة لثورة نوفمبر/تشرين الثاني، ورائد النهضة الجزائرية عبدالحميد بن باديس).
وهذا حدث نتيجة تبدل في تشكيل التحالفات وتبادل الأدوار بين التيارات السياسية والنخب المثقفة.
العلمانيون والنخب المفرنسة وما يعرف بالحداثيين كانوا متحمسين لتدخل الجيش عام 92 وأيدت انقلابه وبررته وزودته بأذرع إعلامية نافذة، بينما عادته معظم التيارات الوطنية الديمقراطية وبعض الإسلاميين والنخب المعربة.
ما يحدث اليوم العكس تقريباً انتقل معارضو انقلاب 92 إلى مؤيدين للجيش هذه المرة فيما انتقل مؤيدو الأمس إلى معارضي اليوم، بينما ظل المبدئيون من مختلف التيارات وعموم الشعب في الموقف نفسه أي معارضة تواجه الجيش في الحالين.
فهل تكون ملاحقة نزار تأكيداً لأن ما يحدث انقلاب قصر جديد يستغل زخم الحراك لصالح جناح من المؤسسة العسكرية، أم أنه يمثل محاولة للمحاسبة وتحقيق تغيير حقيقي يتم مدفوعاً بالحراك ولكن بأيدي العسكريين.