في وقتٍ سابق من هذا الصيف، نشرت بيلا حديد، عارضة الأزياء الشهيرة ذات الأصول المختلطة الأمريكية والهولندية والفلسطينية صورةً على تطبيق إنستغرام، يظهر فيها حذاؤها، وفي الخلفية تظهر طائرات إماراتية وسعودية مصفوفة في أحد المطارات.
أدَّت تلك الحادثة إلى كارثة، عندما ثار مستخدمو تويتر متَّهمين بيلا بـ "العنصرية".
يُعلق موقع Middle East Eye البريطاني على ذلك بالقول: "إذا كان تصوير حذاء يحمل عنصريةً، فما هو الوصف الذي يليق بالقصف السعودي-الإماراتي الجنونيّ، والتجويع اللذين يستهدفان اليمن.
ضربةٌ خفية تلقتها دبي
في الوقت ذاته، انتشرت أخبار غير مألوفة من دول الخليج، تتعلق بالأثرياء والمشاهير، فقد تلقَّت الإمارات مؤخراً ضربةً خفية أخرى أتت هذه المرة من جانب إحدى أميراتها، وهي الأميرة هيا، الزوجة السادسة أو ما شابه لحاكم دبي وشاعرها غزير الكتابة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وردت تقارير بأنَّ الأميرة، ابنة ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال "مختبئة" في اللحظة الراهنة داخل منزلٍ تبلغ قيمته 85 مليون جنيه إسترليني (106 ملايين دولار) في لندن، إذ تسعى الأميرة، وفقاً لمصدرٍ ذكرته صحيفة The New York Times، للحصول على اللجوء السياسي والطلاق من حاكم دبي.
ثمة فرضياتٌ متنوعة تُقال عن دوافع هرب الأميرة هيا، تضمَّنت فكرة مفادها أنَّ الأميرة اكتشفت "حقائق مقلقة" (بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية BBC) عن محاولة هرب فاشلة من جانب الشيخة لطيفة، وهي إحدى بنات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لكن فشلت في الهروب بعد أن أُلقي القبض عليها قبالة ساحل الهند، وأُعيدَت قسراً إلى الإمارات.
وبحسب صحيفة The New York Times، فإنَّ الأميرة هيا هي "الهاربة الثالثة على الأقل من قصور الشيخ محمد في دبي".
وفي الوقت الذي تشنّ فيه أوروبا حرباً فتَّاكة على اللاجئين، فإنَّ المرء قد يجد صعوبة في التعاطف مع شخصٍ يسعى للحصول على لجوءٍ سياسي من داخل عقارٍ بقيمة 85 مليون جنيه إسترليني (106 ملايين دولار) في المملكة المتحدة.
لكنَّ انشقاق الأميرة هيا عن العائلة المالكة -ناهيك عن حوادث الهرب الأقل شهرةً لنساءٍ هربن من الإمارات مدَّعين تعرُّضهن للعنف المنزلي فيها- هو على الأقل مناسبةٌ جيدة لتأمل الصورة التي ترسمها الإمارات لنفسها، بصفتها جزيرةً وملاذاً لحقوق المرأة وسط خليجٍ يقمع النساء.
مواطناتٌ من الدرجة الثانية
على سبيل المثال، أسَّس الشيخ محمد بن راشد مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين عام 2015، في خطوةٍ هدفها "تمكين المرأة".
ووفقاً لقسم المساواة بين الجنسين في البوابة الرسمية لحكومة الإمارات، فقد تأسس المجلس بغرض "تعزيز بيئة العمل، من خلال إتاحة فرص متساوية للنساء في القطاع العام، (وأيضاً) تعزيز الجهود التي تبذلها مختلف الجهات الحكومية لتطوير وتعزيز دور النساء كشركاء رئيسيين في بناء مستقبل الدولة".
يبدو كل هذا رائعاً، ولكن في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، سلَّم الشيخ محمد جوائز المساواة بين الجنسين، وكان كل مَن تلقّوها رجالاً!
ولمَّا كانت جزءاً من برنامج رؤية الإمارات 2021، أعلنت الإمارات علاوةً على ذلك أنَّها "تهدف إلى أن تصبح ضمن أفضل 25 دولة في العالم تحقق المساواة بين الجنسين" بحلول العام المُنتظَر 2021، مع أنَّه ليس واضحاً ما تعنيه المساواة بين الجنسين في مكانٍ تحلّ فيه النساء في منزلة مواطناتٍ من الدرجة الثانية.
ترصد هبة زيادين، بصفتها باحثة في شؤون الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية، في مقال رأيٍ جديد، أنَّ النساء تعانين أيضاً من التمييز في حالات الطلاق.
وفي إشارة إلى اصطحاب الأميرة هيا طفليها في الوقت الراهن، كتبت هبة: "هناك أمهات عديدات في الإمارات خسرن معركة حضانة أطفالهن بعد الطلاق".
ومن الواضح أن العاملات المهاجرات في الإمارات يواجهن صنوفاً إضافية من الفظائع، تتراوح بين أجورٍ لا تُدفَع وأيام عملٍ ممتدَّة لحدٍّ لا يُطاق، ووصولاً إلى العنف الجسدي والجنسي.
واقعٌ مرير
من حسن الحظ أنَّ الواقع المروّع للحياة في الإمارات هو أمرٌ لا يستعصي حلُّه بقليل من الدعاية القوية. تضخُّ المنافذ الإعلامية الإماراتية باستمرارٍ تغطيةٍ برَّاقة لتعهُّداتٍ تقدُّمية مُفترضة يتقدَّم بها النظام الإماراتي، بينما تولِي أكثر اهتمامها إلى تصوير الإمارات بأنها "أحد أسعد البلاد في العالم".
ويفترض أن جزءاً من هذا يُعزى إلى وجود وزير دولةٍ للسعادة وجودة الحياة، وهو منصب -مثلما هو متوقع- تشغله امرأة.
لكن على أرض الواقع لا شيء يشي بالسعادة، فالإمارات دولة بوليسية يخضع كلُّ فردٍ فيها للمراقبةٍ دون توقُّف، وتُحرَّم فيها حرية التعبير وغيرها من الحقوق الإنسانية الأساسية.
وبالحديث عن الشرطة، هناك مساحةٌ وفيرة لجهود "المساواة بين الجنسين" في ذلك المجال أيضاً.
فقد نشرت صحيفة Khaleej Times الإماراتية في يناير/كانون الثاني، مقالاً يدحض الآراء القائلة إنَّه من السّخف منح جوائز المساواة بين الجنسين للرجال فقط، ونقل المقال عن مجلس التوازن بين الجنسين حديثاً، حول الطرق التي ترفع بها البلاد "معدَّلات مشاركة النساء في قوة الشرطة لتُصبح هي الأعلى في العالم العربي أجمع".
تتحدَّث مجلَّة The Emirates Woman الإماراتية كذلك عن "قوَّة كاملة من النساء" بصفتها أحد الأسباب التي تجعل الإمارات معقلاً لحقوق المرأة في الشرق الأوسط، في مقالٍ بعنوان "مَن يدير الإمارات؟ النساء… قريباً".
تتضمَّن قرابين المقالات المقدَّمة للحكومة الإماراتية عناوين أخرى مثيرة للغثيان، مثل "لِمَ كونك امرأة في الإمارات هو أمرٌ رائع؟"، وهي مجاملة من الكاتبة و "المرأة العالمية" حسبما تصف نفسها- رايتشل هاميلتون، و11 لحظةٍ كان الشيخ محمد والأميرة هيا فيها الثنائي المثالي، وبدا أنَّ اللحظات المزعومة تِلك شوهدت جميعها أثناء مناسباتٍ حصرية لسباق الخيل أُقيمت في المملكة المتحدة.
مجتمع نموذجي؟
من جانبها، تتفاخر البوابة الرسمية للحكومة الإماراتية بأنَّ البلاد قد "افتتحت أوَّل كليةٍ عسكرية للنساء في المنطقة، مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية". وفي نهاية الأمر يصبح تمكين النساء، مثلما هو في الولايات المتحدة، معزَّزاً في المقام الأول بتكافؤ الفرص في القتل.
لكنِّي أراهن بأنَّ ضحايا النساء اللائي لا حصر لهنّ -واللائي سقطن في مهرجان القتل الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن بدعمٍ من الغرب- لا يقنعهن الالتزام الإماراتي الغامر بجودة حياة المرأة.
لا شك أنَّ الغرب حريصٌ على دعم صورة الإمارات الحداثية والمتحضرة من كل جانب، بدءاً من مجمَّعاتٍ تجارية ذات مراكز تزلج على الجليد، ووصولاً إلى حقوق المرأة، إذ إنَّه يُسهّل تبريرات عقد تعاوناتٍ عسكرية شائنة معها.
وفي واقع الأمر، تعتبر الإمارات مجتمعاً نموذجياً فيما يتعلَّق بتبنّي الرأسمالية العسكرية التي تنجذب لها أقلية النُّخبة العالمية بشدة، التي يسرُّها تورية وحشيتها الدفينة.
وإثر حركة تغييرٍ وزاري عام 2017، أشار الإعلام الإماراتي إلى أنَّ مجلس الوزراء الإماراتي الجديد كان "أكثر مساواةً بين الجنسين" من حكومة دونالد ترامب.
فقد احتفى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في شهر ديسمبر/كانون الأول بقرارٍ جديد يخصِّص للنساء 50% من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، قائلاً على موقع تويتر: "المرأة نصف المجتمع وتستحق أن تمثل هذا النصف".
لكن المحنة التي تواجهها النساء المرفَّهات من أفراد عائلة الحاكم الشاعر نفسه، ترينا أنَّ النصف لا يعني المساواة.