"عاصمة المرتزقة في العالم"، ينطبق هذا الوصف على أبوظبي في ظل التوسع الإماراتي في تجنيد المرتزقة بشكل محموم، فلماذا هذا التوسع رغم أن الجيش الإماراتي أثبت أنه واحد من أكفأ جيوش الخليج؟
على عكس العديد من دول الخليج، بما فيها أكبرها السعودية، نجحت الإمارات في تأسيس جيش محترف وإن كان صغير الحجم وأثبت أداءه في اليمن رغم إخفاقه في تحقيق أهدافه بأنه أكفأ من الجيش السعودي الأكبر حجماً، والذي يعد واحداً من أكبر الجيوش على مستوى العالم من حيث الإنفاق العسكري.
ورغم نجاح الإمارات في هذا التحدي، فإن الدولة الخليجية الصغيرة تتوسع في تجنيد المرتزقة بشكل لافت للنظر.
لماذا هذا التوسع الإماراتي في تجنيد المرتزقة؟
تعاني دول الخليج الغنية قليلة السكان من عدد التحديات الأمنية البنيوية المتشابهة، فهي دول غنية قليلة السكان تعاني من نقص العنصر البشري عدداً، كما أن نمط الحياة المرفه بقدر ما منح هذه البلدان إمكانيات هائلة بقدر ما كان له أثر سلبي على رغبة السكان في تحمل مشقة التجنيد.
فقد كان سكان الجزيرة العربية دوماً محاربين أشداء، ولكن بعد عقود من الرفاهية تغير الأمر، ويمكن تأمُّل الأداء المذهل لقوات مؤسس المملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل سعود حتى في مواجهة اليمنيين، مقارنة بفشل الجيش السعودي حالياً في حسم الحرب بعد أربع سنوات من القتال رغم امتلاكه أحدث الأسلحة حول العالم، إضافة إلى الدعم الأمريكي.
ولكن التحديات الأمنية في الدول الخليجية ليست خارجية فقط بل هناك تحدٍّ داخلي لا يقل أهمية.
وهو الخوف من انقلاب النخب العسكرية المحلية على الأسر الملكية مثلما حدث في أغلب الدول العربية (مصر، العراق، ليبيا، وسوريا التي لم تكن نظاماً ملكياً ولكن شهدت انقلابات مماثلة).وفي مواجهة المخاوف من الانقلابات كان هناك حلول مختلفة
وفي مواجهة المخاوف من الانقلابات كان هناك حلول مختلفة
لجأت دول الخليج للتركيز على الولاء القبلي والعشائر، وهيمنة الأسر الحاكمة على المؤسسة العسكرية.
ولكن لجأت إلى تقسيم المؤسسة العسكرية كما فعلت السعودية إلى حرس وطني وجيش وطني على أساس أن المنافسة بينهما تمنع الانقلاب.
غير أن الإمارات لجأت إلى خيار آخر وتوسعت فيه بشكل لافت هو تجنيد المرتزقة.
التوسع الإماراتي في تجنيد المرتزقة يحاول معالجة مشكلة قلة عدد السكان التي سعت الدولة للتغلب عليها أيضاً عبر فرض التجنيد الإجباري.
كما أنه يمثل أداة فعالة في توسيع النفوذ الإقليمي الإماراتي مع تخفيف ضريبة الدم التي سيدفعها المواطنون جراء المغامرات الإقليمية.
لكن وضع الإمارات مختلف عن باقي الدول الخليج
ولكنْ هناك سبب آخر وراء التوسع الإماراني في تجنيد المرتزقة.
وهو عدم ثقة حاكم البلاد الفعلي الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في ولاء مواطنيه له.
لم يجد بن زايد غضاضة في الإفصاح يوما عن أنه "لا يثق بجيشه الوطني أو في ولائه للأسرة الحاكمة"، وفق ما جاء في برقية ويكيليكس، برقية حملت تفاصيل حوار "ابن زايد" مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي "ويليام بيرنز" عام 2007.
ونتيجة لذلك، فإن الإمارات اعتمدت في وقت مبكر في تكوين جيشها على الأجانب، حيث تشير التقديرات إلى أنه خلال التسعينيات كان ثلث قوات الجيش الإماراتي من الأجانب المأجورين.
وتتزايد هذه المخاوف في بعض دول الخليج مع التغييرات البيروقراطية المرتبطة بالتجنيد الإلزامي، الذي يتطلب بالضرورة تدفق العديد من المجندين والضباط من الطبقات الفقيرة والمتوسطة وربما من الأقليات الدينية (الشيعة) على سبيل المثال، وقد ينتهي الحال بهؤلاء إلى مصاف قيادات الجيش.
ولكن في الحالة الإماراتية لا تعود المخاوف من العسكريين المحليين لأسباب طائفية واجتماعية وسياسية فقط كباقي البلاد العربية.
ولكنْ هناك عامل تتميز به الإمارات، وهو المخاوف المناطقية.
القلق من الإمارات الشمالية الفقيرة
ما زالت الهوية الإماراتية هوية حديثة فالانتماء للإمارة إضافة إلى الانتماءات العشائرية مازال قوياً.
ويعتقد على نطاق واسع أن نسبة كبيرة من المجندين في الجيش الإماراتي من الإمارات الشمالية الفقيرة؛ نظراً لأن سكانها أفقر، وبالتالي يجذبهم الدخل الذي يقدمه الجيش.
وفي الوقت ذاته تعاني هذه الإمارات من التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وقد يكون لهم دور في الانسحاب من اليمن
وانزعاج هذه الإمارات الفقيرة من الدماء التي دفعها أبناؤها في اليمن قد يكون له دور في قرار الانسحاب الإماراتي من هناك.
إذ قال دبلوماسيان لـ "رويترز" إن الانزعاج في الإمارات كان له دوره في قرار الانسحاب أو إعادة الانتشار.
فقد سقط في الحرب أكثر من 100 قتيل من جنود الدولة، خاصة من الإمارات الأقل ثراء مثل رأس الخيمة، فيما اعتبر الأول أن "هذه هي بداية النهاية لمرحلة التحالف بقيادة السعودية في اليمن" .
وبالتالي فلا يمكن استبعاد وجود قدر من التذمر في أوساط جنوب الإمارات أفقر، كما أن عملية ضمان ولائهم في أي نزاع على السلطة ليست مضمونة، فولاؤهم سيكون موزعاً بين قيادتهم العسكرية والإمارات التي ينتمون لها.
والشيخ محمد بن زايد الذي يحارب المعارضة في أي أرض عربية لن يترك شيئاً للصدفة، ومن هنا جاء اعتماده على المرتزقة.
ولقد أصبح الجيش الإماراتي خليطاً من الضباط والجنود المحليين وأيضاً المرتزقة، كما أن المرتزقة أجدر على التعامل مع القضايا ذات الحساسية بالنسبة للجنود المواطنين.
ولكن حركة التاريخ، ولاسيما تاريخ المنطقة العربية، تشير إلى أنه كم من الحكام لجأوا للجنود المستأجرين أو المماليك بدلاً من تجنيد شعوبهم أو لتجنب تقديم بعض الحقوق لشعوبهم، وفي النهاية كانت النتيجة أنهم فقدوا كراسي السلطة لصالح هؤلاء المرتزقة، وفقدت شعوبهم السيطرة على بلادها لصالح الأغراب.