لا شكَّ أن قصف قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لأول مرة، مدينة مصراتة، منذ بداية هجومه على العاصمة طرابلس قبل نحو أربعة أشهر، سيكون له تبعاته على سير المعارك، التي اتسعت لتشمل مناطق أبعد عن محاور القتال الرئيسية جنوبي طرابلس؛ إذ إن السبت الماضي، أغارت طائرات لحفتر على الكلية الجوية في مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، وزعمت أن هذه الغارات شملت أيضا تمركزات لإحدى كتائب مصراتة في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، الأمر الذي نفته الأخيرة.
حفتر يبحث عن الانتقام
في مدينة القره بوللي (45 كلم شرق طرابلس)، تسللت قوة من اللواء التاسع ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، وسيطرت على جسر القره بوللي الاستراتيجي على الطريق الساحلي، الذي تعبر منه الإمدادات العسكرية من مصراتة إلى جبهات القتال جنوبي طرابلس، قبل أن تتدخل قوات الوفاق وتطرد هذه القوة التي وصفتها بـ "الخلايا النائمة" .
وواضح أن الهجوم على مصراتة ومحاولة قطع طريق إمداداتها إلى طرابلس يأتي رداً على الضربة الموجعة التي وجهتها قوات الوفاق لمركز القيادة والتحكم الجديد لقوات حفتر في قاعدة الجفرة الجوية (600 كلم جنوب شرق طرابلس). وتمكنت غارات قوات الوفاق على قاعدة الجفرة، الجمعة، من تدمير حظيرة الطائرات المسيرة، وإعطاب طائرة شحن "يوشن 76″، ومنظومات الدفاع الجوي، ومخزن للذخيرة، بالإضافة إلى استهداف حاجز أمني بالقرب من مدينة هون، المجاورة لقاعدة الجفرة.
القوة الرئيسية التي أنقذت طرابلس من السقوط
تمثل كتائب مصراتة مجتمعة الثقل الرئيسي لقوات حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، وتدخلها في معركة طرابلس كان حاسماً في وقف اجتياح ميليشيات حفتر للعاصمة، بعد أن سيطرت في الأيام الأولى للمعركة على أربع مدن رئيسية بدون قتال (صبراتة، صرمان، غريان، وترهونة) وعلى بلدات منطقة ورشفانة (العزيزية، الكريمية، الساعدية، الزهراء)، وعلى بلدات النواحي الأربعة (السبيعة، سوق الخميس، سوق السبت، سوق الأحد)، ثم اكتسحت الضواحي الجنوبية للعاصمة، وبالأخص أحياء قصر بن غشير، وعين زارة، ووادي الربيع، والسواني.
والوصول السريع لكتائب مصراتة، وبالأخص كتيبتي 166 والحلبوص، إلى الجبهات المتقدمة للقتال أعاد للمعركة توازنها، ومنع قوات حفتر من دخول قلب العاصمة ومعقل حكومة الوفاق ومؤسسات الدولة السيادية.
وكمرحلة تالية تمكنت كتائب مصراتة، بالتنسيق مع كتائب الوفاق الأخرى خاصة القادمة من مدينتي الزنتان (140 كلم جنوب غرب طرابلس) والزاوية (45 كلم غرب طرابلس)، من القيام بهجمات مضادة سمحت لاحقاً باستعادة عدة مناطق على غرار السواني (30 كلم جنوب غربي طرابلس)، وورشفانة (جنوب غرب طرابلس)، وغريان (100 كلم جنوب طرابلس).
كتائب مصراتة لم تدخل بعد معركة طرابلس بكامل ثقلها
ليس هناك إحصاء رسمي لقوة كتائب مصراتة، لكن في 2015، نقلت جريدة "الخبر" الجزائرية، عن قيادي ميداني في القوة الثالثة لمصراتة، لم تكشف عن اسمه، أن عددهم يصل إلى نحو 17 ألف مقاتل، يمثلون ثلثي قوات فجر ليبيا (تحالف سابق لكتائب من غرب ليبيا مشكل من 25 ألفاً من الثوار السابقين) ولديهم 5 آلاف عربة مسلحة منصوب عليها مدفع رشاش مضاد للطائرات.
بينما ذكرت "منظمة ضحايا لحقوق الإنسان" الليبية، في تقرير مفصل حول "القوة التسليحية لمدينة مصراتة بعد ثورة 17 فبراير/شباط"، نشرته على صفحتها الرسمية على الفيسبوك، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أن المدينة تحتوي على 16 ألف مقاتل، بالإضافة إلى 20 ألفاً من قوات الاحتياط، مما يرفع عددهم عند التعبئة إلى 36 ألف مقاتل.
وبالنسبة لحجم الأسلحة، أوضحت المنظمة أن كتائب مصراتة تملك 380 دبابة منها 50 دبابة من نوع "تي 90 إس" المتطورة، والبقية من نوع "تي 62 إس" و "تي 55 إس"، بالإضافة إلى 225 دبابة أخرى مخزنة (تحتاج لصيانة)، فضلاً عن 300 عربة مدرعة، و500 شاحنة نقل ثقيل.
أما بالنسبة للسيارات المنصوب عليها مدافع رشاشة، فبلغت قبل 6 سنوات 1500 عربة، بحسب التقرير؛ حيث يتم استيراد سيارات رباعية الدفع بسهولة من الخارج، ثم يجري تنصيب مدافع رشاشة مضادة للطائرات عليها، في ورشات حدادة محلية.
وأثبتت هذه العربات المسلحة فاعليتها في حرب المدن وحتى في الصحراء، وأيضاً حرب العصابات التي تعتمد على الكر والفر، نظراً لسرعتها مقارنة بالدبابات والمدرعات، وصغر حجمها، وقدرتها على المناورة. وأخذ الليبيون هذا التكتيك القتالي من التشاديين، بعد هزيمتهم في معركة "وادي الدوم"، التي أُسر فيها حفتر في 1987، بحسب مصادر عسكرية ليبية.
280 كتيبة في مصراتة
أما بالنسبة للقوات الجوية في مصراتة، فتضم 700 عنصر، و25 طائرة بين مقاتلة واستطلاع وتدريب، و5 طائرات نقل، و50 مروحية بحسب التقرير.
ويشير التقرير إلى أن كتائب مصراتة، مقسمة إلى 35 كتيبة مشاة آلية، وكتيبتي دبابات، و10 كتائب مدفعية، ومجموعتين من القوات الخاصة، في حين تشير تقارير إعلامية أخرى إلى أن عدد كتائب مصراتة يقدَّر بـ280 كتيبة، أشهرها الكتيبة 166، ولواء الحلبوص (الكتيبة 301)، وكتيبة المحجوب، وكتيبة حطين، وكتيبة المرسى.
ورغم أن التقرير قديم نسبياً، فإنه يعطي صورة ولو عامة على قوة كتائب مصراتة، التي تعد أكبر قوة عسكرية في المنطقة الغربية ولديها تمركزات حالياً من سرت شرقاً إلى طرابلس غرباً وحتى غريان جنوباً.
وإلى جانب قوتها العسكرية، تعتبر مصراتة مركزاً اقتصادياً، فهي ثالث أكبر مدينة ليبية بعد طرابلس وبنغازي (عدد سكانها نحو 500 ألف نسمة)، وأهلها معروفون بالتجارة منذ القدم، حيث تحتوي المدينة على ميناء تجاري، ومطار دولي منتظم الرحلات، ورغم أنه لا يوجد بها آبار نفط وغاز، فإن مصراتة تنتج الحديد والصلب، وصدرت منه آلاف الأطنان إلى الجزائر مؤخراً.
مصراتة لوحدها توازن قوات حفتر
وقبل 2017، كانت كتائب مصراتة تسيطر على معظم إقليم فزان، بما فيه قواعده العسكرية الجوية الثلاث؛ الجفرة، ووادي الشاطئ (700 كلم جنوب طرابلس)، وتمنهنت (التابعة لمدينة سبها 750 كلم جنوب طرابلس)، ومنها تم نقل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى مصراتة، خاصة الصواريخ المتوسطة المدى، والأسلحة المضادة للدروع، و "صواريخ سام 7" المحمولة المضادة للطائرات، ومختلف أنواع الذخائر.
وتعتبر كتائب مصراتة أشبه بجيش صغير، وتوازن في قواتها ميليشيات حفتر، رغم أنها لم تشارك سوى بنحو ثلث قوتها في معركة طرابلس، وهذا ما يفسر عجز حفتر عن دخول طرابلس منذ نحو أربعة أشهر من القتال، رغم الدعم العسكري واللوجيستي الذي تتلقاه قواته من عدة دول.
وسبق لكتائب مصراتة أن تمكنت من طرد قوات حفتر من العاصمة طرابلس ومطارها الدولي في 2014، وحسمت المعركة بعد يوم واحد من مقتل أكثر من 40 من مقاتليها في قصف جوي لطيران يعتقد أنه إماراتي.
هل ستلقى قوات حفتر مصير "داعش"؟
كما تمكنت كتائب مصراتة من صد هجوم كاسح لتنظيم "داعش" من معاقله في سرت باتجاه مصراتة، في مايو/أيار 2016، بل استطاعت القيام بهجوم معاكس حررت المناطق التي سيطر عليها التنظيم، حينها، قبل أن تقضي عليه في معقله، وتنهي آخر سيطرة له على المدن الليبية، بمساعدة أمريكية وبريطانية، كما نصبت إيطاليا مستشفى ميدانياً بالمدينة يحرسه 300 جندي.
واستهداف طيران حفتر لمصراتة من شأنه أن يستنفر كافة مقاتليها، وحينها قد تدخل كتائب المدينة بكامل ثقلها العسكري والبشري، وقد لا تتوقف حدود المعركة عند تخوم طرابلس.
وقد تمتد نيران المعارك إلى قاعدة الوطية الجوية (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، التي أعلنت قوات حفتر أن الهجوم انطلق منها، كما يمكن أن تشمل أيضاً قاعدة الجفرة الجوية والمدن الرئيسية لمحافظة الجفرة (هون، وودان، وسوكنة)، وحتى موانئ الهلال النفطي الاستراتيجية القريبة من سرت (السدرة، وراس لانوف، والبريقة، والزويتينة).