بعد رحيل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي تدخل تونس موسماً مزدحماً بالانتخابات، وتكتسب الانتخابات التشريعية التونسية، التي أُغلق أمس الأول باب الترشح لها أهميةً خاصة، باعتبار أنَّ نظام البلاد السياسي هو نظام برلماني.
وتزداد أهمية الانتخابات التشريعية (المقرر عقدها في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019) في ظل الفراغ السياسي الذي خلقه رحيل السبسي، الذي كان حضوره وشخصيته يمنحان منصب رئيس الجمهورية وزناً أكبر من حجمه الدستوري الحقيقي.
كما تكتسب المنافسة في الانتخابات التشريعية زخماً إضافياً، في ظل ترشح رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، الأمر الذي قد يفتح الباب لتوليه منصبا سياسياً.
إضافة إلى ذلك يُثار جدلٌ في البلاد حول قانون أقرَّه البرلمان، يمنع ترشُّح بعض الشخصيات والهيئات التي تستفيد من الدعم الأجنبي، أو تقدم مساعدات اجتماعية، ولقد رفض الرئيس التونسي الراحل التصديق على القانون قبل وفاته.
مخاوف من تداخل الانتخابات التشريعية والرئاسية
وظهرت شكاوى من احتمال مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد.
فبعد ساعات من وفاة السبسي، وأداء محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب اليمين، ليتولى الرئاسة المؤقتة للجمهورية، قرَّرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تغيير أجندة الانتخابات، وتقديم الرئاسية إلى 15 سبتمبر/أيلول، بعد أن كانت مقررةً في 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فيما بقيت الانتخابات البرلمانية في موعدها، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول.
الموعد الجديد للانتخابات الذي أقرّته الهيئة المكلفة أثار مخاوف لدى بعض الأحزاب السياسية، من أن يكون له تأثير على سير الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية، وفق ما نقل مراسل فرانس24 في تونس.
فعلى الصعيد اللوجستي، يتزامن موعد الانتخابات الرئاسية مع انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية، التي من المزمع انطلاقها يوم 14 سبتمبر/أيلول، وبذلك سيكون هناك تداخل بين التواريخ، ما قد تكون له تداعيات على القوائم المرشحة وعلى المرشحين، كما يطرح مخاوف بشأن قدرة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لوجستياً ومادياً على تسيير العمليّتين في نفس الوقت.
المشكلة الأكبر أنه في حال الاضطرار لتنظيم جولة ثانية للاقتراع الرئاسي، فسيجري التصويت فيها خلال أسبوعين من صدور نتائج الجولة الأولى.
وقال مجيد بودن، رئيس جمعية المحامين في القانون الدولي في باريس، في تصريح لفرانس 24، إن النظام التونسي في الأساس نظام برلماني، ما يُوجِب تقديمَ الانتخابات التشريعية على الانتخابات الرئاسية، وبناء على ذلك أشار بودن إلى أن تحديد تاريخ الاقتراع لاختيار الرئيس المقبل قبل الانتخابات التشريعية فيه مسّ بالنظام العام.
وتوقَّع بودن أن إجراء الانتخابات الرئاسية، في 15 سبتمبر/أيلول، سيكون محلَّ صراعٍ سياسيٍّ في الأيام المقبلة.
قُضي الأمر الذي فيه تستفيان.. ولكن الرئيس الجديد مهدد بعدم الشرعية
وبرر رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى ذلك التاريخ بالنظر إلى الآجال التي يفرضها الفصل 84 من الدستور الذي ينص على تعيين رئيس البرلمان قائما بأعمال رئيس الجمهورية في حالة الوفاة، وذلك في فترة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما، وهي مدة تنتهي بحلول تاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وحسب تقدير هيئة الانتخابات، فإنه من المحتمل أن يتم تجاوز الـ90 يوما المنصوص عليها بالدستور لبقاء الرئيس الحالي المؤقت بفترة إضافية تصل إلى 47 يوما، في حال إجراء مرحلة ثانية في الانتخابات بسبب عدم حسم النتيجة في الجولة الأولى .
وهو ما يجعل الرئيس المؤقت محمد الناصر -إن حصل ذلك فعلا- في موقع "غير شرعي" بحسب مراقبين، الأمر الذي جعل الهيئة تطلب تقليص الآجال الانتخابية.
عدد ضخم للمرشحين
و أغلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس بابَ الترشح للانتخابات التشريعية، مساء الإثنين 29 يوليو/تموز 2019 ، وستدخل مئات القوائم المتقدمة لخوض الانتخابات مرحلة البتّ في استيفاء الشروط الواجب توفرها.
وأكدت الناطقة الرسمية باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، وعضو مجلس هذه الهيئة حسناء بن سليمان، أن عدد القوائم المقدمة لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة بلغ 1572 قائمة في مجمل الدوائر الانتخابية داخل تونس وخارجها، وعددها 33 دائرة.
وأضافت بن سليمان، في تصريح صحفي، أنَّ العدد الإجمالي للمرشحين ضمن هذه القوائم بلغ 15 ألفاً و737 مرشحاً، يتنافسون للفوز بأحد مقاعد المجلس النيابي المقبل، وعددها 217 مقعداً، وتوزَّعت مجمل تلك القوائم بين 163 قائمة ائتلافية و687 قائمة حزبية و722 قائمة مستقلة.
ووفق القواعد الانتخابية المعلنة سابقاً من قبل هيئة الانتخابات، سيتم الإعلان عن القوائم النهائية المقبولة، يوم 30 أغسطس/آب القادم.
ومن المقرَّر أن تنطلق الحملة الانتخابية لهذا الاستحقاق التشريعي، يوم 14 سبتمبر/أيلول المقبل، داخل تونس (27 دائرة انتخابية)، ويوم 12 سبتمبر/أيلول في الدوائر الانتخابية بالخارج (6 دوائر انتخابية)، أما الاقتراع فسيجري يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، للناخبين في تونس، وأيام 4 و5 و6 من الشهر نفسه للناخبين خارجها.
الغنوشي.. هل يكون الحصان الأسود؟
وفي آخر يوم للترشح، أودع رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، الإثنين، ملف ترشحه للانتخابات البرلمانية.
وقال الغنوشي في تصريحات صحفية عقب إيداع ملفه بمقر الهيئة الفرعية للانتخابات في العاصمة "إنَّ هذا الترشح غير منفصل عن الرئيس (الراحل) الباجي قايد السبسي، بل هو تطبيق عملي لآخر قرار اتَّخذه بدعوة الناخبين، فنحن على طريق الباجي نسير، وفي هذا الطريق تونس حقَّقت مكاسب كثيرة من خلال سياسة التوافق التي سَنَّها الرئيس الراحل".
ودعا الغنوشي زعماءَ الأحزاب والشخصيات السياسية إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليعود الاعتبار إلى العمل السياسي البرلماني، موضحاً أنه يهدف من خلال ترشُّحه للانتخابات التشريعية المقبلة "لإعطاء رسالة مفادها إعادة الاعتبار للبرلمان، وإيلاؤه أهميته الحقيقية".
واعتبر أن ترشح الشخصيات السياسية الكبرى سيكون حافزاً لتوافد الناخبين إلى التصويت، وعاملاً مساهماً في الحد من ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات.
كما بيَّن الغنوشي أنَّ حركة النهضة ستحسم خلال اليومين المقبلين موقفها بخصوص الانتخابات الرئاسية المقبلة، إما ترشيح شخصية من داخلها أو دعم مرشح من خارجها.
ونجل السبسي يعتذر
من جهته، قال حافظ السبسي، نجل الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي ومدير المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس، إنَّه قرر عدم الترشح للانتخابات التشريعية.
وأضاف في تصريح اليوم، أنَّه قرَّر المحافظة على رمزية موقعه الحالي رئيساً لحزب الفقيد الباجي قايد السبسي، مؤكداً أنه لو ترشح على رأس القائمة لحصل على نسبة جيدة، ولكنه فضَّل رغم ذلك الانسحاب من الاستحقاق الانتخابي الحالي.
أما بشأن الانتخابات الرئاسية فقد أشار حافظ إلى أنَّه سيكون لحزب نداء تونس مرشح، لافتاً إلى أنَّ الاختيار سيتم استناداً إلى معايير محددة، وإلى كفاءات ومؤهلات لمرشح حزب الرئيس الراحل.
قانون الانتخابات يحمي تكافؤ الفرص أم يُقصي المنافسين؟
وأثير جدل في البلاد حول التعديلات التي أقرَّها البرلمان التونسي على القانون الانتخابي، قبل شهر من إيداع قوائم المرشحين للانتخابات التشريعية.
ويمكن للنصِّ الجديد أن يحول بشكلٍ خاص دون ترشيح قطب الإعلام نبيل القروي، وسيدة الأعمال ألفة التراس رامبورغ.
ويتطلَّب أحد التعديلات أن يكون المرشحون قد أوفوا بنفس الالتزامات التي تعهَّد بها الأطراف بشكل فردي خلال الـ12 شهراً التي سبقت الانتخابات: عدم وجود أموال أجنبية أو تبرعات من شركات، وكذلك ألا يكونوا قد وزعوا مساعدات أو قاموا بإعلانات سياسية.
ويستهدف تعديل آخر الذين يشيدون بالديكتاتورية، وقد يشمل هذا التعديل مرشحة أخرى، هي عبير موسى، التي تدافع عن إرث الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ورفض السبسي التوقيعَ على التعديلات التي أقرَّها البرلمان على القانون الانتخابي، موضحاً أنَّه "لن يختم قانوناً فيه إقصاء بعض الأطراف من سباق الانتخابات قبل أيام من فتح باب الترشيحات"، وهذا قد يعني أنه لن يطبق في الانتخابات المقبلة.
وكان الرئيس السابق لمفوضية الانتخابات، شفيق صرصار، قد وصف التعديلات بأنها ترقى إلى "علاج الشر بالشر".
وقال النائب المستقل ياسين العياري، الذي كان حُكم عليه بتهمة المسّ بمعنويات الجيش، لوكالة الأنباء الفرنسية: "هذه التعديلات أُعدت لإقصاء خصوم سياسيين".
وهتفت النائبة أنس الحطاب من الحزب الرئاسي "نداء تونس" خلال الجلسة بشكل مباشر "إنه عار على البرلمان أن يقبل بفرض هذه العقوبات".
من جهته، قال مصطفى بن أحمد، زعيم الكتلة المؤيدة لرئيس الوزراء يوسف الشاهد "من المناسب تطبيق تكافؤ الفرص"، مضيفاً "هذا ليس قانوناً جديداً، بل توسيع للقواعد الحالية".
الانتخابات التشريعية قد تكون أهم من الرئاسية حتى لو لم تأخذ نفس الاهتمام
ورغم أن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية بعد وفاة السبسي قد سرق الأضواء من الانتخابات التشريعية، ولكن تظل الأخيرة هي الأهم، باعتبار أن النظام السياسي التونسي هو نظام برلماني في الأساس.
كما أن الانتخابات التشريعية قد تكون المنافَسة بها أكثر حدة، في ظلّ مشاركة حزب النهضة، أما الانتخابات الرئاسية فهناك احتمال ألا تشارك بها النهضة.
ولكن بطبيعة الحال فإنَّ الانتخابات الرئاسية لها أهميتها، في ظل رمزية المنصب ودوره الدستوري، وذلك لأن نتائج الانتخابات الرئاسية من شأنها التأثير بشكل كبير على التشريعية.