أوبر رفضت طلباته فقرر منافستها.. كيف تحقق “دابسي” للجيش المصري الأمن والأرباح معاً؟ 

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/10 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/11 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
شركة أوبر/ مواقع التواصل الاجتماعي

 سخرية لاذعة أثارها الإعلان عن تأسيس شركة "دابسي" لمنافسة شركتي "أوبر" و "كريم" للنقل الجماعي، ولكن خلف هذه السخرية، أثارت الشركة مخاوف حقيقية في نطاق العاملين في هذا المجال الواعد في مصر.

الإعلان عن الشركة جاء بطابع استعراضي، بالحديث عن أنَّها ستوفر طائرات هليكوبتر بجانب 100 ألف سيارة وحافلات ودراجات بخارية كدفعة أولى، ثم سرعان ما سقطت الشركة في دوَّامة الارتباك بإعلان الإعلامية إيمان أبو طالب، زوجة العميد محمد سمير، المتحدث العسكري السابق، أنَّها قدَّمت اعتذارَها عن تولِّي منصب المستشار الإعلامي، كما اعتذر زوجها محمد سمير عن منصب مدير تطوير الموارد البشرية بالشركة، يوم 7 يوليو/تموز الجاري، بعد الاتفاق على الأمر بداية الشهر.

وأوضحت أن هذه الخطوة جاءت لوجود ظروف خاصة تحول دون قدرتهما على التفرغ للوظائف المشار لها.

ولكنَّ اللافت هو قولها: "سنتَّخذ الإجراءات القانونية في حال استخدام اسمينا في أي نشاط أو عمل يخص هذه الشركة".

الانطلاقة تعتمد على وكلاء المنافسين.. وكاميرات لمراقبة الركاب والسائقين

تُخطط دابسي لإطلاق تطبيق إلكتروني عبر الهواتف الذكية خلال أسابيع، يُتيح طلب سيارات خاصة وحافلات ويخوت وطائرات ودراجات نارية لتوصيل الركاب مقابل أجر.

كما تقوم الشركة بتركيب نظام إلكتروني في سياراتها، يتضمَّن خدمة إنترنت مجانية لقائدي السيارات والعملاء، وكاميرا لمراقبة سلوكيات الجانبين، بحسب بيان سابق للشركة، التي نشرت لافتاتٍ ترويجيةً لها في عدد من شوارع العاصمة المصرية القاهرة.

الشركة استعانت -في سبيل الحصول على خدمات السائقين- بوكلاء الشركة الأمريكية (حيث اشترت أوبر شركة كريم مؤخراً ليصبحا شركة واحدة)، إذ طلبت منهم ضمّ 100 سائق كحدٍّ أدنى من كلِّ مكتب، للانضمام إلى منصتها الإلكترونية، مقابل منح الوكيل لائحة إعلانية، واضعةً عدداً من الشروط للانضمام إليها، كتقديم أصل شهادة المؤهل الدراسي، وعدد 4 صور شخصية، وإجراء تحليل مخدرات بمعمل "فاست سكان"، وفحص فني للسيارة بقيمة ألف جنيه، إلى جانب رخصة السائق والسيارة. 

أوبر باص
وزيرة الاستثمار المصرية خلال إطلاق خدمة أوبر باص

أما عن المميزات المقدَّمة، فوعدت الشركة بتقديم رواتب للسائقين تصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، عند تحقيق 400 رحلة و300 ساعة "أونلاين"، بشرط أن يكون السائق حاصلاً على تقييم 4.8 نجمة، تنخفض إلى 3300 جنيه عند تحقيق 300 رحلة، و250 ساعة بنفس درجة التقييم.

أسامة حلمي، رئيس شركة OST، أحد الوكلاء المجتمعين مع ممثلي "دابسي"، أوضح أنَّ الشركة تستهدف الوصول إلى 100 ألف سائق قبل انطلاق التطبيق رسمياً، بالإضافة إلى تنفيذ مليون رحلة خلال أول أيام عملها بالسوق المصرية، مشيراً إلى أنه لم يتم فتح باب التسجيل للسائقين حتى الآن.

قوى الشر هي التي تقول إن القوات المسلحة هي التي تمتلك الشركة

وسبق أن نفى المتحدث علاقة الشركة بالقوات المسلحة، كما صدر بيانٌ عن الشركة ينفي ملكيتها للقوات المسلحة، ولكن كل بيانات وتصريحات النفي لم تحدد أسماء ملاك الشركة، الذين وُصفوا برجال أعمال مصريين وطنيين ومدنيين.

"دابسي" ألقت باللائمة في انتشار تلك الشائعات على الشركات المنافسة في السوق المصري (يوجد شركتان مختصّتان بخدمات النقل باستخدام التطبيقات الذكية، هما أوبر وكريم).

وقالت الشركة: "من المتوقع أن يتم نشر شائعات عن الشركة خلال الفترة الحالية لصالح البعض، مع وجود شركات منافسة في السوق المصري تأمل في استمرار السيطرة على السوق".

أيضاً، ومما أثار جدلاً واسعاً بين النشطاء، ألقت "دابسي" اللوم على: "قوى الشر التي تأبى لمصر أن تتقدم، وتقف تلك القوى ضد أي مشروع واعد قد يضاف إلى الاقتصاد المصري، من خلال بثِّ السموم والشائعات المغرضة".

الإشارة إلى "قوى الشر" أثارت جدلاً واسعاً بين النشطاء، وبالأحرى سخرية واسعة.

 لأن هذا المصطلح كان أول مَن نشره هو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وردَّدته من بعده وسائل الإعلام المحلية في معرض حديثها عن القوى التي يفترض أنها تتآمر على البلاد، وعلى إنجازات الرئيس.

وقالت مواقع إعلامية مصرية إنَّ شركة منافسة أطلقت الشائعة، والإخوان بلعوا الطعم ونشروه في الإعلام، فيما وصفوه بـ "حرب شركات النقل" .

غير أن عدداً كبيراً من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أصرّوا على الربط بين "دابسي" وجهاز الخدمة الوطنية.

 الإعلامي علي خفاجي علَّق قائلاً: "قوى الشر ومحمد سمير وسارقين متابعين من صفحات قديمة وبتقنعنا إنكم مش مخابرات؟! #معلش".

ولكن ما الهدف من تأسيس شركة "دابسي"؟.. منافسة غير عادلة

أعمال شركة أوبر في مصر هي الأكبر بالمنطقة العربية، حسب بيانات الشركة الأمريكية.

 وتستحوذ أوبر على أكثر من 50% من العمليات المنفذة لنقل الأفراد باستخدام السيارات الخاصة في مصر، إذ يتعامل معها نحو 4 ملايين مستخدم منذ أن دشّنت خدمتها في البلاد عام 2014، كما ضخَّت أوبر أكثر من مئة مليون دولار لتوسعة قطاع خدمة العملاء من خلال مكتبها في مصر، ولتغطية المنطقة العربية.

أما شركة كريم فقد ضخَّت منذ عملها في مصر نحو 30 مليون دولار، لتطوير بنيتها التكنولوجية، وتشغيل مراكز الاتصال الخاصة بها، وذلك قبل أن يتم بيعها لشركة "أوبر"، في صفقة قُدِّرت بأنها الأكبر في هذا القطاع (3.1 مليار دولار).

هذا بجانب شركات أخرى عاملة في ذات المجال، مثل شركة سوفل، وكذلك شركة مواصلات مصر الإماراتية، إلا أنَّها لم تحقق الأرباح التي حققتها الشركة الأمريكية.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه نحو 100 مليون نسمة، فإن كعكة النقل الجماعي الذكي تثير لعاب الجميع.

ولكن دخول شركة يعتقد أنها محسوبة على القوات المسلحة أثار تساؤلات حول عدالة المنافسة التي ستقدمها الشركة.

شركة دابسي
تطبيق شركة كريم\رويترز

وتساءل المستثمر تامر حسن، عبر "فيسبوك" عن ماهية ملاك الشركة، مشيراً إلى أن القانون المصري يعفي بعض الجهات من دفع الجمارك والضرائب، وأن المنافسة بهذا الشكل ستكون صعبة لو كانت "دابسي" تابعة لتلك الجهات.

وأكد حسن أن صندوق النقد الدولي أشار إلى ضرورة مكافحة الفساد، وتقليل تدخل الجيش في الاقتصاد، وإتاحة المعلومات، متخوفاً أن يعصف إطلاق "دابسي" بما سبق.

ويبدو إنشاء دابسي تكراراً لسيناريو إنشاء شركة We، التابعة للشركة المصرية للاتصالات الحكومية، والتي قوبل إطلاقها بانتقادات، نظراً لطرحها بطريقة الأمر المباشر، دون مناقصة، في وقت أصبح فيه سوق الاتصالات مشبعاً، إضافة إلى منحها ميزات، وفرض رسوم على منافسيها بطريقة أخلّت بالمنافسة العادلة. 

ويقول خالد البرماوي، وهو خبير في مجال الرقميات لـ "بي بي سي"، إن خطوة استحواذ أوبر على كريم سيجعلها تحتكر السوق المصري، "بينما وجود دابسي ربما يمنع هذه الممارسة الاحتكارية المحتملة"، مطالباً في الوقت نفسه بإنشاء جهاز ينظم سوق نقل الركاب والنقل الجماعي في مصر، ويدير العلاقة بين مقدمي الخدمات والمواطنين.

لكن لم تكن الأرباح الطائلة التي يمنحها الاستثمار في سوق النقل الذكي هي الدافع الوحيد وراء إطلاق شركة "دابسي"، ومساعيها للسيطرة على القدر الأكبر من "الكعكة"، فهناك دوافع أخرى ربما تُسيل لعاب القائمين على أمور الشركة الجديدة، بعضها تكنولوجي والآخر أمني.

أعطونا كل ما لديكم من بيانات مقابل هذا الثمن

فقد سبق أن طالبت جهات سيادية، وهي "المخابرات الحربية"، شركتي أوبر وكريم بكشف البيانات الخاصة بعملائهما، وأيضاً السائقين العاملين لديهما، واعتبرت ذلك انتهاكاً لخصوصية المصريين، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

الصحيفة نقلت عن مسؤول في الشركة الأمريكية قوله إن اللواء علاء عطوة، من الجيش المصري، عرض في اجتماع بتاريخ 19 من يناير/كانون الثاني 2017  صفقة، تشتري بموجبها شركة مملوكة للجيش تسمى MSA دهب 5% من أسهم فرع الشركة في مصر، وتستضيف خوادمه.

اللواء المصري برَّر هذا الطلب حينها بقوله: "المعلومات هي القوة، ونحن نحتاجها"، فيما عرضت القاهرة العديدً من الحوافز والمميزات على الشركتين "أوبر وكريم" مقابل تزويدها بهذه البيانات، وهو ما رفضته أوبر (الأمريكية)، فيما اتجهت كريم (مقرها دبي)، التي تمتلك برنامجاً مشابهاً للتتبع به معلومات عن 3 ملايين مصري، (قبل أن تشتريها أوبر) لمناقشة العرض في اجتماعات مع الحكومة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وأضافت الصحيفة "كلتا الشركتين تمنحان طوعاً معلومات الزبائن للأمن في عدة دول، فيما يخص قضايا معينة، أو استجابة لطلب قانوني، لكن السماح للأجهزة الأمنية المصرية بالدخول إلى أنظمة كريم وأوبر الإلكترونية يمنحها قدرات أوسع على تتبع أشخاص متعددين، وتحليل تاريخ وأنماط رحلات الشخص المستهدف".

جدير بالذكر أن طلب الجهة السيادية المصرية الحصول على بيانات عملاء الشركة الأمريكية التي أثار توسعها حفيظة الكثيرين وقتها، جاء في وقت يناقش فيه البرلمان المصري قانوناً يُجبر مقدمي الخدمة على تقديم ما لديهم من أنظمة معلومات للجهات الأمنية، وهو ما أثار تخوفات العديد من الجهات الحقوقية آنذاك.

وكانت شركة أوبر قد ذكرت في نشرة اكتتابها العام بالبورصة عن مصر قبل أشهر، أن اللوائح المقترحة الخاصة بالنقل التشاركي في مصر قد تتطلب منها مشاركة بيانات شخصية معينة مع السلطات الحكومية، من أجل تشغيل تطبيق أوبر في البلاد، وقالت إنَّها قد لا تكون على استعداد للقيام بذلك.

وأضافت الشركة في النشرة في أبريل/نيسان الماضي: "عدم قيامنا بمشاركة تلك البيانات بموجب هذه اللوائح، يمكن أن ينتج عنه فرض السلطات الحكومية غرامات أو عقوبات كبيرة ضدَّنا، أو حتى إغلاق التطبيق الخاص بنا (أو حتى تطبيق كريم بعد إتمام عملية الاستحواذ في مصر) بشكل مؤقت أو لأجل غير مسمى".

هذه الهواجس الأمنية طاردت شركة We للاتصالات، التي يُعتقد أن الجيش والأجهزة الأمنية تقف وراءها، الأمر الذي يعتقد أنه كان له تأثير في عدم تحقيقها نجاحاً يوازي الإمكانيات المتوفرة لها، والميزات التنافسية التي وفَّرتها لها الدولة، بل إنَّ الشركة اضطرت للتبرؤ من علاقتها بالقوات المسلحة، مثلما تفعل شركة دابسي حالياً.

فهل تصبح المخاوف الأمنية عائقاً أمام انتشار شركة دابسي الجديدة، أم يلجأ ملاكها الخفيون لنفوذهم لإضعاف المنافسين، وتوفير الظروف اللازمة لإنجاح الشركة التي بدأت بالفعل في تلقي طلبات العمل.

 

تحميل المزيد