بمرحلة جديدة تجبّ ما قبلها، وعد العاهل المغربي الملك محمد السادس، الإثنين 29 يوليو/تموز، في خطاب إلى الشعب بمناسبة الذكرى الـ20 لجلوسه على العرش، بالحد مما سمّاها "التفاوتات الصارخة" بين طبقات المجتمع المغربي، داعياً في الوقت نفسه ولأول مرة، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بإجراء تعديل حكومي خلال مدة لا تزيد على 70 يوماً بهدف "إغناء وتجديد مناصب المسؤولية".
وبحسب مراقبين، فإن وعود الملك هذه ليست بجديدة تماماً، لكن ما لمس من خطابه هو وضوحه وتركيزه على المعاناة الاجتماعية التي يمر بها المغربيون، واتهامه لجهات رفض تسميتها بتعطيل المسيرة التنموية في البلاد والاستثمارات الوطنية والأجنبية، بسبب مصالحها الضيقة.
كما أنه وطيلة 20 سنة من حكم الملك محمد السادس، طالب في خطابه ولأول مرة، بتعديل حكومي من رئيس الحكومة، مع مهلة حتى منتصف أكتوبر القادم، حتى لا يدخل العثماني في مفاوضات طويلة الأمد مع الأحزاب والقوى السياسية كسلفه بن كيران الذي احتاج نحو 8 أشهر لتشكيل الحكومة بسبب عدم التوافق مع الأحزاب الأخرى.
"لا مكان للتفاوتات الصارخة"
في خطابه قال الملك إنّ "تجديد النموذج التنموي الوطني ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة، التي نريد -بعون الله وتوفيقه- أن نقود المغرب لدخولها". وأضاف أن هذه "المرحلة الجديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات".
تعقيباً على ذلك، يقول الباحث المغربي في العلوم السياسية عزيز إدمين لـ "عربي بوست"، إن الملك قدم ملاحظة خلال 20 سنة من حكمه، أن هناك مشاريع تنموية وبنية تحتية كثيرة تم إنجازها في البلاد، إلا أن هذه المشاريع لا يلمسها المواطن ولا يشعر بها، وما زال يعيش حالة من الفقر.
وبحسب إدمين، فإن هذا ما يجعل هناك مغربين اثنين داخل المملكة، مغرب غنيّ جداً وأفراده قلّة قليلة، ومغرب فقير جداً وهم الأغلبية الساحقة من الشعب، وهذه هي "الفوارق الصارخة" التي ركّز عليها الملك بوضوح.
ووفق إدمين، فإن "الملك أعطى إشارات بشعوره بألم الشعب والظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي تعانيه الشريحة الأوسع من المجتمع، وأظهر معرفته التامة بكمية هذه الفوارق الاجتماعية والطبقيّة، محمّلاً في الوقت نفسه، مسؤولية ذلك لجهات لم يسمّها اتهمها بتعطيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية".
ضخ دماء جديدة
في السياق، اعتبر الملك محمد السادس أنّ "المرحلة الجديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشاريع. لكنها ستتطلب أيضاً نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة".
وأوضح أنه "في هذا الإطار، نكلّف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق".
وبحسب إدمين، فإن رئيس الحكومة العثماني وحزبه العدالة والتنمية سيقدمان تنازلات كثيرة للأحزاب والقوى الأخرى، لأن الوقت الذي حصر الملك فيه رئيس الوزراء للتفاوض وتشكيل الحكومة ضيّق جداً وسيدفعه للتنازل عن حقائب وزارية للأحزاب الأخرى.
من جانبه يقول عبدالعزيز افتاتي، الكاتب والمحلل السياسي المغربي، لـ "عربي بوست"، إن "خطاب الملك يؤكد إرادة الدولة في مجملها رغم الأخطار المحدقة، واستمرار التراكم الإصلاحي العصي على الالتفاف"، معتبراً أن الوعود الملكية هي في إطار الاستمرارية لهذا المسار الإصلاحي، وأن التعديل الحكومي بدوره حصل حوله اتفاق بين مكونات الدولة لدعم مسار الإصلاح.
وبحسب افتاتي، فإن تعديل الحكومة كان أمراً قادماً لا محالة، لكنه سيعتبر هذه المرة تقليصاً للأغلبية التي تدير الحكومة، وتقليصاً للحقائب الوزارية نفسها، ما سيقوي مركز رئيس الحكومة مؤسساتياً في نطاق مزيد من التوجه نحو الملكية البرلمانية المتضمنة في الفصل الأول من الدستور الجديد، حسب تعبيره.
ويرى افتاتي أن "المغرب لم يصل إلى المأمول لكنه يحرص على تجاوز عتبة الأخطار المحدقة من نكوصٍ وسلطوية، وبالطبع فإن المطلوب الآن هو استثمار الوقت قبل فوات الأوان لتثبيت المسار الإصلاحي، بتوطيد الخيار الديمقراطي والتنمية والعدالة الاجتماعية".
هل ترى الوعود الملكية النور؟
يرى الباحث إدمين أن الملك منذ سنوات طويلة يقدم وعوداً متعلقة بالتنمية والديمقراطية والحريات، وأنه كان يستند دائماً إلى نفس الوجوه ونفس الشخوص الذين يستنزفون موارد البلاد وميزانيتها، ويعيقون مسيرة التنمية. وإذا كان الملك سيعتمد هذه المرة أيضاً على نفس الرموز، فلن ترى الوعود النور، ولن تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع وسيعود المواطن لنفس الدوامة.
وبحسب إدمين، فإنه يجب استبدال الوجوه والنخب التي تدير البلاد وتتحكم بمفاصلها، بنخب وطنية مسؤولة مبنية سياساتها على الكفاءة وليس المحسوبية. مضيفاً أن المواطن المغربي شعر بانتكاسات كثيرة خلال السنوات الماضية بسبب هذه النخب وطريقة إدارتها للبلاد.
وفي خطابه رحّب محمد السادس الذي تولّى العرش في 1999 خلفاً لوالده الملك الراحل الحسن الثاني، بما أنجزته البلاد من "نقلة نوعية على مستوى البنيات التحتية" وما قطعته من "خطوات مشهودة، في مسار ترسيخ الحقوق والحريات، وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة".
غير أن الخطاب لفت إلى أن "ما يؤثّر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدّم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي".
وأوضح أن "بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى".
تفادي النفق المظلم
من جانبه، يرى عمر شرقاوي، الباحث السياسي في جامعة محمد الخامس، أن "روح خطاب العرش وأجندة الملك لما بعد 20 سنة من الحكم حتمت طرح سؤال جوهري مفاده: ما النخبة التي ستقدم للملك يد العون لتطبيق الأهداف المرسومة؟ ومع من ستتقاسم المؤسسة الملكية أعباء السلطة لتحقيق مغرب الغد؟".
وأضاف شرقاوي في منشور له على فيسبوك، أنه "مما لا ريب فيه أن النخبة الحكومية والإدارية الحالية عاجزة عن القيام بأي شيء، ووصلت درجة الإشباع الذي أصبحت معه تنتج آثاراً جانبية. لذلك فالحاجة ماسّة وعاجلة لإمداد حكومة العثماني والمؤسسات ببعض الأوكسجين لإخراجها من حالة الاختناق القاتلة، فاستمرار الحكومة بتشكيلتها الحالية، ومقاومة الوجوه السياسية البالية لكل تغيير، إلى ما بعد انتخابات 2021، سيدخلنا لا محالة في نفق مظلم لا نعلم متى سنخرج منه".
ويعاني الاقتصاد المملكة من تباطؤ في النمو وتردٍّ في الأوضاع الاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة لا سيما في صفوف الشباب. وشهدت مناطق مغربية مختلفة حركات احتجاجية في السنوات الماضية. وكان من أبرزها في الفترة الأخيرة الحركتان الاحتجاجيتان اللتان هزتا منطقة الريف (شمال) ومدينة جرادة (شرق) في 2017 و2018.
كما ظهر في ربيع 2018 أسلوب احتجاجي غير مسبوق في المغرب تمثل في مقاطعة منتجات ثلاث شركات تستحوذ على حصة الأسد في أسواق المحروقات والحليب والمياه المعدنية، رفضاً لغلاء الأسعار. ولقيت الحملة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يتبناها أحد، تجاوباً واسعاً.
وبعيد إلقاء العاهل المغربي خطابه من قصره في تطوان شمال المملكة، أعلنت وزارة العدل في بيان أنه بمناسبة "عيد العرش" أصدر الملك عفواً ملكياً شمل 4764 مداناً، بينهم خصوصاً "مجموعة من معتقلي أحداث الحسيمة"، الحراك الذي هزّ منطقة الريف في شمال المملكة عامي 2016 و2017.
ولم يحدّد بيان الوزارة عدد المستفيدين من العفو من معتقلي أحداث الحسيمة، علماً بأن هذا التحرّك الاحتجاجي انتهى باعتقالات وصدور أحكام قاسية طالت مئات الأشخاص، بحسب منظمات حقوقية.