قوبِل عرض وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إجراء لقاءٍ مع التلفزيون الحكومي الإيراني بردود فعلٍ إيجابية من جانب عددٍ من المسؤولين الإيرانيين، الذين يرون أنَّ هذه فرصةٌ لتحدي بومبيو.
ففي الوقت الذي تُعَد فيه تحركات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في نيويورك محدودة، قال بومبيو لصحيفة The Washington Post الأمريكية، إنَّه سيقبل أي عرضٍ بالظهور على التلفزيون الإيراني، ومخاطبة الإيرانيين، ليقول لهم: "نحن نهتم بهم بشدة، وندعم الشعب الإيراني، ونفهم أن الحُكم الديني الثوري لا يتصرف بطريقةٍ تُلبي مصالحهم".
كيف تفاعل الإيرانيون مع مقترح بومبيو؟
رداً على ذلك، رحَّب علي مطهري، العضو البارز المعتدل والصريح في البرلمان الإيراني، بعرض بومبيو، واصفاً إيَّاه بأنَّه "مفيد". ثم حثَّ "مطهري" التلفزيون الحكومي الإيراني، الذي يديره المحافظون، على قبول عرض بومبيو.
إذ قال في لقاءٍ مع وسائل إعلام محلية: "أرى أنَّ هذه فرصة جيدة، لكن يجب ألَّا يكون اللقاء من جانبٍ واحد وألَّا يشهد تحدُّث بومبيو (فقط)، بل يجب على المُحاوِر طرح القضايا طرحاً ماهراً بطريقةٍ (تُثبت عدم) وجود منطق في الولايات المتحدة".
مناظرة بين ظريف وبومبيو بدلاً مع اللقاء
وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض الإيرانيين الآخرين أنَّه يجب إجراء مناظرةٍ مباشِرة بين ظريف ونظيره الأمريكي، بدلاً من اللقاء التلفزيوني. إذ قال نصرت الله طاجيك، وهو دبلوماسي إيراني سابق، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "إجراء مناظرةٍ بين ظريف وبومبيو أفضل من إجراء لقاء، وبإمكان الشعب الإيراني مشاهدتها على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون. لكنَّ المهم أن تتحلى الولايات المتحدة بالصدق، ويجب أن يكون هناك استعداد من جانب الطرفين للحوار".
ومع ذلك، يبدو أنَّ بعض المحافظين الإيرانيين لا يرغبون في رؤية بومبيو على شاشة التلفزيون الإيراني، إذ يقولون إنَّه ربما يُضمِر "نيّاتٍ خبيثة". ففي مقابلةٍ مع Al-Monitor، قال محمد تاغي رهبار، وهو رجل دين وإمام صلاة الجمعة في أصفهان: "ما الذي يريد قوله في اللقاء؟ لقد هدموا جميع الاتفاقيات الدولية وأهانوا الأمة الإيرانية. لذلك، أعتقد أنَّ مثل هذا اللقاء ليس في مصلحة إيران ولن يكون مفيداً. فهُم لديهم خططٌ خادعة، ونيّاتهم خبيثة بالتأكيد. كل تحرُّكاتهم مبنيَّة على النفاق والتمثيل، لذا يجب ألَّا يقبل التلفزيون الحكومي هذا العرض الذي قدَّمه بومبيو. ولكن إذا عادت الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فستكون هذه خطوة نحو حدوث انفراجة. وحينئذٍ ستُتاح فرصة لإجراء حوار".
التلفزيون الإيراني لا يعارض الفكرة
ومع ذلك، يبدو أنَّ التلفزيون الإيراني الحكومي لا يعارض تماماً فكرة إجراء مقابلة مع بومبيو، إذ لمَّح بعض مسؤوليه تلميحاً غير مباشر بميلهم إلى الموافقة، قائلين إنَّ بومبيو هو الذي سيرفض ذلك. إذ أكَّد حسن عابديني، وهو مسؤول كبير بالتلفزيون الحكومي، لوسائل إعلام إيرانية، في 17 يوليو/تموز الجاري، إنَّهم طلبوا مراراً إجراء لقاءاتٍ مع مسؤولين أجانب، لكنَّ المسؤولين يرفضون في الغالب، لأنهم "لا يملكون أي كلامٍ منطقي مُقنِع".
وقال: "المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون لا يمكنهم تقديم أي إجاباتٍ مقنعة للشعب الإيراني. لذا لا يرغبون في أن يُحاوِرَهم (أحدٌ مِنّا)". وانتقد بومبيو كذلك، قائلاً إنَّ هناك 16 صحيفة ووسيلة إعلامية أمريكية تعمل بإيران، في حين أنَّ مراسل التلفزيون الحكومي الإيراني الوحيد في الأمم المتحدة لا يُسمَح له بالذهاب إلى أيِّ مكانٍ يبعُد أكثر من "5 كيلومترات" من مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك.
فتح الباب أمام سفر المسؤولين الأمريكيين إلى إيران
وفي الوقت نفسه، يؤكِّد عددٌ من المحللين في إيران أنَّ بومبيو ربما يُضمِر بعض الأهداف الخفية الأخرى، مثل تطبيع زيارات المسؤولين الأمريكيين لطهران.
إذ قال أمير علي أبو الفتح، الخبير في شؤون السياسة الخارجية: "وزير الخارجية الأمريكي لا يهتم اهتماماً كبيراً باللقاء نفسه، بل يُركِّز على مكان اللقاء. فعلى غرار جهود ظريف في نيويورك، يريد بومبيو كذلك السفر إلى طهران والاستفادة من إمكانات وسائل الإعلام بإيران، من أجل فتح فصل جديدٍ يشهد (ذهاب المسؤولين الأمريكيين بسهولةٍ إلى طهران)".
وتحدَّث أبو الفتح، الذي يتسم بعقليةٍ إصلاحية، عن أنَّ بومبيو ربما يسعى إلى "أداء مسرحيةٍ سياسية ودبلوماسية" بإجراء لقاءٍ مع التلفزيون الحكومي الإيراني. لكنَّه أكَّد أنَّ تصريحات بومبيو تكشف أنَّ "الدبلوماسية الإعلامية" لظريف في الولايات المتحدة كانت "فعالةً" في أثناء "الوضع الحساس الحالي الذي وصلت فيه المنافسة بين طهران وواشنطن إلى ذروتها، وصار استخدام أي أداةٍ لهزيمة الطرف الآخر مهماً".
تلميع صورة ترامب قبيل الانتخابات
وفي الوقت نفسه، يعتقد البعض أنَّ التواصل مع الشعب الإيراني مباشرةً وتحسين صورة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الشعب الإيراني يُعتبران كذلك من بين الأسباب التي قد تدفع بومبيو إلى إجراء مقابلة مع التلفزيون الحكومي الإيراني. وفي هذا الصدد، قال طاجيك، الدبلوماسي الإيراني السابق، لموقع Al-Monitor، إنَّ "عرض بومبيو يُعَد جزءاً من سيناريو أكبر يهدف إلى إقناع الإيرانيين بالتمرد ضد الجمهورية الإسلامية، وهي سياسة تتبعها إدارة (ترامب). ولكن إذا كان هذا اللقاء التلفزيوني يهدف إلى حل المشكلات بين البلدين، فإننا نرحب به. لكنني في الوقت الحالي لا أعتقد أنَّ إدارة ترامب تسعى إلى حل النزاعات، لأنَّها لا تتبع سوى سياسة الضغط".
ومع ذلك، وبغض النظر عن نيّات الولايات المتحدة، فإذا وافق التلفزيون الحكومي الإيراني على إجراء لقاءٍ مع مسؤول أمريكي رفيع المستوى، في خطوةٍ تُعتبر كسراً لأحد المحرَّمات، فسوف يمهد ذلك الطريقَ أمام الصحف الخاصة والمواقع الإلكترونية الإخبارية في إيران للتجرؤ على إجراء لقاءاتٍ مع مسؤولين حكوميين أمريكيين. كل ما علينا هو الانتظار لمعرفة ما إذا كان التلفزيون الحكومي سيعرض إجراء مقابلة مع بومبيو، وما إذا كان ذلك الأخير سيقبل العرض في حال تقديمه.