بعد تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الإثنين 8 يوليو/تمّوز، أن إيران قد استأنفت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من المسموح بها بموجب اتفاق عام 2015 مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، أصبحت طهران على بعد خطوات من امتلاك القدرة على صنع قنبلة نووية، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية.
وفي المقابل، تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع إيران من تطوير مثل هذه الأسلحة. وهزت التوترات المتصاعدة المنطقة وسوق النفط، وجعلت الولايات المتحدة في الشهر الماضي على وشك تنفيذ ضربة عسكرية على إيران قبل تراجع ترامب في اللحظة الأخيرة. فيما يلي نظرة على كيفية وصول إيران والولايات المتحدة إلى مرحلة المواجهة تلك، وما يُحتمل أن يحدث في المرحلة المقبلة.
مرحلة المواجهة.. كيف بدأ كل هذا؟
- على غرار ترامب، شكّك الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في تأكيدات المسؤولين الإيرانيين بأنهم لن يسعوا مطلقاً للحصول على قنبلة نووية. جعلت كلتا الإدارتين منع إيران من الحصول على قنبلة نووية من أولوياتها.
- وسعت كلتاهما إلى ذلك من خلال مزيج من الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية، حتى إن كانت تهديدات ترامب أكثر صراحة، بشكل يرجح أن أجزاءً من إيران قد "تُمحى" من الوجود، لكن مساراتهما انحرفت عن تلك النقطة، كما تقول نيويورك تايمز.
إذاً، ماذا فعلت إدارة أوباما؟
- حزمة من المشاكل: تقول الصحيفة إن أوباما حاول التعامل مع البرنامج النووي الإيراني دون معالجة المشكلات الأخرى المتعلقة بالسياسات الإيرانية، مثل سعيها للحصول على الصواريخ البالستية المتقدمة أو دعمها للميليشيات المتحالفة معها في دول أخرى في المنطقة (بما في ذلك لبنان وسوريا والعراق واليمن وكذلك غزة في الأراضي الفلسطينية).
- بدا أن أوباما أيضاً يأمل في أن يؤدي إنهاء العزلة الدبلوماسية والتجارية لإيران عن الغرب إلى دفع طهران لتكون أقل عدوانية تجاه جيرانها وتجاه الولايات المتحدة. من وجهة نظر إدارته، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدولة الثيوقراطية التي أوجدتها ثورة 1979، أمراً واقعاً.
- قال أوباما في مقابلة أجراها عام 2016 مع جيفري جولدبرج من مجلة The Atlantic: "الإيرانيون وخصومهم العرب المدعومون من الولايات المتحدة بحاجة إلى إيجاد طريقة فعّالة لمشاركة الجوار وإقامة نوع من السلام البارد".
- نجاح مؤقت: بموجب اتفاق عام 2015، دفع أوباما إيران إلى تفكيك الأجزاء الرئيسية من برنامجها النووي والخضوع لتفتيش مزجع. لكن جانباً كبيراً من الاتفاق كان مؤقتاً؛ إذ تنتهي القيود المفروضة على تطوير إيران لأجهزة الطرد المركزي النووي في عام 2025، وتنتهي حدود تخصيب اليورانيوم في عام 2030.
- حصلت إيران على وعود بتخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة، وعدم فرض قيود على قواتها العسكرية أو سلوكها المعتاد في المنطقة. بالنسبة للدبلوماسية الدولية، فازت طهران لأول مرة بالحق في تخصيب كمية محدودة على الأقل من اليورانيوم إلى مستوى منخفض على الأقل، وهو ما يكفي لبعض الاستخدامات المدنية.
لماذا رفض ترامب هذا النهج في معالجة الأزمة؟
- استغلال الفرص: جادل ترامب وغيره من النقاد، مدعومين ببعض الأدلة، بأن إيران تستغل الفرصة لتحصين جيشها التقليدي وبناء ميليشياتها المتحالفة في أنحاء المنطقة. واقتناعاً منهم بأن الحكام الثيوقراطيين في إيران سيظلون معادين للولايات المتحدة وحلفائها، دفع النقاد بأن إيران ستظهر بموارد أكبر تساعدها في السباق نحو تصنيع سلاح نووي، بمجرد انتهاء مدة سريان بنود تخصيب الوقود النووي في الاتفاق.
- لذلك بعد الانسحاب مما وصفه بالاتفاق "البشع" في العام الماضي، شرع ترامب في حملة لممارسة "أقصى ضغط" لإجبار إيران على قبول قيود أكثر شمولاً واستمراراً. وتألفت تلك الحملة من إعادة فرض العقوبات الاقتصادية، وفي مايو/أيّار الماضي، كانت هناك تدابير لقطع كل مبيعات النفط الإيرانية تقريباً. وقد ندد المسؤولون الإيرانيون بهذه الإجراءات باعتبارها شكلاً من أشكال الحرب.
- تناقض واضح: من الغريب، مثلما أشار بعض النقاد، أن ترامب يتقارب الآن من كوريا الشمالية بالطريقة نفسها التي تعامل بها أوباما مع إيران. سعى ترامب إلى بناء علاقة شخصية مع زعيمها، كيم جونغ أون، لإغرائه برؤى الاستثمار الدولي والتنمية الاقتصادية إذا توقفت كوريا الشمالية عن امتلاك سلاح نووي.
- وفي ما يُطلِق عليه النقاد مزيداً من البلبلة، ألمح ترامب أحياناً إلى أنه، حتى مع إيران، قد يكون مستعداً لتجزئة القضية النووية. وقال الرئيس الأمريكي في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، ملخِّصاً رسالته إلى طهران: "لا يمكنكم امتلاك أسلحة نووية، بخلاف ذلك، يمكننا الجلوس وعقد اتفاق".
كيف ترد إيران وما خياراتها؟
- العقوبات غير كافية: يمكن أن تستسلم إيران ببساطة، فقد ساعدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها أوباما على دفع إيران للتفاوض على اتفاقية 2015، والعقوبات الحالية أشدّ ضرراً. لكن التاريخ أثبت لنا أن العقوبات الاقتصادية وحدها قد لا تكون كافية لإجبار بلد ما على التخلي عن الطموحات النووية.
- "سنأكل العشب أو أوراق الأشجار، بل سنجوع، لكننا سنحصل على قنبلتنا (النووية)"، هكذا أعلن ذو الفقار علي بوتو، رئيس وزراء باكستان في سبعينيات القرن الماضي في رد بلاده الشهير إذا طورت غريمتها، الهند، قنبلة نووية، والآن الهند وباكستان تُعدّان قوى نووية.
- تجاوز تدريجي: في ظل رفضها الاستسلام لضغط ترامب، قالت إيران إنها اختارت خياراً آخر؛ التجاوز التدريجي للقيود المفروضة على أنشطتها النووية بموجب اتفاق عام 2015. ويدفع الإيرانيون بأنهم ما زالوا ملتزمين بالاتفاق لأنه في نظرهم، ينص على أن بعض البنود تسمح لهم بتقليل امتثالهم إذا فشلت الولايات المتحدة والأطراف المقابلة الأخرى في الوفاء بوعودها بتخفيف العقوبات.
- الضغط على الأوروبيين: تستهدف إيران بهذه التحركات القوى الأوروبية التي وقعت على الصفقة والتي ما زالت تؤيدها. من خلال إعادة تشغيل برنامجهم النووي بزيادات تدريجية، يأمل قادة إيران في الضغط على الأوروبيين لتقديم المساعدة للإفلات من العقوبات الأمريكية، أو على الأقل لإحداث شرخ بين الأوروبيين وترامب. وقالوا خلال عطلة نهاية الأسبوع إنهم يعتزمون المُضيّ قُدُماً نحو تجاوز حدود الاتفاق النووية سريعاً كل 60 يوماً ما لم تفِ الحكومات الغربية بجانبها من الاتفاقية.
- القوة العسكرية: يمكن لإيران أيضاً أن تنتقم من الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية التقليدية. استعرضت طهران قدراتها الشهر الماضي بإسقاط طائرة استطلاع أمريكية تحلق على ارتفاع عالٍ. كما ألقت الولايات المتحدة باللوم على إيران لاستخدام الألغام البحرية لتدمير ست ناقلات نفط في هجومين في المياه المحيطة بالخليج.
- حرب بالوكالة: لكن الهجمات المباشرة ضد الولايات المتحدة تعرض إيران للانتقام؛ إذ تراجع ترامب بالكاد عن توجيه ضربة صاروخية بعد إسقاط الطائرة بدون طيار. يقول المحللون إنه من المرجح أن تتصرف إيران بطريقة غير مباشرة، وتجهّز وتشجع الميليشيات العميلة في بلدان أخرى في المنطقة لمهاجمة القوات الأمريكية أو الحلفاء الأمريكيين.
- اشتكت السعودية بالفعل من تصعيد الهجمات على أراضيها من ميليشيات تدعمها إيران في اليمن والعراق القريبين. هذه الأعمال يمكن أن تضر الأمريكيين بطريقة غير مباشر من خلال رفع سعر النفط.
كيف يمكن أن تنتهي هذه المواجهة؟
- انتهاء ولاية ترامب: ربما تأمل إيران أن ينتخب الأمريكيون رئيساً جديداً في عام 2020 يستطيع إحياء الاتفاق النووي من جديد، لكنها قد لا تنجو حتى هذا الوقت؛ فكل خطوة تتخذها إيران تتجاوز بها الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية تزيد من خطر إعادة الدول الأوروبية للعقوبات الخاصة بها، الأمر الذي يبطل الاتفاق عملياً.
- المواجهة: سواء من خلال تسريع تقدمها النووي أو الأعمال الانتقامية العنيفة، وبطريقة مباشرة أو من خلال حلفائها، تزيد إيران من خطر مواجهة عملٍ عسكريٍّ أمريكي. وقالت إدارة ترامب إنّها ستحمّل إيران المسؤولية ليس فقط عن الهجمات المباشرة على الأهداف الأمريكية ولكن أيضاً عن أي ضربات من الميليشيات الحليفة لها.
- الخطورة مستمرة: كان رهان أوباما هو أن اتفاق عام 2015 من شأنه أن يبني ما يكفي من الثقة أو المصالح المالية لدى إيران لتسهيل تمديد القيود المفروضة. وراهنت إدارة ترامب على عكس ذلك؛ أي أنه بدون فرض عقوبات، ستزداد إيران المزدهرة شراسة تجاه الولايات المتحدة وخطورة على خصومها الإقليميين.
- قال مارك دوبويتز، الناقد البارز للاتفاق النووي والرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "ما نواجهه هو مواجهة تلوح في الأفق مع إيران تتصاعد عبر عدة قوى موجهة"، مضيفاً: "لكننا سنواجه المواجهة نفسها في نهاية المطاف، ورأيي هو أنه من الأفضل لك أن تواجه مع إيران الضعيفة اليوم أكثر من إيران الأقوى في المستقبل".