غموض يحيط بهوية شركة جوميا التي تستولي على أسواق إفريقيا من مصر لنيجيريا

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/17 الساعة 17:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/17 الساعة 17:59 بتوقيت غرينتش

في عام 1866، أي بعد عام تقريباً من اجتماع القوى العظمى الأوروبية في برلين من أجل تقسيم قارة إفريقيا، منحت الملكة فيكتوريا السير جورج غولدي ترخيصاً لشركته Royal Niger، وكان هذا بداية مرحلة مأساوية من تاريخ أحد أكبر البلدان الإفريقية، واليوم يخشى البعض أن تكرر شركات التكنولوجيا، مثل شركة جوميا للتسويق الإلكتروني، هذه المأساة.

إذ يرى كثيرون أن طفرة شركات التكنولوجيا الهائلة بمثابة الاستعمار الجديد للقارة، في حين يجادل آخرون بأن هذه الشركات تساعد على تقديم حلول مبتكرة لمشكلات القارة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

غادروا محمَّلين بالبضائع والبشر أيضاً

كان غولدي رجلاً نبيلاً ذا لحية يرتدي صدرية وينحدر من أصول أسكتلندية، ومُنح بموجب هذا الترخيص الحق في إدارة دلتا نهر النيجر والمناطق الريفية حولها. وشأنه شأن معظم أقرانه، فقد كان مدفوعاً برغبة استخراج الثروات، التي تعني في تلك الأيام جوزة الكولا والفول السوداني وزيت النخيل.

وُجدت كثير من التباينات بجميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء، لكن نمط الاستغلال كان طابعاً مماثلاً في الأساس. وصل الأوروبيون إلى الأرض ومعهم القوة والتكنولوجيا، وغادروا مُحمَّلين بالبضائع والخيرات. 

أولاً، أَسَروا العبيد، وتلك هي الخطيئة الأصلية، قبل أن يلتفتوا إلى السلع الأساسية، وضمنها الذهب والكاكاو والمطاط والقهوة. وقد أفسحت الشركات المستأجرة المجال في الوقت المناسب أمام الإمبراطورية الرسمية، ولم تُستثن شركة غولدي من ذلك، إذ تنازلت بدورها عن حقوقها إلى الحكومة البريطانية عام 1900.

وشهدت نيجيريا كثيراً من التغيرات منذ الاستقلال عام 1960. ولكن هنا، مثلما هو الحال بأي مكان آخر في إفريقيا، تبين أنه من الصعب تبديل النموذج الاقتصادي الذي أنشأه الأوروبيون. ظلت التجارة تخضع لتدبير النخب السياسية التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى الموارد. 

وصارت معظم القيمة تُضاف إلى السلع بعد مغادرتها القارة. وانطوى اللغز الدائم للتنمية الإفريقية في حقبة ما بعد الاستعمار، على كيفية تحطيم القوالب والتحديث، أي كيفية اقتلاع إفريقيا من تاريخ استخراج ثرواتها الذي عاشت فيه.

إلى المحمول مباشرة دون المرور على الهواتف الثابتة.. التكنولوجيا سوف تحل مشاكل إفريقيا

يرى البعض أن حلاً للغز يكمن في المستوى الكبير للتكنولوجيا الجديدة، إذ تبدأ الثورة التكنولوجية التي تجتاح العالم في إحداث تأثير بالغ على القارة. 

وآمن كثيرون بـ "تحقيق قفزات كبرى"، فالفكرة تكمن في أن إفريقيا يمكن أن تفلت من فقرها وتراثها الاستعماري عن طريق تخطي مراحل كاملة من التنمية

وأكبر مثال على ذلك هو قفزة إفريقيا مباشرة في مجال استخدام الهواتف المحمولة، متجاوزةً تكنولوجيا الخطوط الهاتفية الثابتة تماماً تقريباً.

ولكنها قد تكون الاستعمار الجديد.. شركة جوميا للتسويق الإلكتروني النموذج المثير للريبة

غير أنه يكمن خلف مثل هذه الآمال قلقٌ مألوفٌ بشأن الملكية والسيطرة. ماذا لو أن التكنولوجيا الهائلة، بعيداً عن كونها قوة تحرير، تحولت بدلاً من ذلك لتكون نوعاً جديداً من الاستعمار؟

في 12 أبريل/نيسان 2019، تقدمت جوليت أناما، الرئيسة التنفيذية للعمليات في نيجيريا لشركة تُدعى Jumia، لدق ناقوس افتتاح بورصة نيويورك الجديدة. 

كانت جوليا إحدى كبار المديرين التنفيذيين الحاضرين للاحتفال بالاكتتاب العام الأولي لشركة تجارة إلكترونية أطلق عليها اسم Amazon of Africa. صارت جوميا، التي يمتد نطاق عملها إلى 14 دولة إفريقية من نيجيريا إلى مصر ومن ساحل العاج إلى كينيا، العام الجاري (2019) أول شركة تجارة إلكترونية تولي تركيزها بالكامل على إفريقيا، وتُدرَج في قائمة البورصات الأمريكية المرموقة.

إنها تنقل أي شيء إلى أي بقعة إفريقية، ولكن البعض يقول إنها ليست إفريقية 

غير أن ثمة مشكلة واحدة مع قصة جوميا. وهي أن الشركة لم يكد يكتمل إدراجها في قائمة بورصات نيويورك حتى قوبلت برد فعل عنيف، إذ يقول الناقدون إن جوميا ليست شركة إفريقية بتاتاً.

تتلاءم جوميا تماماً مع رواية أنها الحل التكنولوجي لمشكلات إفريقيا، وأنها الطريق نحو مستقبل تصير فيه التجارة -وليس الاستخراج من القارة- محرِّكاً لنمو إفريقيا.

وبالجمع بين التكنولوجيا عبر الإنترنت والبنية التحتية الاستراتيجية غير المتصلة بالإنترنت، وضمن ذلك المستودعات وأساطيل الدراجات، تَعِدُ جوميا طبقةَ المستهلكين الأفارقة المتوسعة بالتمتع بفرصة توصيل البضائع إلى منازلهم مباشرة. 

بإمكان المستهلكين طلب أي شيء، بداية من الآيفون وشاشات LED إلى طبق القورمة الهندي، وذلك بلمسة شاشة فقط، متجاوزةً الطرقات غير الممهدة والاختناقات المرورية المليئة بالعادم والتي تميز كثيراً من المدن الإفريقية التي تشهد نمواً سريعاً.

ولقد حققت أسعاراً قياسية في البورصة الأمريكية

لاقى الاكتتاب العام الأولي لـ "جوميا" اهتماماً شديداً. ولم يكد يمر وقت طويل على الافتتاح، حتى بدأ السهم في الارتفاع عن سعره الأوليّ الذي بلغ 14.50 دولار. وبنهاية اليوم، ارتفع سعر السهم بنسبة 75%؛ وهو ما أدى إلى تقدير قيمة الشركة في حدود 2 مليار دولار، وعليه جنى مؤسسوها ثروات صغرى. وفي الأيام القليلة التالية، واصل سعر السهم الارتفاع حتى تجاوز حاجز 40 دولاراً.

بيد أن ذلك ظل نجاحاً ضئيلاً وفقاً لمعايير وادي السيليكون، فمن وجهة نظر المتفائلين بمستقبلٍ أفضل للقارة الإفريقية، لا سيما أولئك الذين لديهم نزعة تكنولوجية، كان إدراج جوميا في القائمة حدثاً مهماً للغاية. 

إذ أظهر للعالم أن التكنولوجيا الإفريقية صارت قديمة، وأن المستثمرين يمكنهم جني المال من وراء شركة لديها خطط توسعية إفريقية كبرى. جادل مؤيدو جوميا بأنه من المؤكد أن مزيداً من الاستثمارات ستتوالى، وهو ما يساعد الشركات والاقتصادات الإفريقية على رسم مستقبل جديد.

كيف تحولت القارة السمراء إلى منصة للتكنولوجيا؟

سلَّط انضمام جوميا إلى القائمة الضوء على ما عرفه مراقبو إفريقيا منذ وقت طويل: أن تلك القارة كانت تعج بالأفكار التقنية، بعد أن قفزت إلى الهاتف المحمول.

بدأت القصة جدياً منذ ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان في كينيا، من خلال ابتكار برنامج M-Pesa، وهو نظام لتحويل مبالغ صغيرة من الأموال عن طريق الهاتف المحمول. 

ولمّا كان الأمر في سهولة إرسال رسالة نصية، تمكَّن الأشخاص من تحويل الأموال إلى بيوت أقاربهم في القرى أو دفع ثمن البضائع أو المرافق. يستخدم مئات الملايين من الإفريقيين برنامج M-Pesa وعشرات من الخيارات مثله، فمن ناحية أخرى استُثني كثيرون منهم من النظام المصرفي الرسمي. وحتى أفقرهم بإمكانه تكوين تاريخ ائتماني وأخذ قروض صغيرة.

في نيروبي عاصمة كينيا، تسبب النظام البيئي في إنشاء مركز تكنولوجي نابض بالحياة يُعرف باسم "سيليكون سفانا"، ولا غرو في تلك التسمية. 

اعتمدت مئات من الشركات على شبكة تحويل الأموال، من أجل تقديم الخدمات مثل تأجير الألواح الشمسية، حيث يُجري العملاء عمليات الدفع بالغة الصغر من خلال الهاتف. وأُطلقت الصيدليات عبر الإنترنت، وهو ما يمكّن العملاء من الكشف عن العمليات المزيفة والتخلص من الوسطاء المبتزين.

أودية التكنولوجيا تنتشر في القارة

حتى لا تتخلف عن الرَّكب، تمتلك مدينة لاغوس، العاصمة التجارية لنيجيريا، مركزاً تقنياً خاصاً بها في منطقة يابا، المعروفة للبعض باسم "وادي ياباكون". حتى الكاميرون المجاورة، باقتصادها الأصغر بكثير، لا يوجد بها مركز تقني واحد، بل اثنان: "نهر السيليكون" و "جبل السيليكون". 

في جميع أنحاء القارة، أدى انفجار في استخدام الهواتف المحمولة وزيادة انتشار الهواتف الذكية إلى إمكانية تقديم خدمات قائمة على التطبيقات التي يمكنها، على الأقل من الناحية النظرية، معالجة المشكلات بداية من معايير التعليم الضعيفة والإنتاج الزراعي المنخفض إلى البنية التحتية الرهيبة وحتى عمليات المناقصات الفاسدة.

وأصبحت التطبيقات بديلاً للأطباء

تقدم تطبيقات الصحة في رواندا لأفقر المواطنين إمكانية الاستشارات الطبية الرخيصة التي يقودها الذكاء الاصطناعي.

وتسعى إحدى الشركات عبر الإنترنت في نيجيريا، وتُعرف باسم Cars45، إلى معالجة مشكلات السرقة والاحتيال التي تجتاح سوق السيارات المستعملة الضخم في إفريقيا، من خلال تقديم مزاد علني آني عبر الإنترنت

وتمتلك الشركات الأخرى، ومنض منها Bridge التي يدعمها بيل غيتس ومارك زوكربيرغ، إمكانية الحلول القائمة على التكنولوجيا -والتي لا تزال مثيرة للجدل للكثير- من أجل التعليم المتدني، حيث أحيلت مسؤولية المناهج الموحدة إلى معلمين يستخدمون الكمبيوتر اللوحي.

ولقد نما هذا القطاع بنسبة هائلة العام الماضي

يظل الكثير من هذا في المرحلة التجريبية. ورغم كل هذا النشاط، ما يزال قطاع التكنولوجيا في إفريقيا صغيراً نسبياً. في العام الماضي 2018، حققت الشركات الناشئة الإفريقية رقماً قياسياً بمبلغ 726 مليون دولار، وفقاً لشركة WeeTracker، وهو ما يزيد قليلاً عن 1/10 السبع مليارات التي حققتها شركات التكنولوجيا الهندية الناشئة في المدة نفسها. 

لكن الاهتمام والنشاط يتصاعدان سريعاً. إذ حققت أرقام العام الماضي زيادة بنسبة 300% عن العام الذي سبقه.

قيادة فرنسية وموظفون برتغاليون وأموال أمريكية.. والشركة تؤكد أنها إفريقية!

أناما، المديرة القطرية النيجيرية التي قصت شريط افتتاح العرض العام الأولي، هي من بين أولئك الذين يؤمنون بقوة التكنولوجيا من أجل تحول القارة. وتقول إن جوميا لديها 5 آلاف موظف بالفعل في إفريقيا وتستخدم التكنولوجيا لحل المشكلات اللوجستية التي تعاني  منها الدول الإفريقية منذ وقت طويل. وتتابع: "نحن شركة إفريقية ونعمل على حل مشكلات الأفارقة في القارة".

لكن النقاد يتساءلون ما مدى "الطابع الإفريقي" للشركة حقاً.

تأسست جوميا عام 2012 في برلين، مع أنها كانت ترد على المستفسرين بأن مقرها الرئيسي يقع في نيجيريا. أَطلق عليها في الأصل اسم "Kasuwa" التي تعني السوق في لغة الهوسا، وهي اللغة المستخدمة في جنوب نيجيريا. ثم بعد ذلك أعيد تسميتها باسم جوميا غروب. 

وعلى أعلى المستويات، لا يدير الشركة الأفارقة، وإنما مديرون تنفيذيون فرنسيون، عملوا خارج باريس إلى حين انتقالهم إلى المقرات الحالية في دبي. 

ويعمل معظم الفنيين، الذين يصممون أنظمة جوميا عبر الإنترنت ويتولون صيانتها، من البرتغال، بل إن الكثير منهم -إن لم يكن جميعهم- مواطنون برتغاليون. 

وقد تأسس الكثير من رأس مال جوميا في أوروبا وأميركا. فكيف تختلف، على وجه التحديد، عن شركات مثل Shell أو Coca-Cola، اللتين توظفان آلاف الأفارقة لكنها بالكاد قادرة على أن تدّعى أنها إفريقية؟

إنها إفريقية بقدر ما كان المستعمرون البيض الذي امتصوا دماء القارة أفارقة

زرعت جوميا بنفسها الكثير من جذورها الإفريقية المفترضة. وفي يوم انضمامها إلى القائمة، قال ساشا بوينونيك الرئيس التنفيذي، وهو مواطن فرنسي، بنبرة مشددة لقناة CNBC: "نحن شركة إفريقية تماماً". 

وبالنسبة لمنتقديه، فإن حديثه بدا غريباً بالنسبة لشركة كانت على وشك تحقيق ملايين الدولارات لمديري الشركة من ذوي البشرة البيضاء أساساً.

المحمول تغلب على العوائق الجغرافية التي كانت تعرقل انتشار الهواتف الثابتة/Istock

يقول منتقدو جوميا، لو أنها ليست إفريقية بالفعل، أليست هي مجرد التكرار الأحدث في تاريخ طويل من الاستغلال يعود إلى أمثال شركة Royal Niger لغولدي؟ ومع أن تلك تبدو مقاربة، صارت جوميا محل تنفيس للجدل المحتدم أحياناً حول طبيعة التكنولوجيا ورأس المال الأجنبي في إفريقيا.

الأرباح بدلاً من النفط.. ها هي تستخرج ثروات القارة كما فعل الاحتلال

بينما يرى البعض كثيراً من الأمل في المشاركة الإفريقية في هذا العالم الجديد الجريء، يرى آخرون الأنماط القديمة للاستخراج تتأكد من جديد تحت ستار جديد. 

ويقولون إن شركات مثل جوميا تنهب البيانات والأرباح بدلاً من النفط. لذا يمكن نحت مصطلح جديد لهذا النوع من الاستغلال، وهو "Techsploitation" أو "استغلال التكنولوجيا".

تأتي ريبيكا إنونشونغ، صاحبة أعمال في المجال التكنولوجي مولودة في الكاميرون، من بين أولئك الذين يصرون على أن جوميا شركة أجنبية تحت ستار إفريقي

والفكرة جاءت من شركة ألمانية تنسخ أفكار وادي السيليكون

إذ تقول إن جوميا من بنات أفكار شركة Rocket Internet وهي شركة ألمانية تقول إنها تنسخ الأفكار التي طورها وادي السيليكون وتطبقها على بقية العالم. 

وصرحت: "إنها شركة تابعة لـ Rocket Internet وليست شركة إفريقية ناشئة. لدينا تاريخ مؤلم مع الشركات الأوروبية، هذا الإرث الاستعماري الذي ظهر مؤخراً جداً. يبدو أنه يتكرر في عالم الشركات الناشئة".

لا تشكك ريبيكا في أحقية Rocket Internet في مزاولة الأعمال التجارية داخل القارة، مع أنها تشكك في قوة نموذج العمل الذي يديره فريق الإدارة العليا المقيم خارج القارة. 

بعد مدة وجيزة من  إطلاق جوميا، فإن ملاحظة أبداها بائع على المكشوف في نشرة الأخبار عبر الإنترنت Citron Research كبدت مئات الملايين من الدولارات من القيمة السوقية للشركة بسبب التشكيك في صحة بعض إدعاءتها حتى أنه قال عن الأسهم إنها "لا قيمة لها". أنكرت جوميا بشدة تضليل المستثمرين وتحسن سعر سهمها حتى وصل إلى 25 دولاراً تقريباً مع أن ذلك لم يبلغ سوى نصف أعلى سعر بلغه السهم.

وهي تخنق صناعة التكنولوجيا المحلية في إفريقيا

تقول ريبيكا إنه بعيداً عن مساعدة إفريقيا، فإن جوميا وشركات مثلها تخنق صناعة التكنولوجيا المحلية في إفريقيا في مهدها. والسبب يعزي إلى ما يقوله منتقدوها عن الميزة الكبرى غير المعلنة لمثل تلك الشركات: وصولها إلى رأس المال. 

وتوضح ريبيكا: "لا أري أي شركة إفريقية ناشئة يُسمح لها بخسارة هذا النوع من المال"، وذلك في إشارة إلى ما يقرب من مليار دولار تكبدتها جوميا على مر سبع سنوات خلال رحلتها في الإدراج في القائمة

وتردف: "هذا يحرم الأفارقة من فرصة أن يكونوا في المقدمة"، إذ تجادل بأن الكثير من الشركات الإفريقية مُحيت من الوجود بسبب عجزها عن مضاهاة الجيوب العميقة لجوميا.

إنه الاستعمار الرقمي الذي يستند لنفس التحيزات القديمة

وأكدت دراسة أجريت عام 2018 عن الشركات الناشئة في شرق إفريقيا على أن 90% من التمويل ذهب إلى المؤسسين الأجانب. ويشتكي كثير من رواد الأعمال الأفارقة من أن الشركات الأجنبية تستخدم هوية إفريقية لتكون أداة للتسويق، وتجمع رأس المال على أساس أنها "تبلي بلاءً حسناً" من خلال "التأثير على الاستثمار"، لكن في النهاية تجني أموالاً مثل أي رأسمالي مخادع.

يكشف تي إم إس روج، وهو رائد أعمال أوغندي، عما يسمى بـ "إعادة الاستعمار الرقمي" للقارة.

 ويقول إن الشركات الناشئة الإفريقية تُحرم من رأس المال بسبب التحيزات القديمة وعلاقات القوة. ويضيف: "ما ستجنيه هو سحق موهبة جيدة حقاً؛ إذ أنه اجتياح لإبداعات جيدة حقاً من جانب منظمات ممولة تمويل جيد تتقدم سريعاً ولها صلات بالغرب وعلى استعداد لأن تشهد خسارات مالية على مدار سنوات عدة".

وفي تغريدة عن جوميا، كتب روغ: "عزيزتي إفريقيا لا تسمحي [لنفسك] بوضع غمامة على عينك مرة أخرى".

يرى روغ أن ثمة أبُعاداً نفسياً للمشكلة بقدر أبعادها المالية. ويقول: "ما تزال عقولنا مستعمرة". فالكثير من الأفارقة يؤمنون بفكرة "أننا غير قادرين على فعل أي شيء، وأنه لا قيمة لأي شيء حتى يباركه شخص غربي".

ومؤيدي الشركة يرون أنها تقدم فرصة لا تعوض.. نقادها لايفهمون طبيعة الرأسمالية

يرى مؤيدو جوميا -بمن فيهم كثيرون من القارة نفسها- أن إعادة صياغة ماضي مستعمر لا يفيد في أحسن الأحوال ويحمل ضرراً إيجابياً في أسوأ الأحوال. 

يعرف لينولوا أوبيجي بأنه أحد رواد الأعمال الأنجح في مجال التكنولوجيا في نيجيريا ومؤسس مشارك في شركة Andela التي تدرب المبرمجين الأفارقة. وقد تعرَّض للقضية من خلال دفاعٍ حادٍ عن الشركة. 

إذ كتب في مقال نشره في أبريل/نيسان العام الجاري: "بدلاً من اغتنام الفرصة للاحتفال بالتميز الأسود من خلال مشاركة قصص ملهمة والاحتفاء بها… دخلنا في جدال بدائي لا معنى له ماهية الشركات الإفريقية في عالم بلا حدود".

يجادل أبويجي، الذي يقضي معظم وقته في وادي السيليكون، بأن منتقدي جوميا يسيئون فهم طبيعة الرأسمالية العالمية. 

هل مايكروسوفت شركة هندية؟

ويقول إنه نظراً لجشع المسؤولين في إفريقيا وسيادة القانون التي لا يمكن التنبؤ بها، لا يمكن تأسيس أي شركة في القارة والتطلع إلى جمع رأس المال، ربما باستثناء جنوب أفريقيا على الأرجح أو جزيرة موريشيوس الصغيرة. ويتابع أنه حتى الشركات الصينية أو شركات جنوب شرق آسيا، فإنها تدرج نفسها في سنغافورة أو هونغ كونغ بحثاً عن سلطات قضائية أكثر موثوقية. 

إضافة إلى أن حقيقة وجود مديرين تنفيذين فرنسيين  في جوميا، لا تجعلها شركة غير إفريقية، على غرار الرئيس الهندي التنفيذي لمايكروسوفت الذي لا يجعل الشركة التي اخترعت ويندوز شركةً هندية. خلافاً لهذا، يضيف أبويجي أن أكبر مساهم في جوميا هي شركة MTN، وهي شركة اتصالات من جنوب إفريقيا.

الشركة تسوق المنتجات في الأسوق النائية

بينما تغرق ما يسميها أويجي نخبة إفريقيا "ضيقة الأفق التي تفتقر إلى الرؤية" في جدالٍ لا معنى له حول الاستعمال التقني، فإنه يستشيط غضباً من أنها تتغاضى عما هو مهم حقاً: التكنولوجيا التي يمكن تسخيرها للتغلب على الإرث الاستعماري لإفريقيا ومعالجة بعض المشكلات المتأصلة. 

وكتب: "ما هو مأساوي حقاً بينما ننخرط في تلك الجدالات التي لا طائل منها، نفقد مهمة الشركة والفرصة التي تمثلها حتى تتمكن إفريقيا من القفز لخطوات واسعة في البنية التحتية التقليدية لتجارة التجزئة وبناء بنية تحتية للاقتصاد الرقمي . . .فما بنوه في أفريقيا رغم كل الصعاب يظل شيئاً رمزياً. يجب أن نحتفل بهم ونحمل على عاتقنا شرف الاضطلاع بدورنا في تحقيق هذا الإنجاز".

يشير كابيرو مبودجي، وهو مؤسس شركة Wari السنغالية لمدفوعات الهواتف المحمولة إلى نقطة مماثلة. إذ يقول: "يمكن أن تكون جوميا أي شيء إلا أنها شركة إفريقية. لكن على كل حال علينا أن نهنئهم. هذا من شأنه فقط أن يوضح أن ثمة فرصاً موجودة . . . لو أي شخص آخر اغتنمها، فتلك مصلحة لهم. لو دخلنا في سبات، فهذا أمر ليس في مصلحتنا بتاتاً".

يبقى الخلاف حول أصول جوميا بالنسبة للبعض أمراً محيراً. ولكن بالنسبة للآخرين، فقد ولدت من رحم جراح غائرة لم تُداوى، وهي جزء من نقاش أوسع حول الاستيلاء، والعرق، والملكية. ليس من قبيل المصادفة أن رواد الأعمال الأفارقة لا يملكون القدرة على الوصول إلى المهارات ورأس المال اللازمين لبناء شركات حديثة، بحسب ما تقوله ريبيكا. أمضت القوات الاستعمارية قروناً في استخراج الثروات من القارة، وتدمير أنظمة الحكم المحلية وحرمانها من الموارد البشرية وتكوين رأس المال الذي بنت عليه الدول الأخرى نجاحها.

وتتابع ريبيكا قائلة إن جزءاً من الحل يكمن في هؤلاء الأفارقة الذين جمعوا رأس المال من الصناعات التقليدية للاستثمار في الشركات في مراحلها الأولى. "لا يمكننا أن نتوقع أن يستثمر وادي السيليكون في الشركات الإفريقية الناشئة. إنها مسؤوليتنا أن نسيطر على مزيد من ملكيتنا".

تحميل المزيد