بعد أن وصل الأمر إلى السكن في شقق بمساكن توصف بالنعوش، تخطط سلطات هونغ كونغ لإنشاء أكبر جزيرة صناعية في العالم لنقل السكان المكدسين إليها، ولكن هناك تحذيرات من تأثيرات خطيرة للمشروع.
وقالت كاري لام، رئيسة هونغ كونغ التنفيذية، أثناء حوارها مع الصحفيين في جلسة أسئلة وأجوبة حول المعروض من الأراضي خلال العام الماضي: وأضافت: "على المدى البعيد، ستضطر الكثير من المدن النامية إلى تبني هذا الخيار".
وتعاني هونغ كونغ أزمة تكدس سكاني ونقص في الإسكان مزمنة، وازداد الوضع سوءاً مع إصدار 150 تصريح إقامة يومياً لصالح مواطنين صينيين من البر الرئيسي منذ 1997، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
إلى جانب ذلك، فوفقاً لمركز أبحاث مؤسسة Our Hong Kong، تغلق القوانين والقيود التنظيمية 62% من الأرض بشكل كامل أو شبه كامل لأسباب بيئية تتعلق بتطوير الأراضي.
خطة هونغ كونغ لإنشاء أكبر جزيرة صناعية في العالم
يقول ستيفن وونغ، نائب المدير التنفيذي لمركز الأبحاث: "من الضروري أن نبحث عن مصادر جديدة لتوفير الأراضي عن طريق بناء مدن جديدة على أراضي حديثة الإنشاء".
وتدفع المدينة، التي شهدت احتجاجات وصدامات واسعة بسبب قانون تسليم المطلوبين المثير للجدل، إلى الأمام بخطط لبناء واحدة من أكبر الجزر الصناعية في العالم تحت اسم رؤية لانتاو المستقبلية.
وهو المشروع الذي سيُكلف ما يصل إلى 62 مليار دولار هونغ كونغي (ما يقارب 8 مليارات دولار أمريكي)، ويتضمن استصلاح 1700 هكتار (17 كيلومتراً مربعاً) من أراضي البحر لإسكان 1.1 مليون إنسان على الجزيرة الاصطناعية.
ومن المخطط أن تبدأ أعمال الاستصلاح في 2025، وأن ينتقل أول السكان إلى هناك في 2032.
وتتألف المرحلة المبدئية من إنشاء 1000 هكتار (10 كيلومترات مربع) من الأرض حول جزيرة كاو يي تشاو في الممر المائي المركزي شرق لانتاو، أكبر الجزر التابعة للمدينة.
وسيُتبع ذلك باستصلاح 700 هكتار (7 كيلومترات مربع) في المرحلة الثانية. وبمجرد انتهائها، ستوفر الأراضي المُستصلحة سكن لما يتراوح بين 700 ألف و1.1 مليون إنسان في ما يصل إلى 400 ألف منزل.
وستتبع 70% من هذه المنازل الإسكان العام، و30% للخاص. إلى جانب ذلك، ستستضيف هذه الأراضي ثالث الأحياء تجارية المركزية في هونغ كونغ، وشبكة مواصلات عبر البحر.
أغلى العقارات في العالم
أشعل نقص أراضي هونغ كونغ أسعار العقارات، تاركاً المدينة مثقلة بأغلى سوق للعقارات في العالم. حيث يُنفق أفراد الطبقة المتوسطة لشراء شقة ما يوازي دخل 19 عاماً.
في هذه الأثناء، بلغت كثافة السكان 27,400 شخص لكل كيلومتر مربع من الأراضي المطوَّرة، متجاوزةً حتى مدينة مومباي الهندية حتى من حيث التكدس السكاني.
ويعيش أكثر من 200 ألف شخص في شقق مقسَّمة في هونغ كونغ، من بينها منازل "النعوش" التي تبلغ مساحتها 20 قدماً مربعاً فقط (تقريباً 6 أمتار مربع). فيما ارتفع متوسط فترة الانتظار لاستلام المنازل العامة إلى 5.5 عام، الأعلى منذ 18 عاماً.
وفي الخمس سنوات السابقة لعام 2017 وحدها، وصل النقص في المعروض من إسكان هونغ كونغ العام والخاص إلى 99 ألف وحدة.
يقول وونغ: "ازداد عمق أزمة الإسكان، والأسوأ قادم". وتتوقع مؤسسة Our Hong Kong أنه خلال الـ 30 سنة القادمة، ستحتاج المدينة إلى 9 آلاف هكتار (90 كيلومتراً مربعاً) إضافية من الأرض لزيادة نصيب الفرد من مساحة الإسكان، وتقليل الكثافة السكانية وتوفير أرض كافية للمنشآت الداعمة الضرورية.
وليست عملية إنشاء الجزر الصناعية جديدة بالنسبة لهونغ كونغ
فما يقارب 6% من أرض المدينة مستصلح لتصبح منزلاً لـ 27% من سكانها. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بنَت هونغ كونغ تسعة أحياء من بينها شاتين، توين مون وتسيونغ كوان أو، التي تضمن معظمها عمليات استصلاح كبيرة.
هونغ كونغ ليست وحدها في ذلك. فقد أصبح حل الجزر الاصطناعية حلاً مطروحاً لبعضٍ من التحديات الضاغطة التي تواجهها المدن المتعلقة بالتكدس السكاني وأسعار الأراضي المتزايدة. حيث استخدمت سنغافوره استصلاح الأراضي (إنشاء الجزر الصناعية) لتوسيع حجم أراضيها بنسبة 25%، ما ساعدها على البقاء أكثر تنافسية من هونغ كونغ من حيث أسعار العقارات التجارية والسكنية.
وفي دبي، بُنيت جزيرة النخل لزيادة المتاح من الأراضي الممتازة المطلة على البحر، رافعةً اقتصاد المدينة السياحي لجذب الفنادق والمنتجعات الفارهة، وأصحاب الثروات الكبيرة.
"إلقاء المال في البحر"
ويقول المعارضون إن بناء الجزر الاصطناعية هو "إلقاء للمال في البحر"، وأنه سيقضي على الاحتياطي النقدي للمدينة. حيث عانى عدد من مشاريع البنية التحتية الكبيرة من التأجيل وتخطي الميزانية خلال السنوات القليل الماضية، وهو ما قلص من ثقة الشعب.
وهناك أيضاً الضرر البيئي. تقول أنجيل لام، موظفة الحفظ الكبيرة في الصندوق العالمي للطبيعة بهونغ كونغ: "سيتسبب المشروع في خسائر وتغير دائمين في المياه وتوزيعها على الأرض، وسيحمل تأثيراً سلبياً كبيراً على البيئة البحرية وسبل رزق الصيادين في هونغ كونغ".
ويحث البيئيون من أمثال أنجيل لام الحكومة على تبني سياسة "الأراضي المهملة أولاً" بدلاً عن ذلك. وهو ما قد يتضمن تطوير أكثر من ألف هكتار (10 كيلومترات مربع) من الأراضي المهملة الموجودة بالفعل في المناطق الجديدة بالمدينة.
ويقول أندي تشو كونغ، ممثل الحملات الدعائية لمنظمة Greenpeace الكندية: "لماذا تقوم الحكومة بأعمال الاستصلاح المضرة لخلق ألف هكتار (10 كيلومترات مربع) جدد، بينما تتوافر مثل هذه المساحة غير المستغلة بالمناطق الجديدة؟ ليس غياب المساحة هو مشكلتنا في هونغ كونغ؛ ولكن غياب التخطيط الحكومي الجيد للمساحات الموجودة بالفعل".
جزيرة على طريق الأذى
ويشكك توم يام، العضو بقوة عمل المواطنين المختصة بالموارد المساحية، في صلاحية مفهوم بناء الجزر الصناعية، مع حالة الطوارئ التي يفرضها التغير المناخي، وارتفاع منسوب البحار، في الاعتبار.
وقال يام: "لا تخطط أي حكومة أخرى لبناء مدينة يسكنها حتى مليون شخص في وسط البحر، وتتخذ البلاد الأخرى خطوات للاستعداد لارتفاع منسوب البحار".
وتساءل "فلماذا نبني مدينة في طريق الأذى؟ هذا مشروع عالي الخطورة".
والصين هي المستفيد
ويشير يام أيضاً إلى أن الجزر الصناعية المقترحة، ببنائها الذي سيستغرق 15 إلى 20 عاماً، لن تحل أزمة الإسكان قصيرة الأمد الموجودة بالفعل. حيث قال: "إسكان حتى 70 ألف شخص في مساحة 1000 هكتار، يؤدي إلى كثافة سكانية تساوي 70 ألف في الكيلومتر المربع، وهذا أعلى من أكثر مقاطعات هونغ كونغ ازدحاماً، كوون تونغ، ذات الكثافة السكانية البالغة 57 ألف شخص في الكيلومتر المربع".
بشكل عام، يعتقد يام أن المستفيد الوحيد من الجزر الجديدة ستكون هي شركات الهندسة، حيث قال: "أغلب شركات الهندسة والبناء الآن من الصين، وسنرى أن المستفيد الأكبر من مشروع لانتاو تومورو ليس شعب هونغ كونغ -الذي سيدفع ثمنه من الجزء الأكبر من احتياطاته النقدية".