أعلنت إيران أنها بدأت بتخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5%، متجاوزةً حدَّ 3.67%، الذي تم تحديده في الاتفاق النووي الذي وقَّعته إيران مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فما الذي يعنيه هذا الإعلان؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من الحديث قليلاً عن الكيمياء والتفاعلات التي كان بعضنا يكرهها في أيام المدرسة، لكن سنقوم بشرحها بطريقة مبسطة؛ كي نتمكَّن من فَهم هذا السلاح الذي تضغط به إيران على أمريكا والدول الأوروبية.
عنصر اليورانيوم من العناصر الموجودة في الطبيعة، كالذهب والنحاس والحديد، ويتم استخراجه من قشرة الأرض، ويكون لونه أبيض يميل إلى الفضي، بحسب موقع live science الأمريكي.
في البداية، هناك نقطتان أساسيتان يجب أن تتم الإشارة إليهما، حتى يتم فَهم القصة بشكل سهل وصحيح:
الأولى: اليورانيوم الذي يتم استخراجه من الأرض يتكون من مزيج من مادتين، الأولى يُطلق عليها اسم يورانيوم 238، والثانية يورانيوم 235.
قد يتساءل أحدنا، ما الذي تعنيه هذه الأرقام؟ والإجابة قد تكون معقدة قليلاً، لكنها باختصار هي أن كل نواة عنصر في الطبيعة، يتكون من بروتونات ونيترونات، وفي حالة اليورانيوم، تحمل كلها نفس عدد البروتونات (92)، لكنها تختلف في عدد النيوترونات.
فاليورانيوم الذي يكون فيه عدد النيوترونات 146، يتم جمع عدد البروتونات الثابت (92)، ويطلق عليه اسم يورانيوم 238، وفي حالة اليورانيوم الذي يتكون من 143 نيوتروناً، يضاف إليه عدد البروتونات الثابت، ويطلق عليه اسم يورانيوم 235.
أكثر الأشكال شيوعاً هو اليورانيوم 238، الذي يحمل 146 نيوتروناً. يمثل هذا الشكل 99.3% من أي عينةٍ من اليورانيوم الموجود بشكلٍ طبيعيٍّ في الأرض.
الأمر الثاني: أي عينة يورانيوم طبيعية موجودة على سطح الأرض تحتوي على نسبة 99.3% من النوع الأول، أي يورانيوم 238، وما تبقى من نسبة 0.7% هو من اليورانيوم 235.
ويجب معرفة أن اليورانيوم 238 ليس مشعاً، وبالتالي غير فعَّال، ولا يعد مفيداً للتفاعلات النووية، أما اليورانيوم 235 فهو عنصر مشع، وفعال، ويميل لإطلاق تفاعلات نووية.
ماذا تعني عملية تخصيب اليورانيوم؟
عندما يتم إحضار عينة اليورانيوم إلى المختبرات، فإن المهم لدى العلماء النوويين هو اليورانيوم 235، والهدف الذي يسعون إليه هو زيادة نسبته كي يصبح له تأثير أكبر، وذلك على حساب اليورانيوم 238، وهذا ما يُطلق عليه اسم عملية تخصيب اليورانيوم.
وحتى تتم هذه العملية فإنهم مضطرون لتحويل اليورانيوم إلى غاز، ثم يتم إطلاق الغاز بسرعة عالية في جهاز طرد مركزي صناعي قوي، تؤدي إلى فصل اليورانيوم 235 عن 238، مما يسهل عملية التحكم في نسبة كلٍّ منهما.
وأجهزة الطرد المركزية هي معداتٌ معمليةٌ شائعةٌ للغاية، تُدير عينات المادة حول نفسها بحيث تولّد قوة طردٍ مركزيةً. وتحت تأثير تلك القوة الكبيرة تنفصل المواد الثقيلة عن الخفيفة.
إذن، عندما تقول إيران إنَّها سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم فإنَّها تعني إزالة بعض ذرات اليورانيوم 238 من العينة التي يتم العمل عليها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى رفع نسبة اليورانيوم 235.
الآن إيران تقول إن عملية تخصيب اليورانيوم تجاوزت نسب 3.67%، وهذا يعني أن اليورانيوم لديها أصبح يحتوي على يورانيوم 235 بنسبة 3.67% من إجمالي العينة. وبالمثل، فإن تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% يعني أن نسبة اليورانيوم 235 هي 4.5% من إجمالي العينة، وهكذا.
ما الذي تعنيه هذه الزيادة في اليورانيوم 235؟
هذه الزيادة في العنصر النشط من اليورانيوم "235" تعطيه القدرة على تنفيذ المزيد من التفاعلات، ما يعني حدوث عدد هائل من الانقسامات داخل الذرة الواحدة، حيث تنقسم نواة ذرة اليورانيوم، وتُطلق نيوترونات.
تلك النيوترونات تُسبب بدورها انقسام أنوية أخرى، مطلقةً مزيداً من النيوترونات فيما يُعرف بـ "التفاعلات المتسلسلة الذاتية"، والتي تُطلق قدراً مهولاً من الطاقة.
إذن كلما زادت نسبة اليورانيوم 235 فإن التفاعلات تزداد، وبالتالي تصبح هذه المادة أكثر فائدة في صناعة الأسلحة النووية.
هل يعني تجاوز إيران لحدِّ التخصيب المحدد لها أنَّها اقتربت كثيراً من تصنيع قنبلةٍ نوويةٍ؟
عملية التخصيب التي وصلت لها إيران حالياً هي نسبة 4.5%، وهذه الكمية تكفي لتشغيل مفاعلها "بوشهر"، الذي يعمل لأغراض سلمية فقط.
وبحسب تقرير صحيفة the Associated Press فإنَّ اليورانيوم المخصب بنسبة 4.5% أقل بكثيرٍ من نسبة 90% المتعارف عليها لليورانيوم "الخاص بالأسلحة".
وحتى تتمكَّن إيران من الوصول إلى اليورانيوم "الخاص بالأسلحة"، فإنَّها تحتاج إلى تخصيب ما نسبته 90%، وهذا الأمر يشكل تحدياً تكنولوجياً مهولاً، حيث يتطلَّب منها بناء وتشغيل أجهزة طرد مركزية متقدمة للغاية.
فمثلاً، من أجل استخراج 62 كيلوغراماً من اليورانيوم 235، التي كانت لازمةً لصناعة قنبلة "الفتى الصغير" التي أُلقيت على هيروشيما في اليابان عام 1945، احتاجت الولايات المتحدة لتخصيص 10% من كامل إنتاج البلاد من الطاقة في ذلك الوقت، وفقاً لكتاب "The Making of the Atomic Bomb" (من تأليف سايمون وشوستر 1995).
وكانت عينة اليورانيوم الأصلية نفسها تزن 4 أطنانٍ، وعمل 20 ألف شخصٍ في بناء منشأة التكرير التي صنعت القنبلة، وهي منشأةٌ تحتاج لنحو 12 ألف شخصٍ لتشغيلها.
في النهاية ليس مستحيلاً أن تخصب إيران مخزوناً مهولاً من اليورانيوم الخاص بالأسلحة، لكن الوصول إلى نسبة 4.5% لا يُمثل علامةً فارقةً في ذلك الاتجاه، إلا من منظورٍ رمزيٍّ.
إيران كانت قد هدَّدت أيضاً بتخصيب اليورانيوم لنسبة 20%، وهي نسبةٌ أقرب، لكنها تظل غير كافية لتصنيع الأسلحة.