تهديد كبير يلوح في الأفق حول الأعمال العسكرية، وهو ذلك المتمثل فى الانتشار الكبير للسفن الحربية الآلية، رغم أنه قد يجعل الحروب البحرية أكثر أماناً للبشر. ولكن في نفس الوقت له تأثير غير مقصود على تقليص الحدود الفاصلة أمام العمل العسكري.
ولعل الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز تؤكد هذا الخطر، بحسب تقرير لمجلة National Interest الأمريكية، ففي صيف 2019، أسقطت كل من القوات الأمريكية والإيرانية طائرات مراقبة بدون طيار تابعة للطرف الآخر، مما أدى إلى تصاعد حدة التوترات بين الطرفين، التي بدأت بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015 الذي يضع قيوداً على البرنامج النووي الإيراني.
ما الخطر الذي يسببه الذكاء الاصطناعي؟
كتب إيفان كارليك، قائد ملازم في البحرية الأمريكية، لصحيفة Nikkei Asian: "الخطر المباشر من إقحام الذكاء الصناعي لعالم التسليح ليس الجحافل القاتلة من الرجال الآليين، وليس الوتيرة المتسارعة لسباق التسليح الجديد. حيث تشير الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز إلى أن الخطر الأكبر هو حقيقة أن الآليات العسكرية تمثّل أهدافاً مغرية، وتزيد من احتمالية إساءة التقدير في البحار وفوقها" .
وعلى الرغم من أنها أقل استفزازاً من الطائرات أو المركبات أو السفن التي تستقلها قوات بشرية، فإن الأنظمة غير المأهولة قابلة للاستهلاك والتعويض نسبياً. وتنشأ المخاطر عندما تقلص تلك الأهداف الحدود الفاصلة أمام العمل العسكري.
إذا أقدمت الصين على مهاجمة مدمرة أمريكية تبلغ قيمتها مليار دولار وأغرقتها مع جزء من طاقمها، إلى قاع مضيق تايوان، سوف يتبع ذلك إعلان الحرب من جانب واشنطن وحشد قواتها تجاه المنطقة بلا شك. ولكن ماذا لو دمّر الصاروخ الصيني قمراً صناعياً استخباراتياً أمريكياً؟ قد يفضّل البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي تجنب التصعيد المباشر.
يقول خبراء الفضاء بتهكُّم: "الأقمار الصناعية لا بواكي لها"، ونفس الأمر ينطبق على الطائرات بدون طيار والسفن غير المأهولة. هلاكها لا يستدعي حملة النعوش، ولا شواهد القبور، ولا عمل تماثيل تذكارية.
ومع انتشار الأنظمة الآلية في الجو والمحيطات، يشعر القادة العسكريون بالجرأة لضرب تلك المنصات، متوقعين تداعيات وردود فعل أقل لتجنب الخسائر البشرية.
كيف يتحوَّل الأمر إلى كارثة؟
وأبرز مثال على ذلك عندما استحوذ أفراد من البحرية الصينية في قارب صغير على طائرة استطلاع شراعية أمريكية غير مأهولة على مسافة 100 كيلومتر تقريباً عن الساحل الفلبيني في ديسمبر/كانون الأول عام 2016.
كانت الطائرة على مرمى بصر المسؤولين عنها على متن سفينة مسح المحيطات Bowditch التابعة للبحرية الأمريكية، الذين فوجئوا برفعها على متن سفينة حربية صينية على بُعد أقل من كيلومتر واحد.
وجاء رد الولايات المتحدة عبر المساعي الدبلوماسية واعتراضات الكونغرس، وعادت الطائرة الشراعية خلال أسبوع.
وقد تزداد حمّى المركبات الآلية خلال السنوات التالية. ترغب البحرية الأمريكية في نشر حوالي 10 سفن كبيرة غير مأهولة و9 غواصات غير مأهولة بتكلفة 4 مليارات دولار في الفترة من 2020 إلى 2024. وسوف تبلغ صناعة السفن الآلية ربع إجمالي صناعة السفن خلال فترة السنوات الخمس المقبلة.
قد تساعد السفن غير المأهولة القوات البحرية على تطوير ونمو الأساطيل البحرية بالرغم من المطالب التي تقترح الحد من امتلاك السفن المأهولة التقليدية. وكشفت شركة صينية في بداية عام 2019 عن تصميمها سُفنها الحربية الآلية.
وكتب كارليك: "قد ترى الصين أن اعتراض مثل تلك السفن أو الغواصات الصغيرة غير المأهولة أمرٌ لا يجوز أن يمر مرور الكرام، خاصة إذا كان موقف واشنطن الخانع خلال واقعة الطائرة الشراعية عام 2016 يشير إلى التساهل أو التردد الأمريكي"، بحسب المجلة الأمريكية.
زيادة المخاطر
بوجود سفينة أسيرة، سوف يحاول الفنيون الصينيون تجاوز آليات مقاومة الدخول على الأنظمة، وإذا نجحت، سوف تواصل لمسح رموز الاتصال أو برامج الذكاء الصناعي الخاصة بها، وتنزيل البيانات الملاحية أو قواعد الاشتباك مسبقة البرمجة، أو البحث عن نقاط الضعف الإلكترونية التي يمكن استغلالها ضد المركبات المشابهة.
ومما لا شك فيه أن بكين تراقب عن كثب كيف سيأتي رد إدارة ترامب على إسقاط إيران طائرة مراقبة Global Hawk بدون طيار في 20 يونيو/حزيران 2019، وتقييم مدى استعداد الولايات المتحدة للرد على الهجوم، أو التصعيد.
ويرى كارليك أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى إجراءات عاجلة" .
وكتب: "ينبغي تحديث مذكرة التفاهم الموقَّعة منذ خمس سنوات بين وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الدفاع الصينية، فضلاً عن المدونة التعاونية للسلوك البحري الصادرة عن المنتدى البحري لغرب المحيط الهادي عام 2014، من أجل توسيع التسلسل الهرمي لأولوية المرور ومعايير عدم التدخل لتوضيح كيف ينبغي على السفن المأهولة التعامل مع السفن الآلية غير المأهولة" .
وأضاف: "بدون هذه التوجيهات، ستزداد مخاطر إساءة التقدير" .