في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنَّ منظومة صواريخ S-400 الروسية سوف تعمل بكامل طاقتها بحلول أبريل/نيسان من العام المُقبل 2020، من المتوقع أن يبدأ تشغيل أول أساطيل صواريخ S-400 في موعدٍ أقصاه نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حسبما ذكرت مصادر أمنية لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وأرسلت روسيا عدداً من شحنات منظومة S-400 إلى تركيا في الأيام الأخيرة، وقد توفر مكونات هذه الشحنات، مؤشرات مهمة حول كيفية تخطيط أنقرة للتعامل مع رد فعل الولايات المتحدة الغاضب المحتمل على صفقة S-400.
ففي 12 يوليو/تموز الماضي، هبطت ثلاث طائرات شحن من طراز Antonov An-124 تابعة للقوات الجوية الروسية في قاعدة مرتد الجوية في أنقرة مُحمَّلة بالدفعة الأولى من مكونات نظام S-400.
وأصدرت إدارة الصناعات العسكرية التركية بياناً صحفياً يؤكِّد عملية التسليم، مشيرةً إلى أنَّها وقَّعت اتفاقاً مع شركة Rosoboronexport الروسية، التي تُصنِّع أنظمة S-400.
تركيا تحركت بطريقة جعلت من قانون العقوبات الأمريكية لا يشملها
في بيانٍ منفصل، أكَّدت وزارة الدفاع التركية أنَّ الاتفاق مع الشركة الروسية وُقِّع قبل 2 أغسطس/آب من عام 2017، وهو اليوم الذي وقَّع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" .
وأكَّد مصدرٌ أمني لموقع Al-Monitor أنَّ الوفد التركي برئاسة أردوغان أبرَز هذه النقطة لنظيره الأمريكي في اجتماعٍ عُقد مؤخراً بين الجانبين في مدينة أوساكا اليابانية. وأضاف المصدر أنَّ الجانب التركي يؤكد أنَّه لا يمكن استخدام قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" ضد تركيا؛ لأنَّ الصفقة أعلِنت قبل أن يدخل القانون حيز التنفيذ.
وجديرٌ بالذكر أنَّ وكالة Reuters ذكرت في 29 ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 أنَّ الصفقة اكتملت في الشهر نفسه بعدما كانت في طور الإعداد طوال عامٍ كامل.
وهذه هي المرة الأولى التي يعلم فيها الجمهور أنَّ إدارة الصناعات العسكرية التركية هي التي وقَّعت على اتفاق بيع نظام S-400.
وإذا استخدمت واشنطن قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" ضد تسليم منظومة S-400 على وقع هذه الصفقة، ستتأثَّر إدارة الصناعات العسكرية، التي تعد السمسار الرئيسي للصناعات العسكرية في تركيا، تأثراً مباشراً.
وفي حال حدث ذلك، فقد تواجه الصناعة العسكرية التركية نقصاً حاداً في مشتريات المواد الخام والمنتجات الوسيطة.
خلاصة 1: تقول مجموعةٌ من دوائر الصناعات العسكرية في أنقرة إنَّ مثل هذا الحصار الأمريكي سيؤثر سلباً في الصناعة العسكرية التركية، التي قطعت خطواتٍ كبيرة نحو التطوير على مرِّ السنوات الثلاث الماضية، بينما تقول مجموعة أخرى إنَّ هذا الحصار سيعزز خطوات تركيا نحو الاعتماد على مزيدٍ من الصناعات المحلية.
ويبدو أنَّ فرضية "إذا فُرِض حصار، ستصبح الصناعة العسكرية التركية أكثر استقلالية وأقوى" هي الرأي الذي يحظى بقبولٍ واسع في أنقرة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ القنوات الإخبارية التركية غطَّت عمليات هبوط الطائرات الروسية في قاعدة مرتد تغطيةً مباشرة، وهو أمرٌ استثنائي في الحقيقة؛ فمن الصعب تذكُّر عملية تسليم أسلحة واحدة حظيت بتغطيةٍ مباشرة على شاشات التلفزيون طوال الأعوام العشرين الماضية.
ولكن في هذه المرة، تشير التغطية التي ثبَّتت الجميع أمام أجهزة التلفزيون إلى الجوانب السياسية والنفسية لهذا الحدث.
ومن جانبها، أعربت وزارة الدفاع الروسية، عبر مقطع فيديو مدته 6 دقائق نشرته على حسابها على موقع تويتر، عن سعادتها ببيع منظومة S-400 لدولةٍ عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) للمرة الأولى، وما سيترتب على ذلك من تعزيز مكانة هذه المنظومة الصاروخية في الأسواق العالمية.
المعدات التي وصلت أنقرة
ويُظهِر مقطع فيديو نشرته وكالة الأناضول التركية الحكومية أنَّ الشحنة تتألف من مَركبات ومعداتٍ رادارية خاصة بأولى بطاريات نظام S-400. إذ يُبرز حاملتي قاذفاتٍ من طراز 5P85TE3، وهما مخصصتان لحمل مجموعة صواريخ من طراز 48N6E يصل مداها إلى 250 كيلومتراً. وعلى عكس التوقعات العامة، لم تتضمَّن هذه الشحنة حاملات القاذفات المُخصَّصة لإطلاق صواريخ من طراز 40N6E، التي يبلغ مداها 400 كيلومتر.
وشملت عملية التسليم الأولى كذلك جرَّارين مدفعيين من طراز BAZ-6909، ومَركبات صواريخ، وناقلاتٍ وسيطة، ومولِّدات ديزل ورافعات، ولكن بلا علامات على وجود صواريخ.
وصلت المركبات والمعدات.. فأين الصواريخ؟
وفقًا لوكالة أنباء Tass الروسية، من المرجح أن يجري تسليم 120 صاروخاً عن طريق البحر في غضون 12 شهراً. وقال مصدر أمني لموقع Al-Monitor، مؤكداً تقرير الوكالة الروسية، إنه من المقرر تسليم الدفعة الأولى من الصواريخ إلى ميناء مرسين في سبتمبر/أيلول المقبل. ويُذكر أنَّ روسيا سلَّمت الصين نظام S-400 الذي اشترته كذلك عن طريق البحر.
وهذا يعني أنَّ جاهزية أولى بطاريات نظام S-400 للعمل بصورةٍ كاملة في أنقرة ستستغرق 3 أشهر على الأقل. ومع وصول البطارية الثانية، سيمكن تشغيل الأسطول الأول من نظامS-400 في تركيا بالكامل بحلول نوفمبر/تشرين الثاني.
وفقاً لمصدر أمني تركي لا يرغب في الكشف عن هويته، يُعزى السبب الأساسي الذي يدفع أنقرة إلى إطالة زمن التسليم إلى قياس ردود فعل واشنطن، وإدارة عملية التسليم بموجب الصفقة.
أي أنَّ أنقرة تعتزم الحصول على صواريخ في أواخر سبتمبر/أيلول، وتنشيط بطاريات S-400 بالكامل في نهاية العام الجاري، وهذا نوعٌ من التنشيط البطيء الذي يمكن أن يطيل زمن وقوع الأزمة على مرِّ عدة أشهر لكسب مزيدٍ من الوقت، والتعامل مع ردود فعل واشنطن بمساعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
خلاصة 2: تعتمد أنقرة اعتماداً كبيراً على ترامب للحد من القيود المفروضة على شراء طائرات F-35، ومنع استخدام قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" ضد تركيا. وتدور معظم التساؤلاتٍ الآن حول ما إذا كان ترامب قد تعهَّد بالتزام ما في اجتماع أوساكا، وإذا كان ذلك صحيحاً، فما المقابل الذي سيحصل عليه من أنقرة؟
يرى الموقع الأمريكي أن ترامب يمكنه تأخير استخدام قانون مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات إلى أقصى حدٍّ ممكن لإتاحة الوقت لأنقرة، وكذلك العمل على تخفيف العقوبات المحتملة.
تحركات عسكرية تركية في سوريا هي رسالة لواشنطن
وبالتوازي مع عمليات تسليم منظومة S-400، تجذب الانتباه كذلك تحركاتٌ عسكرية متزايدة من جانب الجيش التركي في شمال شرق سوريا في المناطق المقابلة لمنطقتي سروج وأقجة قلعة التركيتين.
وتريد تركيا من هذه التحركات العسكرية أن توضِّح لواشنطن أنَّ استخدام قانون "مكافحة خصوم أمريكا عن طريق العقوبات" ضدها يمكن أن يدفعها إلى شن عمليةٍ عسكرية في شمال شرق سوريا.
ففي 12 يوليو/تموز الماضي، أجريت مكالمةٌ هاتفية بين وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ومارك إسبر القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي بشأن الوضع في شمال شرق سوريا.
ووفقاً لوزارة الدفاع التركية، قال آكار لإسبر إنَّ "القوة العسكرية الوحيدة الجاهزة والكفؤة والملائمة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا هي القوات المسلحة التركية" .
وذكرت الوزارة أنَّ آكار أكَّد مجدداً أنَّ أولوية تركيا هي "حماية حدودها وشعبها، وإنَّها سيتعين عليها اتخاذ التدابير اللازمة في مواجهة الهجمات المكثفة من الحدود السورية، ولن تسمح للجماعات الإرهابية بالبحث عن ملاذاتٍ آمنة على الجانب الآخر من حدودها مباشرة" .
وأضاف البيان أنَّ آكار وإسبر اتفقا كذلك على ضرورة مواصلة الحوار بين البلدين، وضرورة إرسال وفدٍ عسكري أمريكي على وجه السرعة إلى أنقرة في الأسبوع الجاري لإجراء مزيدٍ من المناقشات حول المنطقة الآمنة في سوريا.
ومن ثَمَّ ستكون زيارة وفدٍ أمريكي إلى أنقرة بالغة الأهمية.