أزمةٌ كلَّ صباح في مضيق هرمز، فقد أصبحت أخبار التوترات في هذه المنطقة الاستراتيجية تتوالى بشكل يُنذر بحدوث مواجهة بين الغرب وإيران بسبب التصعيد في منطقة الخليج.
فهل تؤدي مثل هذه الحوادث إلى مواجهة بين الغرب وإيران بسبب التصعيد في منطقة الخليج أما أن التوتر سيظل يقف على حافة الخطر.
مواجهة بين الغرب وإيران بسبب التصعيد في منطقة الخليج
آخر هذه التوترات كان إعلان وزارة الدفاع البريطانية، اليوم الخميس 11 يوليو/تموز، أن سفينة حربية بريطانية أجبرت ثلاثة قوارب إيرانية على التراجع بعد سعيها لمنع ناقلة نفط بريطانية من المرور عبر مضيق هرمز.
وقالت الحكومة البريطانية: "إنه بالمخالفة للقانون الدولي، حاولت ثلاثة زوارق حربية إيرانية إعاقة مرور سفينة تجارية بريطانية عبر مضيق هرمز. نحن قلقون من هذا العمل ونواصل حثّ السلطات الإيرانية على وقف تصعيد الوضع في المنطقة".
وأضافت الوزارة في بيان لها اليوم: "لقد اضطرت فرقاطة بريطانية لوضع نفسها بين السفن الإيرانية والسفينة التجارية البريطانية وإصدار تحذيرات شفهية للسفن الإيرانية، التي غيّرت وجهتها بعد ذلك".
وقال مسؤولون أمريكيون -تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم- إن واقعة الأربعاء حدثت بينما كانت الناقلة "بريتيش هيريتدج" عند المدخل الشمالي لمضيق هرمز.
وقال أحد المسؤولين: "الفرقاطة مونتروز التابعة للبحرية الملكية البريطانية التي كانت هناك أيضاً، وجّهت مدافعها صوب الزوارق، وحذرتها عبر اللاسلكي لتتفرق الزوارق عند هذه النقطة".
وذكرت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء أن الحرس الثوري الإيراني رفض، الخميس، زعماً أمريكياً بأنه حاول احتجاز ناقلة بريطانية في الخليج أمس الأربعاء.
العين بالعين.. لديكم جبل طارق، لدينا هرمز
يبدو أن هذه الحادثة تأتي في إطار سياسة تتبعها طهران مع الغرب تقوم على محاولة الرد على العقوبات الأمريكية التي تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني عبر سياسة تقوم على ثلاثة أساليب.
وهي استخدام سياسة الخطوة بخطوة، والعين بالعين، والوقوف على حافة المواجهة دون الانزلاق إليها.
فقد جاءت محاولة الاعتراض الأخيرة كرد فيما يبدو على دور البريطانيين في احتجاز ناقلة إيرانية الأسبوع الماضي قبالة ساحل جبل طارق بينما كانت تحمل نفطاً ومتجهة إلى سوريا، للاشتباه في أنها تنتهك عقوبات الاتحاد الأوروبي. ووصف المسؤولون الإيرانيون الاستيلاء البريطاني بأنه "عمل من أعمال القرصنة".
وبعد هذه الواقعة لوّح نائب إيراني بأن تفرض بلاده رسوماً على عبور مضيق هرمز على الدول التي تتعاون مع العقوبات الأمريكية على بلاده.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد قال إن بريطانيا ستواجه "العواقب" بشأن احتجاز الناقلة الإيرانية.
وفي المجال النووي تتبع سياسة خطوة بخطوة
وفي المجال النووي تحاول طهران اتباع سياسة الخطوة بخطوة في التصعيد دون الوصول لحد المواجهة، إذ قررت رفع نسبة تخصيب اليورانيوم دون الخروج من الاتفاق النووي.
وقال دبلوماسيون لرويترز في وقت سابق إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبلغت الدول الأعضاء في اجتماع مغلق بأن إيران تخصّب اليورانيوم بدرجة نقاء 4.5%، أي بما يفوق مستوى 3.67%، الذي يسمح به الاتفاق النووي.
وقال سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لصحيفة ألمانية، في مقابلة نشرت الأربعاء 10 يوليو/تموز 2019، إنَّ بلاده تنوي الحفاظ على الاتفاق النووي مع القوى العالمية، إذا أوفت كل الأطراف بالتزاماتها بموجبه.
في المقابل، توعدت الولايات المتحدة الأمريكية إيرانَ بمزيد من العقوبات، رداً على قرارها تخصيب اليورانيوم حتى نسبة يحظرها الاتفاق حول برنامجها النووي الموقع عام 2015.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 7 يوليو/تموز 2019، إنه "من الأفضل لإيران توخي الحذر"، وأضاف في تصريحات للصحفيين في ولاية نيوجيرسي أن إيران "تقوم بالتخصيب لسبب واحد، ولن أقول ما هو هذا السبب، لكنه ليس جيداً، من الأفضل أن يكونوا حذرين"، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
هجمات غامضة تقود لحافة المواجهة
وقبل ذلك وقعت عدة تفجيرات ضد سفن في خليج عُمان والفجيرة بالإمارات تنصّلت منها إيران.
ولكن أكبر تصعيد إيراني جاء بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار قالت طهران إنها اخترقت أجواءها وهو ما نفته واشنطن.
ولكن هذه العملية تحديداً كادت تخرج عن السيطرة.
إذ كانت الولايات المتحدة على وشك شن هجوم صاروخي على إيران الشهر الماضي رداً على إسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية، لكن الرئيس ترامب قال إنه ألغى العملية العسكرية في اللحظة الأخيرة.
ويبدو أن ضبط النفس المفاجئ الذي أظهره ترامب قد شجع الإيرانيين على الاستمرار في نهجهم، خاصة أن ترامب رغم أنه رغم تهديدات الرئيس الأمريكي يبدو حريصا على الانزلاق لحرب والاقتصار على العقوبات.
لكن بالنسبة الإيرانيين العقوبات الأمريكية ليست أسوأ كثيراً من الحرب، إذ تسعى واشنطن بالوصول لصادرات النفط الإيرانية إلى رقم صفر، ويبدو أنها اقتربت من تحقيق هدفها.
ومع تزايد وطأة العقوبات وعدم قدرة طهران على دخول مواجهة مباشرة تبدو سياسة التصعيد المحسوب والرد خطوة بخطوة والتوقف عند حافة الهاوية هي سبيل إيران الوحيد، للخروج من المأزق الذي وضعها ترامب فيه.
ورسائل ترامب تشجّعها على ذلك
فترامب رجل الأعمال الذي يفضل لغة المكاسب والخسائر المادية لا يخفي امتعاضه من المسؤوليات الأمريكية المكلفة في المجالات الأمنية العسكرية.
فمؤخراً، وجّه الرئيس الأمريكي سهام النقد لألمانيا بسبب عدم مساهمتها كما ينبغي في الأعباء المالية لحلف الناتو. وطالبها بإرسال قوات لسوريا لتحل محل الجنود الأمريكيين هناك.
ولكن ما يقوله ترامب عن الخليج يبدو خروجاً صادماً عن الثوابت الأمريكية.
إذ يتنبى ترامب وعدد من مسؤولي إدارته مقاربة جديدة تقلل من أهمية الخليج في السياسة الأمريكية وتحاول التملص من الدور التقليدي لحماية إمدادات الطاقة في ظل تراجع اعتماد واشنطن على نفط الخليج بل وتحولها لدولة مصدرة للذهب الأسود.
سر ضعف رد الفعل الأمريكي
ويبدو هذا واضحاً في رد الولايات المتحدة الضعيف حتى الآن على ما لا يقل عن 6 هجمات حديثة على النقل البحري بالقرب من مضيق هرمز، مجسدةً محاولة واشنطن الأخيرة لإلقاء مسؤولية الأمن البحري في الخليج على الحلفاء بدلاً من تولي القيادة.
فقد أدت وفرة النفط إلى اتباع نهج سياسة خارجية استعلائية من قبل الولايات المتحدة، سياسات لا تضع في اعتبارها أهمية نفط الخليج وحساسيته.
فحملة البيت الأبيض لخفض صادرات إيران النفطية بالكامل كان يمكن اعتبارها غير متوقعة قبل 10 سنوات، إذ يفترض أن الساسة الأمريكيين يعلمون جيداً تأثيرها المفترض على أسعار النفط جراء خروج النفط الإيراني من السوق العالمية، إضافة إلى تأثيرات التوتر على أسعار النفط.
والآن الأمريكيون يريدون من مستهلكي النفط أن يشاركوا في حماية إمدادات الطاقة
ولكن يبدو أن وفرة النفط الأمريكي تقود مقاربة سياسة تجارية جديدة تستند إلى فكرة أنه نظراً إلى أن الولايات المتحدة تستورد مباشرة كميات أقل من نفط الخليج، فلا ينبغي لها بعد الآن أن تؤدي دوراً قيادياً في الدفاع عن التدفق الحر للإمدادات من المنطقة.
والآن القادة الأمريكيون يشعرون بأنه ليست عليهم حماية ناقلات النفط كما حدث في الثمانينيات.
وكان لافتاً أنه بعد عدة هجمات مدمّرة على ناقلات بالقرب من مضيق هرمز، أدلى الجنرال بول سيلفا، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، بالبيان التالي في 19 يونيو/حزيران 2019:
"إذا فكرت مرة أخرى في عملية تغيير الرايات، التي سُميت (حرب الناقلات)، عندما قمنا بتغيير رايات الناقلات ومرافقتها حتى يتسنى لها الإبحار من وإلى مضيق هرمز، كنا نحصل على كمية كبيرة من نفطنا من الخليج".
وأضاف: "نحن الآن في وضع يذهب فيه الجزء الأكبر من هذا النفط إلى دول في آسيا، ولم تُظهر أي من هذه الدول أيَّ ميل للضغط على إيران لوقف ما تفعله.
ما كان صحيحاً في الثمانينيات، ليس صحيحاً اليوم. نحن لا نعتمد كلياً على حركة النفط السعودي والكويتي والقطري والإماراتي من وإلى الخليج لبقاء اقتصادنا".
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، الثلاثاء الماضي، إن الولايات المتحدة تريد تشكيل تحالف عسكري في غضون أسبوعين أو نحو ذلك؛ لحماية المياه الاستراتيجية قبالة كل من إيران واليمن.
ولكن يبدو أن الاستجابة الدولية مازالت محدود، فالعالم لا يريد التورط في مواجهة يحتمل وقوعها بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني.
فيما تحاول أوروبا حل سبب الأزمة وهو الملف النووي بطرق سياسية دون جدوى.
والانتخابات الأمريكية تقترب
ويبدو أن الإيرانيين يعون ذلك جيداً ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وحرص ترامب على عدم رفع أسعار الوقود على الناخبين وبالتالي تقل احتمالات تورطه في حرب أو تصعيد المواجهة الأمر الذي يترك للقادة الإيرانيين مساحة أكبر للمناورة والتمادي في سياسة الخطوة بخطوة والعين بالعين والوقوف على حافة المواجهة.
ولكن من يضمن ألا تنزلق الأمور لمواجهة مباشرة.
فالمراهنة على حرص ترامب على السلام أو على الأقل نفوره من تكلفة الحروب أمر لا يمكن الاعتماد عليه كثيراً مع رئيس قامت سياسته على مخالفة كل الثوابت والتوقعات.