عودة الإنترنت أعادت الزخم للثورة السودانية وفتحت فصلاً جديداً في مسيرتها ، فصل توثيق الجرائم وجمع الأدلة ضد مرتكبيها.
فقد أثارت عودة خدمة الإنترنت على الهواتف المحمولة في السودان صدمة كبيرة لدى الملايين، حيث تم تداول عدة مقاطع فيديو وصور تظهر "تعاملا وحشيا" لمسلحين بملابس عسكرية مع المتظاهرين خلال فض اعتصام الخرطوم في مطلع حزيران/يونيو.
عرض هذه المقاطع والصور على نطاق واسع جدد الغضب تجاه المجلس العسكري الحاكم في السودان.
وسبق أن انتشرت صورا مماثلة لأحداث الثالث من يونيو الدامية، لكن مع عودة الإنترنت على الهواتف المحمولة، أصبح تداول أشرطة الفيديو أكثر سرعة وانتشارا.
قطع الإنترنت تم بعد المذبحة
واللافت أن قطع خدمة الإنترنت في السودان تم إثر فض مسلحين يرتدون زيا عسكريا الاعتصام في عملية أسفرت عن مقتل أكثر من مئة متظاهر وإصابة مئات آخرين بجروح. ويتهم المحتجون ومنظمات حقوقية قوات الدعم السريع بالهجوم على اعتصام المحتجين.
ويومها أمر المجلس العسكري الحاكم بقطع الإنترنت عن الخطوط الهاتفية المحمولة والأرضية في سائر أنحاء السودان، في خطوة هدفت في نظر المتظاهرين إلى منعهم من تنظيم التجمعات الاحتجاجية.
وبعد أيام، عادت خدمة الإنترنت على الشبكة الأرضية، لكن خدمتي الجيل الثالث والجيل الرابع ظلتا مقطوعتين عن المشتركين بالهاتف المحمول حتى الثلاثاء 9 يوليو/تموز 2019 عندما أعادت السلطات الخدمة تنفيذا لأمر قضائي وبعد التوصل لاتفاق بين المجلس العسكري الحاكم وقوى إعلان الحرية والتغيير.
وفور عودته.. حملة لتوثيق مجرزة فض الاعتصام
وفور عودة الإنترنت الثلاثاء 9 يوليو/تموز 2019، دشّن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، حملة واسعة لتوثيق أحداث "مجزرة فض اعتصام الخرطوم"، وتصدر على إثرها هاشتاج "#توثيق_مجزرة_القيادة_العامة" موقع تويتر في البلاد وحصد آلاف التغريدات.
كما لجأ المتفاعلون إلى استخدام هاشتاغات أخرى للغرض ذاته أبرزها: #مجزرة_القيادة_العامة و #لن_ننسى_ولن_نغفر .
وتم تدشين صفحة على موقع "فيس بوك" لتوثيق "المجزرة" أضيفت إليها عشرات الصور والفيديوهات في أقل من أسبوع. على الصفحة، كتب أحد المستخدمين "لا بد من محاسبة الذين ارتكبوا هذه الجرائم"، ليرد عليه آخر "دون محاسبة وعقاب وقصاص، لن تنجح هذه الثورة العبقرية الفريدة".
مشاهد عنيفة.. عسكرية عسكرية
وتكشف مقاطع انتشرت على نطاق واسع خلال الساعات الأخيرة مشاهد عنف ظاهر يبدو أن مسلحين ارتكبوها بحق المعتصمين قرب مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في العاصمة.
ففي إحدى الصور، التي لم يكن من الممكن التحقق من مصدرها أو مكان حصولها يظهر شخصان بملابس عسكرية وهما يقفان بحذائيهما على وجه شخص ملقى أرضا.
فيما يظهر مقطع فيديو آخر مجموعة من المسلحين بملابس عسكرية يحيطون بفتاة بشكل غير لائق، ويقوم أحدهم بوضع يده حول رقبتها وهي تصرخ.
كما يمكن في صور أخرى رؤية مسلحين يضربون أشخاصا بعصي خشبية.
وظهر عسكريون في أحد هذه المقاطع وهم يلاحقون متظاهرين ويجبرون أحدهم على التفوه بكلمة "عسكرية" نفياً لكلمة "مدنية" و"سلمية" التي هتف بها المحتجون في التظاهرات التي اندلعت في ديسمبر كانون ثاني الماضي.
وأظهرت مقاطع أخرى محاولات لإسعاف مصابين بعد تعرضهم للرصاص، الذي أصاب بعضهم في منطقة الصدر والرأس مباشرة.
كما تداول المتفاعلون مقاطع ظهر فيها مدنيون وهم يتعرضون لاعتداءات جسدية وما وُصف بتحرش جنسي إلى جانب صور ومقاطع أخرى لجثث قيل إنها اُنتشلت من النهر بعد أن ألقى بها الجنود فيه.
عودة الإنترنت أعادت الزخم للثورة السودانية وجدل حول من نشر الفيديوهات
لا يمكن التأكد تماما من هوية الأشخاص الذين التقطوا هذه الصور وينشرونها.
وهي ظهرت غالبا على حسابات أشخاص تبدو أسماؤهم مستعارة، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويمكن التعرف في عدد منها على مكان الاعتصام الذي استمر أسابيع قبل أن يتم تفريقه بالقوة.
تساءل البعض عن الجهة المسؤولة عن تصوير وتسريب المقاطع والصور التي تكشفت منذ عودة الانترنت.
وخلص البعض إلى أن من قاموا بارتكاب الاعتداءات هم من قام بتوثيقها وتسريبها.
وأنحى آخرون باللائمة على "الكيزان" (أي الإسلاميين بالعامية السودانية) في إشارة لأنصار عمر البشير الذي أطاح به العسكريون في انقلاب في أبريل نيسان الماضي.
وأشار البعض بأصابع الاتهام مباشرة إلى أعضاء المجلس العسكري ونائب رئيس المجلس – قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، وعبروا عن استهجانهم لفكرة القبول بتقاسم السلطة معهم.
وحميدتي يقول إنها مفبركة وتارة أخرى يقول إنه قواته مخترقة
هذه الصور والفيديوهات "مفبركة"، كان هذا رد محمد حمدان دقلو على هذه الاتهامات السبت الماضي، متهما "مندسين وأجهزة مخابرات" أجنبية بالوقوف خلفها.
وقال دقلو المعروف ب"حميدتي" والذي يقود قوات الدعم السريع "هناك صور مفبركة يتم تصويرها. هناك ناس صورت 59 فيديو في يوم واحد. بالطبع لديهم هدف. لديهم أجندة مختلفة".
وشدد على أن قوات "الدعم السريع تعرضت للظلم" في هذه الأحداث.
ولكن في أحاديث أخرى ، قال حميدتي إن قواته مخترقة.
وحول هذا الأمر يقول عسكري سابق باستخبارات الجيش "للجزيرة نت" : قوات الدعم السريع مقسمة إلى قدس1 وقدس2 وقدس3 وهكذا، لكن التي تدين بالولاء لحميدتي هي قدس1 التي ينحدر جنودها وضباطها من أفراد قبيلته الرزيقات".
والبعض يطالب بالعودة عن الاتفاق.. كيف نضع يدنا في يد هؤلاء؟
وذهب بعض المتفاعلين في تأثرهم بالفيديوهات التي تحوي الجرائم التي ارتكبت ضد المتظاهرين إلى حد المطالبة بالنكوص عن الاتفاق الأخير الذي عقد بوساطة إفريقية.
وكان تحالف المعارضة السودانية والمجلس العسكري قد أعلنا الأسبوع الماضي عن توصلهما لاتفاق لتقاسم السلطة وتشكيل حكومة انتقالية.
ويتضمن الاتفاق بنداً يكفل إجراء "تحقيق دقيق شفاف وطني مستقل" في مختلف أعمال العنف التي شهدتها البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.
وكتب نزار حسين: "نقولها بالفم المليان بعد ظهور هذه المقاطع الفظيعه إن تجمع الحرية والتغيير تسرعوا كثيرا في الاتفاق".
ويبدو أن حالة الغضب التي خلقتها هذه الصور والفيديوهات، جعلت الشارع السوداني حساساً لأي شكوك بشأن تورط قوات الدعم السريع في عمليات تعذيب.
ودعوات لطرد قوات الدعم السريع من المدن
وأصبح غضب مركزاً على قوات الدعم السريع التي تعود جذروها للمقاتلين العرب في إقليم دارفور مما يجعل الكثيرون يربطونها بالجنجاويد.
ويعتقد أن هذه القوات هي التي فضت الاعتصام وأن قائدها محمد دقلو هو الرجل الاقوى في المجلس العسكري والذي يرتبط بعلاقات خاصة مع السعودية والإمارات جراء تورط قواته في القتال باليمن.
وأفادت تقارير إعلامية اليوم الثلاثاء 16 يوليو/ تموز 2019 أن احتجاجات وقعت ضد مقتل مواطن تحت التعذيب وأدت إلى إحراق مقر لقوات الدعم السريع في دارفور.
كما تعرضت قوات الدعم السريع مؤخرا للطرد من عدة مدن مراراً على خلفية انتهاكات وتجاوزات ضد المدنيين، مثلما حدث في مدينة السوكي.
وفي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، أحرق محتجون سكنا لضباط هذه القوات احتجاجا على تعرض شباب للتعذيب على يد ضابط مما أدى لوفاة أحدهم.
وتسببت حادثة السوكي فيما يشبه الحملة في منصات التواصل في اتجاه إبعاد قوات الدعم السريع من المدن، وربما اتفقت الحملة مع رؤية قوى إعلان الحرية والتغيير التي تطالب منذ فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران الماضي بسحب مظاهر التسلح بالمدن وإحلال الشرطة.
واعتبر الناشط محمد إسماعيل في حسابه على فيسبوك أن "خروج قوات الدعم السريع من المدن يعد أول خطوة للوصول إلى السلطة المدنية".