إذا كنت ممن يصدقون الإعلام السعودي، فإن بلداً كتركيا يجذب 39 مليون سائح أجنبي كل عام يقف على حافة الفوضى! وجاء في عنوان رئيسي ظهر مؤخراً في إحدى الصحف السعودية "تركيا ليست آمنة للسفر"، كما حذرت سفارة المملكة العربية السعودية في أنقرة من تزايد عمليات الاستغلال التي تستهدف المواطنين السعوديين. وزعم تقرير آخر أن 2187 شخصاً قُتلوا نتيجة العنف المسلح في تركيا عام 2017.
أحدهم قتل في قنصلية بلاده
وصحيحٌ أن زائراً سعودياً قُتل وقطعت أوصاله في تركيا، العام الماضي، لكن قتلته لم يكونوا من السكان المحليين، وإنما فرقة اغتيال سعودية تضم 15 فرداً، ونُفذت عملية القتل داخل قنصلية سعودية.
وكان الصحفي جمال خاشقجي، الذي كان مصدر إزعاج للنظام السعودي، هو الضحية. وتسبب قتله في زيادة توتر العلاقات بين البلدين بدرجة أكبر. ومن هنا جاءت حملة المسؤولين السعوديين لثني مواطنيهم عن السفر إلى تركيا. ويبدو أنها تنجح: إذ انخفض عدد السياح السعوديين بنسبة 31% في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام مقارنة بالعام الماضي، كما تقول مجلة The Economist البريطانية.
الأنظمة العربية تتحكم في الوجهات السياحية
وتقيد العديد من الأنظمة العربية حرية مواطنيها في الأماكن التي يمكنهم زيارتها. في عام 1989، سرق عامل تايلندي مجوهرات من قصر أمير سعودي في حادثة تُعرف بـ "قضية الماسة الزرقاء" . وقُتل ثلاثة دبلوماسيين سعوديين في بانكوك بعدها في حوادث غامضة قد تكون مرتبطة بالسرقة أو غير مرتبطة بها. ومنعت المملكة على الفور رعاياها من زيارة تايلاند.
ورغم عودة معظم المجوهرات المسروقة، لا يزال الحظر قائماً. وفي العام الماضي، زار تايلاند 28 ألف سعودي فقط، مقارنة بـ 75 ألف زائر من الكويت الأصغر من السعودية بكثير.
الأزمة الخليجية
كانت مصر دوماً، الدولة العربية التي تعد وجهة قليلة التكلفة ومريحة نسبياً، مقصداً شعبياً لسياح الخليج. غير أن القطريين يتجنبونها الآن لأسباب سياسية، إذ إن مصر إحدى الدول الأربع التي فرضت حصاراً على قطر عام 2017.
بل إن الحصار حوَّل فريضة الحج إلى خلاف سياسي، إذ تتهم قطر السعودية بعرقلة سفر الحجاج القطريين. ومنعت الإمارات العربية المتحدة السفر إلى لبنان منذ عام 2012، بسبب ما تقول الحكومة إنه مخاطر تعرض رعاياها للاختطاف هناك. وفي عام 2011، سافر حوالي 32 ألف إماراتي إلى بيروت، فيما كان عدد زوار العام الماضي أقل من 1800 زائر.
وفي مصر، يحتاج المواطنون الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً إلى موافقة أمن الدولة قبل السفر إلى تركيا. وفُرض الحظر عام 2014 لمنع المصريين من العبور إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ورغم أن هذا الأمر لم يعد يشكل مصدر قلق إلى الآن، لا يزال الحظر سارياً وهو ما اكتشفته امرأة مصرية مؤخراً أثناء محاولتها السفر إلى إسطنبول لقضاء عطلة مدتها أسبوع مع شريكها الأجنبي (وحاولت شرطة المطار تقديم المساعدة بحثها الرجل على السفر وحيداً).
سياحة داخلية
وتأمل الحكومة السعودية في أن ينفق مواطنوها داخل المملكة الأموال التي خصصوها للسياحة بالخارج، بثنيها إياهم عن زيارة تركيا. وقد قدم الملك سلمان نموذجاً على ذلك في الصيفين الماضيين حين لم يسافر كعادته لقضاء إجازته في أحد قصور المغرب، وإنما أمضى عطلته في بلده في مدينة نيوم، وهي مدينة يُخطط لبنائها بمبلغ 500 مليار دولار على الساحل الشمالي الغربي للمملكة.
ولا ريب أن حر الصيف لا يمكن احتماله هناك، لكن على الجانب المشرق، لا يوجد رواد للشاطئ: ما من أحد يسكن المدينة بعد!