صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً تناولت فيه قرار إنستغرام وتبعاته، حيث شارك بعض مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي منشورات يرثون فيها "جهودهم المضنية" التي استثمروها في منصة إنستغرام، وقد انتشرت على نطاق واسع، نداءات مباشرة لمتابيعهم لكتابة مزيد من التعليقات وإحداث ضجة إعلامية.
لكن هل من المهم حقاً أن يلغي إنستغرام "الإعجابات"؟
أطلق موقع التواصل الاجتماعي صيغة تجريبية جديدة في أستراليا تُخفي عدد الإعجابات التي تتلقاها المنشورات، وهي خطوة قد تغير المشهد التجاري والثقافي لموقع التواصل الاجتماعي تغيراً جذرياً.
ورغم أنه لا يزال بإمكان المستخدمين رؤية عدد الإعجابات التي نالتها منشوراتهم، وأن التغيير لم يمتد إلى نسخة الموقع المخصصة للحاسوب حتى الآن، تغيرت تجربة المستخدم العادي مع إنستغرام تغيراً ملحوظاً.
وقالت ميا غارليك، مديرة السياسات بشركة فيسبوك في أستراليا ونيوزيلندا، إن التغيير جاء بهدف تحرير مستخدمي إنستغرام من إصدار الأحكام ومساعدة الناس على تقليل التركيز "على الإعجابات، وزيادة تركيزهم على سرد قصصهم".
رواد تويتر يسخرون
كانت ردود فعل مستخدمي تويتر على إعلان إنستغرام عن التغيير شبه سلبية، إذ قال كثيرون إن القرار كان مثالاً على "الدلال الزائد"، ويصبُّ في مصلحة "مرهفي الحس" الذين تتأثر مشاعرهم بسهولة عند رؤيتهم شعبية الآخرين المرتفعة نسبياً (هذا هو تويتر، على أي حال).

وانتقد هذه الخطوة بعض المستخدمين أيضاً باعتبارها تهديداً لاقتصاد مؤثِّري مواقع التواصل، وهو عالَم تجاري يعتمد بشكل كبير على المشاركة المرئية للمنشورات الترويجية. وفي الأسبوع الماضي، ذاع صيت ميكيلا تيستا، إحدى المؤثِّرين على إنستغرام والمقيمة بمدينة ملبورن الأسترالية، بعد نشرها مقطع فيديو مؤثراً ومنشوراً على فيسبوك يدينان إخفاء الإعجابات، باعتباره تهديداً لمصادر رزق الأشخاص الذين يعتمدون على زر إعجاب الإنستغرام الأحمر لكسب المال.
وكتبت تيستا: "إنه إهدار حقيقي للأموال. لقد بذلت أقصى جهدي لأحقق هذا النجاح على إنستغرام لأراه يضيع في النهاية! لست وحدي مَن أعاني، بل كل علامة تجارية وشركة أعرفها تعاني أيضاً".
طرق إبداعية لتخفيف التأثير
في حين انتهجت شخصيات أخرى من مؤثري إنستغرام طرقاً أكثر إبداعاً وإيجابية بقليل لمواجهة الكارثة المزعومة، إذ أرفقت جيم وولفي، وهي عارضة لياقة بدنية أنشأت حساب "المعجبين فقط" في صفحتها على الإنستغرام، صورة بتعليق يقول "تعليق=إعجاب"، في محاولة لتأمين معرفتها بمدى شعبية منشورها.
وقالت ماهاليا هاندلي، وهي عارضة أزياء وناشطة تنادي بالتنوع في الموضة ويبلغ عدد متابعيها 42 ألف متابِع على إنستغرام، إنها كانت عارضة أزياء قبل فترة طويلة من إنشاء حسابها على إنستغرام، ولم يكن لاختفاء الإعجابات في المجمل تأثير يُذكر على نشاطها على الإنترنت، وتعتقد أن قرار الشركة يمكن أن يزيد من شعور المستخدمين بالراحة بتمكينهم من نشر مواد أصلية واقعية وعرض إبداعاتهم.
وقالت ماهاليا: "لاحظتُ أن كثيراً من أصدقائي يقولون إنهم شعروا بأنه أصبح بإمكانهم إظهار طبيعتهم، وأعتقد أنه أمر رائع"، مضيفة: "أعتقد أن إخفاء الإعجابات يقدم فرصة للناس ليصبحوا أكثر تفرداً وإبداعاً وأكثر خصوصية ويدفع بمزيد من الإبداع إلى صناعة الأزياء".
لا يوجد اختلاف على المدى الطويل
ومع ذلك، لا يزال بعض المشاهير الآخرين يشكون من أن التغييرات التي أجراها إنستغرام ستُحدث فرقاً كبيراً على المدى الطويل، إذ سيجد المستخدمون دوماً معايير بديلة على التطبيق لقياس شعبية كل منهم.
تعتقد لورا ألبرتين، وهي كاتبة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي وإحدى المؤثرين، أنه في حال اختفاء الإعجابات، سيبدأ الناس ببساطة في التركيز على إيجاد طرق أخرى لقياس الشعبية "مثل المتابعين والتعليقات والمشارَكات". ففي النهاية، تعد الحلقة نفسها التي تؤدي إلى الصورة الذاتية السلبية على إنستغرام جزءاً لا يتجزأ من نظام الحوافز نفسه الذي يجعل المستخدمين يدمنون التطبيق.

قد يكون هذا مخيباً لآمال كثيرين ممن أشادوا باختفاء الإعجابات، باعتباره بداية النهاية لمؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يبدو أن هناك تزايداً في أعداد مستخدمي إنستغرام الذين يأملون انهيار اقتصاد المؤثرين وأن يعود تطبيق مشاركة الصور إلى سابق عهده حين كان يقتصر على مشاركة الصور من الحياة اليومية مع الدوائر العائلية والاجتماعية، كلما تكشف أن مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي يتبنون نهجاً إعلانياً استغلالياً لا يعبر عن واقع الحياة وإن بدا كذلك.
طابع تجاري مزعج
بالإضافة إلى ذلك، هناك أعداد متزايدة ممن يدركون أن حلقة التفاعل التي صنعها إنستغرام والتي يبدو أنها تغير الطريقة التي يعيش بها المستخدمون حياتهم الخاصة نتيجة إضفاء طابع تجاري على هوياتهم- قد لا تكون مستدامة.
ولا يحتاج المرء سوى زيارة حمام السباحة في نادي Bondi's Icebergs ظهيرة يوم السبت، لمشاهدة المؤثرين (ومقلّديهم) وهم يلتقطون صوراً، ليفهم كيف أوجد هذا الموقع لنفسه مستقَراً في الوعي الذاتي لدى كثير من الناس، خاصة الشابات.
في عام 2017، نشرت الجمعية الملكية للصحة العامة في المملكة المتحدة تقريراً يشير إلى أن إنستغرام ثبت أن له تأثيرات سلبية على النوم وصورة الجسم والخوف من تفويت فرص الاستمتاع (Fomo)، على الرغم من أنه يوفر منفذاً إيجابياً للتعبير عن الذات.
ومن منظور تجاري بحت، قد لا تكون هذه نهاية المؤثرين بعد، إذ قالت روكسي جاسينكو، مديرة Ministry of Talent، وهي وكالةٌ مقرها في مدينة سيدني الأسترالية تتابع نجوم مواقع التواصل الاجتماعي، إنه لا داعي لأن يشعر المؤثرون بالقلق الزائد من هذا التغيير، لأن خاصية إعداد التقارير والتحليلات لا تزال متاحة أسفل صفحات المستخدمين الذين لديهم حسابات تجارية.
وقالت روكسي إن "الاقتصاد القائم على الإعجابات" لا يفسره في النهاية إلا المكسب التجاري، وحتى لو حصل المشاهير على قدر هائل من الإعجابات على أحد منشوراتهم ولم تتحقق زيادة ملحوظة في مبيعات المنتَج الذي أُعلن عنه في هذا المنشور، فستتساءل: هل كانت تلك الحملة ناجحة حقاً؟".
يدرك بعض المؤثرين مثل لورا ألبرتين، أن إخفاء الإعجابات يمثل جهود إنستغرام للتفاعل مع الراحة النفسية لمستخدميه الذين يتصفحون منشوراته، لكنها تعتقد في نهاية المطاف أنه قد يكون حلاً سطحياً للمشكلات الأكبر التي يواجهها مستخدموه.
وقالت: "أعتقد أن كل شخص يحتاج أن يحاول أن يكون مسؤولاً عن صحته النفسية، وهو أمر يعود إلى ما هو أعمق بكثير من عدد الإعجابات التي تنالها صورتك".