الصعود نحو المواجهة.. لماذا لن ترتدع إيران بخطة أمريكا لحماية ناقلات النفط؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/09 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/09 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تحلق المروحية MH-60S الأمريكية في الهواء مع ناقلة نفط في الخلفية بينما تشق حاملة الطائرات الأمريكية جون سي ستينيس طريقها إلى الخليج عبر مضيق هرمز/ رويترز

رداً على الصدام الأخير الذي نشب نتيجة الهجمات التي رُبِطَت بإيران في الخليج، أعدَّت الولايات المتحدة مبادرةً لتأمين حركة الملاحة لناقلات النفط في المنطقة، مع توفير رؤيةٍ أوضح وتحديدٍ أدق للمسؤولية عن أيّ حوادث مستقبلية. ومن شأن الخطة المُسمَّاة "برنامج الحارس"، أن تتضمَّن نشر سفن حربية وطائرات دوريات بحرية إضافية، فضلاً عن تركيب كاميرات وأجهزة مراقبة أخرى على السفن التي تحمل النفط الخام وتمُرُّ بالمنطقة.

لكنها خطة غير كافية

ومن أجل تخفيف الضغط على الموارد الأمريكية، يُحاول البيت الأبيض تقليص الدعم لكلٍ من الحلفاء الإقليميين والدوليين المُهدَّدين هم أيضاً بتعطُّل إمداداتهم النفطية نتيجة الهجمات الإيرانية. لكنَّ تنفيذ ذلك لن يكون بالأمر الهين، لأنَّ نهج واشنطن في فرض العقوبات القاسية على إيران خلال السنوات الماضية أدَّى إلى نفور أقرب الشركاء الأمريكيين. لكن حتى لو نجحت الولايات المتحدة في تأسيس تحالفٍ كهذا، فسيظل من وجهة نظر مركز Stratfor الأمريكي، غير كافٍ لتخفيف المخاطر المتعلقة بتعرُّض الناقلات لهجماتٍ مستقبلية وما يتلوه من خطرٍ يتهدَّد تدفُّقات الطاقة العالمية.

نظرةٌ على حرب الناقلات الأمريكية الإيرانية الأولى

إلى الثمانينيات: ليست هذه هي المرة الأولى التي تتصادم فيها الولايات المتحدة وإيران داخل الخليج على خلفية قضية تأمين حركة الناقلات العابرة للمنطقة. إذ نشب صدامٌ مماثل أثناء الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، وحينها استهدفت كلٌ من بغداد وطهران صادرات الطاقة الخاصة بالأخرى. 

واستهدفت إيران كذلك، بأعدادٍ كبيرة، الناقلات الكويتية والخليجية الأخرى التي ساعدت في نقل النفط العراقي. وتصاعدت الهجمات سريعاً مما دفع الولايات المتحدة إلى الرد في نهاية المطاف، نظراً لقلقها بشأن تهديد وارداتها النفطية من المنطقة.

عملية "فرس النبي": وفي عام 1987، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان "عملية إرنست ويل"، وهي أكبر عملية مُرَافَقة بحرية (بغرض الحماية) في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فنشرت واشنطن عشرات السفن الحربية وطائرات الدوريات في الخليج، وأعادت تسجيل الناقلات الكويتية تحت العلم الأمريكي للسماح للبحرية الأمريكية بحمايتها. 

لكن على الرغم من حجم العملية الكبير، ظلَّ الأسطول غير قادرٍ على منع إيران من مهاجمة العراق والناقلات النفطية لحلفائه باستخدام الألغام البحرية، والزوارق السريعة، وصواريخ كروز المضادة للسفن. وأدَّى هذا في النهاية إلى سلسلة من الصدامات بين الولايات المتحدة والقوات الإيرانية، بلغت ذروتها في القتال العنيف خلال عملية "فرس النبي" التي أطلقتها واشنطن عام 1988، إلى جانب أنَّه أدَّى إلى نهاية الحرب الإيرانية-العراقية التي جاءت بعد ذلك بفترة وجيزة.

الفاعلية والمخاطر.. أوجه الشبه بين الماضي والحاضر

عند قياس الفاعلية والمخاطر المحتملة لـ"برنامج الحارس" الذي أعدَّه البيت الأبيض، نجد العديد من الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها عن طريق المقارنة بين مواجهة الناقلات في الثمانينيات وتلك المواجهة الأخيرة التي اندلعت الشهر الماضي يونيو/حزيران.

أولاً: من الواضح أنَّ البرنامج –حتى لو طُبِّق بنجاح- لا يضمن بأي حالٍ من الأحوال إنهاء أو تقليص إيران لهجماتها على ناقلات النفط التي تشُقُّ طريقها عبر الخليج. ولعل هذا صحيحٌ بدرجةٍ أكبر اليوم؛ إذ يوجد الكثير من أهداف الطاقة المحتملة في المنطقة، وقليلٌ جداً من عتاد المرافقة المحتمل لحماية تلك الأهداف بالكامل.

ثانياً: كان الدافع وراء الهجمات الإيرانية في الثمانينيات مرتبطاً بأزمةٍ أعمق، أو بالحرب التي كانت مُستمرةً مع العراق تحديداً. أمَّا الهجمات الأخيرة على الناقلات، فإنَّها على الأرجح تشير إلى شعورٍ أعمق بالضيق في إيران، وهو الشعور الذي تُؤجِّجه بلا شك العقوبات الاقتصادية الشديدة التي كدَّستها واشنطن على إيران طوال العام الماضي. 

ثالثاً: وبما أنَّ طهران ليس لديها الكثير لتخسره، فإنَّ الوضع المالي المتدهور لها الآن على الأرجح جعل حكومتها أكثر استعداداً للإقدام على عملياتٍ محفوفة بالمخاطر.

النفط وترامب.. أوجه الاختلاف بين الماضي والحاضر

لكن فضلاً عن أوجه الشبه تلك، من المهم بالقدر ذاته أن نُدرك أوجه الاختلاف بين الماضي والحاضر. 

أولاً: يُعَدُّ التغيُّر الذي طرأ على واردات النفط من المنطقة، على مدار الأعوام الأربعين الماضية، أحد أهم العوامل اللافتة للنظر. ففي زمن الحرب الإيرانية-العراقية، كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة من بين أكبر المشترين لنفط الخليج. 

لكنَّ هذا الاعتماد شهد تغيُّراً منذ ذلك الحين، إذ تراجع اعتماد الغرب، في حين زاد اعتماد الهند وبلدان المحيط الهادي على نفط المنطقة، ويشمل ذلك شركاء رئيسيين للولايات المتحدة مثل الهند وكوريا الجنوبية، إلى جانب خصوم لأمريكا مثل الصين.

ثانياً: إلى جانب هذه الدينامية المتغيرة، فهناك نهجٌ مختلف تتبعه إدارة ترامب تجاه تهديدات الأمن القومي. فعلى عكس الرئيس ريغان الذي كان أكثر تشدُّداً بطبعه، منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولوية لمساعي تقليص الالتزامات الأمنية الأمريكية الشاملة بالخارج، وهو أكثر تحفُّظاً في ما يتعلَّق بتحمُّل العبء الثقيل للموارد العسكرية اللازمة لتأمين حركة الناقلات في الخليج بصورةٍ ملائمة.

نتيجةً لذلك، يضغط البيت الأبيض على حلفائه في الخليج، وكبار مستوردي النفط الآخرين أيضاً (مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والبلدان الأوروبية بدرجةٍ أقل)، من أجل المساهمة بصورة كبيرة في "برنامج الحارس". وجادل ترامب بأنَّ تلك الدول قد تخسر بصورة أكبر حقيقةً في حال حدوث تعطُّلٍ لحركة الناقلات، وذلك نظراً لاعتمادها الأكبر على نفط الخليج. ولذا ينبغي على تلك الدول أن تكون أكثر استعداداً للمشاركة، وتخصيص الموارد من أجل المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة لردع الهجمات الإيرانية المستقبلية.

لكن الكثير من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة ظلوا حذرين على نحوٍ لافت من دوافع الولايات المتحدة، مثل اليابان وألمانيا، رغم اعتمادهم على تدفق النفط من المنطقة. إذ كانوا مترددين بشأن تخصيص أصول وموارد كبيرة للخليج، خوفاً من تصعيد التوترات أكثر مع إيران. وتنبع حالة عدم الثقة هذه، في جزءٍ كبيرٍ منها، من انسحاب ترامب العام الماضي من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة". فضلاً عن نهج إدارته القاسي تجاه إيران في الأشهر التي تلت ذلك.

ثالثاً: إلى جانب حقيقة أنَّ عدداً من كبار مستشاري البيت الأبيض أيَّدوا صراحةً الرغبة في شن ضربة عسكرية على إيران، ما يُشعر الدول الحليفة للولايات المتحدة بالقلق من أن تؤدي زيادة حضورهم العسكري في الخليج إلى استدراجهم أكثر لمواجهةٍ محتملة بين الولايات المتحدة وإيران. لدرجة أنَّ الإمارات العربية المتحدة –التي تُعارِضُ السلوك الإقليمي لإيران عادةً- تردَّدت في توجيه أصابع الاتهام علناً إلى طهران في ما يتعلَّق بهجمات الناقلات الأخيرة، خوفاً من الآثار المُدمِّرة المحتملة لأي حربٍ قد تنشب على اقتصادها واستقرارها بشكلٍ عام، نظراً لقربها الجغرافي من إيران.

حل أوَّلي لمشكلةٍ أعمق

1- بحسب مركز Stratfor، فإن جوهر المشكلة لا يتعلَّق كثيراً بحجم "برنامج الحارس"، بل بحقيقة أنَّ مثل هذه المبادرات تهدف لمعالجة الأعراض، وليس "الأسباب الجذرية للعدوانية الإيرانية". 

2- من الواضح أنَّ طهران متحفِّزةٌ للاستمرار في الرد على ما تنظر إليها باعتبارها مساعي واشنطن لتعزيز عملية تغيير النظام في إيران وإضعافها، سواءً كان ذلك الرد في الخليج أو في مناطق أخرى داخل الشرق الأوسط.

3- لذا، تظل حقيقة الأمر هي أنَّ استمرار الولايات المتحدة في زيادة ضغط العقوبات على طهران، سيزيد المخاطرة بإمكانية تصاعد التوترات بين البلدين وتحوُّلها إلى صراعٍ مباشر، سواءٌ تمثَّل ذلك في حادثة أخرى داخل مياه الخليج، أو صدامٍ منفصل داخل مكانٍ آخر بالمنطقة، أو حتى مواجهة مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

4- ولا شكَّ أن تأثير صراعٍ من هذا النوع سيكون أكثر تدميراً على حركة الناقلات في الخليج، مقارنةً بالهجمات المحدودة التي شهدناها في الأسابيع الأخيرة. ولرفع الرهانات أكثر، زادت إيران كذلك بصورة كبيرة من قدراتها العسكرية اللازمة لشن الهجمات على الناقلات طوال العقود الأربعة الأخيرة. ما يعني أنَّ أيّ تصعيدٍ في المنطقة اليوم، سيُشكِّل تهديداً أكبر لصادرات الطاقة العالمية، مقارنةً بما كان عليه الحال في الثمانينيات.

تحميل المزيد