نيويورك تايمز: أردوغان له كل الحق في عدم الثقة بواشنطن.. أمريكا السبب!

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/18 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/18 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب - رويترز

بعدما كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الحليف الرئيس لتركيا لعقود، تغيرت هذه النظرة والعلاقة منذ 3 سنوات، وباتت أنقرة لا تثق في واشنطن، ودخل البلدان في العديد من الخلافات السياسية، لكن لا يمكن أن يكون وراء هذا التغير الكبير إلا موقف ما حدث من واشنطن وأقلق أنقرة. وهو الموقف الغامض من محاولة الانقلاب الفاشلة قبل 3 سنوات في تركيا.

الموقف التركي تغير بسبب محاولة الانقلاب

 صحيفة The New York Times الأمريكية عزت تغير الموقف التركي من أمريكا بسبب موقف أوباما ووزير خارجيته جون كيرى من محاولة الانقلاب، فيما استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الموقف الأمريكي لصالح روسيا التي باتت أقرب حليف بالنسبة لأنقرة.

وبحسب الصحيفة الأمريكية أعلن أردوغان في حفل أقيم في مطار أتاتورك، يوم الإثنين 15 يوليو/تموز، بمناسبة مرور 3 أعوام على محاولة الانقلاب: "ما دمنا، بوصفنا أُمَّة، نحمي وطننا وعلَمَنا وأذان الصلاة والديمقراطية والدولة، بمشيئة الله لن تتمكن أي قوة من المساس بأي من هذه الأشياء".

"الأناضول" تنشر مشاهد جديدة لمحاولة انقلاب تركيا

كما تباهى أردوغان برمز شديد التميز للفخر الوطني، ألا وهو منظومة الدفاع الصاروخية S-400 التي وصلت لتوها من روسيا.

وعلى مدار 17 عاماً، حاول أردوغان إعادة تشكيل تركيا، لتصبح قوة فاعلة أقوى وأكثر استقلالية على الساحة الدولية، أي قوة قادرة في رأيه على منافسة قوى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وفي سعيه لتحقيق ذلك، لم يخشَ التعامل مع جميع الأطراف المتصارعة، مجازفاً حتى بخسارة دعم حلفائه القدامى، ويبدو أن هذه الازدواجية في التعامل تثير الارتباك في أوروبا وأمريكا حول الجانب الذي ينحاز إليه بالفعل.

أردوغان ينحاز لمصالح بلاده

والجواب ببساطة هو أنه لا ينحاز سوى إلى مصالح بلاده.

وإذا كان ثمة رسالة مبطنة تبعث بها هذه الصفقة، فمن الجائز أنها تتعلق بشكوك أردوغان العميقة من أن واشنطن كانت وراء محاولة إطاحته في تلك الليلة الدامية عام 2016، حينما قُتل أكثر من 200 تركي، بينهم أحد أقرب أصدقاء أردوغان.

وقالت أسلي أيدينتاسباس، وهي باحثة بارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "أردوغان لم يعد يثق في النوايا الغربية تجاه تركيا"، وأوضحت أن شراء منظومة S-400 لا يتعلق بالضغوط الروسية.

يوم
زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نصب شهداء 15 تموز في أنقرة، ضمن فعاليات احتفال تركيا بيوم "الديمقراطية والوحدة الوطنية". (الأناضول)

وأضافت أسلي: "الأمر يتعلق بخشية تركيا من وقوع انقلاب آخر. ولم تفعل واشنطن شيئاً لتبديد شكوك تركيا حول دورها في انقلاب 15 يوليو/تموز".

وقد اتهمت الحكومة التركية الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن بالتحريض على الانقلاب من خلال أتباعه الذين اخترقوا صفوف الجيش، والقضاء والشرطة.

ورفضت واشنطن مطالب تركيا المتكررة بتسليم غولن، متذرعة بغياب الأدلة. ويعتقد العديد من الأتراك أن امتناع الولايات المتحدة عن تسليم غولن بمثابة محاولة لحماية عميل أمريكي.

وأشار أردوغان إلى شيء من هذا القبيل في خطابه الذي ألقاه يوم الإثنين.

إذ قال: "انقلاب 15 يوليو/تموز كان طريقة مختلفة لترزح أمتنا تحت نير العبودية، وأولئك الذي يظنون أن بإمكانهم استعباد أمتنا عن طريق عصابة خائنة زرعوها في بلدنا، تعلموا الدرس مرة أخرى، لأنه تكرر على مدار قرون".

مناورات تركيا للفوز بأفضل صفقة

غير أن أردوغان لا يبدو مستعداً لقطع علاقاته مع حلفائه القدامى بالكامل، ولكنه يناور ليخرج بالصفقة الأفضل لتركيا، حسب قول محللين. ومواقفه القومية تُستغل في الغالب لتحقيق مكاسب أكبر.

كتب أردوغان في مقال رأي في صحيفة The New York Times الأمريكية: "لا بد أن تتوقف واشنطن عن الإيمان بالاعتقاد المضلل بأن علاقتنا يمكن ألا تكون متكافئة،  وأن تتقبل حقيقة أن تركيا لديها بدائل".

وأضاف: "والفشل في التغلب على هذه النزعة بالانفراد بالقرار والازدراء سيتطلب منا البدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد".

وحتى بعد شرائه المنظومة الصاروخية الروسية الجديدة، رفض أردوغان أي إشارة إلى أنه كان يسعى لإخراج تركيا من حلف الناتو في مؤتمر صحفي أمام صحفيين أجانب، الشهر الماضي.

هل بالفعل شراء إس 400 خطوة مبالغ فيها؟

لكن السؤال الذي يواجه حلفاء أردوغان في الولايات المتحدة وأوروبا هو ما إذا كان شراء منظومة الصواريخ الروسية لا يعد سوى خطوة مبالغ فيها، بدرجة لا يمكن معها الحفاظ على العلاقات مثلما كانت.

وإذا لم يُعجِّل الشراء من تمزق العلاقات، فقد يعيد تشكيلها.

تقول الولايات المتحدة إن نظام "إس-400" قد يعرّض المقاتلات الشبح من طراز "إف-35" التي تُصنِّعها شركة لوكهيد مارتن للخطر، وهي الطائرات التي تساعد تركيا في تصنيعها وتعتزم شراءها/ رويترز

ويمثل شراء تركيا لمنظومة S-400 المتقدمة -التي قالت وسائل الإعلام التركية إن تكلفتها تبلغ مليارين ونصف المليار دولار- خطوة أردوغان الأكثر حزماً حتى الآن في صياغة رؤيته الخاصة بتركيا المستقلة القوية، التي يمكنها صد القوى الغربية الاستعمارية، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقد عارضت الولايات المتحدة شراء تركيا منظومة S-400 معارضة شديدة، معلنة أنها لا تتوافق مع منظومات الناتو، ومن المتوقع أن تعلن فرض عقوبات على تركيا هذا الأسبوع.

وأوقفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بالفعل برنامج تركيا لشراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 لمنع نشرها في نفس الساحة التي تضم المنظومة الروسية. وقال الرئيس ترامب، أمس الثلاثاء، إن إدارته لن تبيع تركيا أي طائرة من طراز F-35 بسبب شرائها المنظومة الروسية.

تركيا لا تقطع شعرة معاوية

وقال الرئيس الأمريكي في حديثه إلى الصحفيين: "إنهم في موقف صعب للغاية. ونحن في الولايات المتحدة في موقف صعب للغاية. ورغم كل ما يقال، نحن نعمل على معالجته".

ويجازف أردوغان بعلاقته مع ترامب على تفادي العقوبات التي فرضها الكونغرس. وناقش الزعيمان هذه القضية في اجتماعهما على هامش قمة مجموعة العشرين التي انعقدت الشهر الماضي في اليابان.

وأشار أردوغان أيضاً في عطلة نهاية الأسبوع إلى استعداده للتفاوض من أجل التوصل إلى حل.

وقال وزير دفاعه، خلوصي آكار، إن المحادثات استمرت مع واشنطن بشأن شراء صواريخ باتريوت الأمريكية، وأكد أردوغان في خطاب له أنه لن يجري تشغيل صواريخ S-400 بالكامل، حتى شهر أبريل/نيسان من العام المقبل. وذكرت وسائل إعلام تركية أن الصواريخ الفعلية لم تصل بعد.

والخطورة في الوقت نفسه -وهي خطورة يحرص أردوغان على إبرازها- تكمن في إمكانية تقارب تركيا مع روسيا. وأبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لذلك، بحسب الصحيفة الأمريكية.

بوتين كان متحفزاً

إذ يقول محللون ومسؤولون أتراك إن الزعيم الروسي كان على ما يبدو أكثر استعداداً من الأمريكيين للإصغاء إلى المخاوف التركية -حتى عندما تتباين المصالح- ومعاملة أردوغان على قدم المساواة.

إف-35 تركيا أمريكا
لحظة وصول منظومة إس 400 / رويترز

ففي كل موقف تقريباً أبدى فيه ترامب والولايات المتحدة فتوراً أو تعنتاً، عرض بوتين الحوار، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وفي حين أن تغريدات ترامب الغاضبة على تويتر ساعدت في إضعاف الليرة التركية العام الماضي -وهي حالة أخرى رأى فيها أردوغان محاولة أمريكية لتقويض حكمه- كان بوتين يتحدث عن التجارة مع تركيا.

وحتى في سوريا، حيث كان البلدان على طرفي النقيض في الصراع، عمل بوتين على تحويل تركيا من خصم عدواني إلى شريك متعاون.

فعندما أسقطت طائرة تركية أخرى روسية انحرفت إلى المجال الجوي التركي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، أبرز هذا الحادث البُعد الظاهر بين روسيا وتركيا.

إذ كانت الطائرة الروسية منطلقة لتنفيذ مهمة قصف، دعماً لحكومة بشار الأسد السورية. وكانت تركيا، إلى جانب الولايات المتحدة، تدعم قوات المعارضة التي كانت تتعرض للقصف.

لكن التدخل الروسي في سوريا حوَّل مسار الحرب لصالح الأسد، وتلاشى الدعم الأمريكي. وإذا كان ثمة دعم، فقد بدأت واشنطن في توجيهه من أجل التعاون مع الميليشيات الكردية في شمال شرقي سوريا، التي تعتبرها تركيا تهديداً.

التحالف الروسي الإيراني مع تركيا

وأشرك بوتين الآن أردوغان في جهوده لإنهاء الحرب، أو ما يسمى بمحادثات أستانا للسلام، إلى جانب الرئيس الإيراني حسن روحاني.

وتمكن ثلاثتهم من إنشاء مناطق لوقف إطلاق النار في سوريا لتهدئة العنف، وسمحوا لتركيا بإنشاء مناطق خاضعة لسيطرتها في شمالي سوريا، لوقف تدفق اللاجئين إلى البلاد.

وقال سونر كاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن معاملة بوتين لأردوغان بعد الانقلاب الفاشل كانت نقطة تحول حاسمة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وأوضح: "لقد غير الانقلاب حسابات بوتين". إذ اتصل الزعيم الروسي بأردوغان في اليوم التالي للانقلاب، ودعاه إلى زيارة روسيا. وبعد أسبوعين من الانقلاب، استضاف أردوغان في قصر يعود لعهد القياصرة في سان بطرسبرغ. وتناولوا صفقة صواريخ S-400 في مناقشتهما.

وأضاف كاغبتاي: "ربما رأى بوتين أن الصدمة كانت قوية للغاية"، في حين أن واشنطن انتظرت أربعة أيام حتى تعلن أسفها إزاء الانقلاب، وحينها لم يكن الرئيس أوباما هو من اتصل به، بل وزير الخارجية جون كيري.

وقال أحمد هان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة آلتن باش بإسطنبول، متحدثاً عن صفقة S-400: "لم تكن لتحدث، لو بدأ التعامل مع الأمر في وقت مبكر".

وأضاف: "صناع القرار في تركيا متلهفون لتسلُّم صواريخ S-400. ولكن لا أحد يشعر بسعادة حقيقية إلا اللوبي الروسي".

علامات: