من تحت مدينة القدس.. هكذا هدم ترامب سلام الشرق الأوسط بالمطرقة

عندما يتعامل الرئيس ترامب وحلفاؤه مع التحديات التي تواجه الإسرائيليين والفلسطينيين، فلا يمكن وصفهم بالأذكياء، فنهجهم الصارم أغضب واستعدى الفلسطينيين، ومنح في المقابل إسرائيل -لا سيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- عدداً من الهدايا السياسية، وضمنها الاعتراف الأحادي بالسيادة الإسرائيلية على القدس.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/04 الساعة 17:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/04 الساعة 17:42 بتوقيت غرينتش

عندما يتعامل الرئيس ترامب وحلفاؤه مع التحديات التي تواجه الإسرائيليين والفلسطينيين، فلا يمكن وصفهم بالأذكياء، فنهجهم الصارم أغضب واستعدى الفلسطينيين، ومنح في المقابل إسرائيل -لا سيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- عدداً من الهدايا السياسية، وضمنها الاعتراف الأحادي بالسيادة الإسرائيلية على القدس. 

لا أحد على الإطلاق يستطيع الآن أن يصدق أنَّ الولايات المتحدة وسيط صادق أو محايد في أكثر صراعات الشرق الأوسط استعصاءً على الحل، خاصة بعد أن قرَّر مساعدو ترامب تأكيد هذه الرسالة، باستخدام مطرقة، بحسب صحيفة The Washington Post الأمريكية.

رحلة مبعوثي ترامب تحت الأرض في مدينة القدس 

ففي يوم الأحد 30 يونيو/حزيران 2019، خاض ديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وجيسون غرينبلات، مبعوث البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، رحلةً تحت الأرض إلى موقع حفر أثري بالقرب من المدينة القديمة للقدس، حيث شاركا في احتفالية افتتاحية لـ "درب الحجاج" تحت الأرض، الذي يعتقد بعض علماء الآثار ومنظمة قومية يهودية يمينية أنه يمثل طريقاً قديماً يؤدي إلى الأماكن المقدسة في المدينة.

ورفع فريدمان مطرقة، وأحدث ثقوباً في آخر جدار رقيق يعرقل الممر، وتبعه غرينبلات، وذلك عندما كان في صحبة شخصيات من بينها الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون، وسارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء، والمحافظ السابق البارز للقدس نير بركات. وبُثت لقطات هذا الحدث مباشرة على موقع فيسبوك.

خلاصة 1: وبحسب ما أشار إليه محللون، لا يتعلق ما فعله فريدمان وغرينبلات بالتاريخ فحسب. إذ إن مؤسسة "مدينة داود" (City of David Foundation) حفرت النفق الذي يمر تحت حي سلوان الفلسطيني، حيث يشكو السكان من أنَّ عمليات الحفر المستمرة لما يقرب من عشر سنوات أدت إلى شقوق في جدران بيوتهم وتسببت في هبوط أساسها.

يرى كثير من الفلسطينيين هذه المحاولة بوصفها ضربة أخرى لحقوقهم في القدس الشرقية، التي ما تزال العاصمة المفترضة لدولة فلسطينية مستقبلية. 

قال الناشط المحلي جواد صيام: "ما يريدونه واضح للغاية: أغلبية يهودية هنا وفي القدس الشرقية".

وقال فريدمان، الذي تربطه صلات وثيقة بجماعات مؤيدة للاستيطان في إسرائيل والولايات المتحدة، لصحيفة The Jerusalem Post، إنه لا يمكن أن يتخيل أبداً تخلي إسرائيل عن سيطرتها على موقع مدينة داود الأثري.

وأشاد فريدمان بالمشروع يوم الأحد، بوصفه تأكيداً لـ "دقة وحكمة وملاءمة" قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال فريدمان إنَّ الدليل على هذا الممر القديم "ينحّي جميع الشكوك" حول المطالبات اليهودية بالقدس كاملة، والتي سبق أن طعن فيها الزعماء الفلسطينيون. 

ويقول النقاد إنَّ هذا المشروع لا يكشف عن ماضٍ يهودي قديم بقدر ما يحجب القرون التي تلت، والتي اتخذ فيها عدد لا يحصى من المجموعات والشعوب الأخرى من القدس موطناً لهم. 

تغيير للتاريخ.. وتبديل للمصطلحات

إذ قال يوناثان مزراحي عالِم الآثار الإسرائيلي، في حديثه إلى صحيفة The Washington Post: "لو كنت إسرائيلياً أو يهودياً، فسوف تشعر بالحماسة الشديدة لما يُعرض هنا. لكنَّ تاريخ القدس لا ينتمي إلى الإسرائيليين فحسب".

فبدلاً من أن يذكر فريدمان وغرينبلات ذلك التاريخ المعقد والحي، أرسل السفير الأمريكي من الموقع رسالة توراتية للقاعدة المسيحية الإنجيلية، إذ قال: "الأسس الروحية لمجتمعنا، والأساس الذي تقوم عليه مبادئنا التي نحترم فيها كرامة كل حياة إنسانية، جاءت من القدس. فهذا المكان تراث للولايات المتحدة بقدر ما هو تراث لإسرائيل".

وفي غضون ذلك، تناوش غرينبلات مرة أخرى مع المسؤول الفلسطيني البارز صائب عريقات، وحضَّه على أن يقبل "حقيقة" المطالبات الإسرائيلية بجميع مدينة القدس. 

وفي خطاب ألقاه غرينبلات الأسبوع الماضي، قلل أيضاً من أهمية دور المستوطنات -التي يعتبرها أغلب المجتمع الدولي غير قانونية- بوصفها عقبات أمام السلام مع الفلسطينيين، وقال إنه يفضل أن يسميها "أحياءً ومدناً". 

إدارة ترامب كسرت كل القواعد

بالنسبة لبعض المشاهدين، فإنَّ مشهد النفق التقط بدقةٍ الطبيعة الراديكالية لسياسة ترامب في إسرائيل. إذ لم يكتفِ البيت الأبيض بالابتعاد عن المواقف الأمريكية السابقة بشأن وضع القدس عن طريق نقل السفارة إلى هناك، لكنه هوى باتجاه منهج اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعارض بقوةٍ إنشاء دولة فلسطينية. 

وكتب تشيمي شاليف، الكاتب بصحيفة Haaretz: "لخَّصت هذه الاحتفالية مغادرة ترامب الجذرية لسبعين عاماً من السياسة الخارجية الأمريكية مثلما مارسها سابقوه -وضمن ذلك رونالد ريغان وجورج دبليو بوش المؤيدان الكبيران لإسرائيل- وصولاً إلى هذا الجوهر البشع لهذه السياسة".

خلاصة 2: وأضاف شاليف: "لقد أضر فريدمان وغرينبلات، اللذان عادةً ما يوبخان الفلسطينيين ويمدحان نتنياهو بحماسة، بسمعة بلديهما أولاً وقبل كل شيء. إذ إنَّ فيديو فريدمان وهو يلوح بالمطرقة، على غرار البطل الخارق ثور، وعلى بُعد أمتار قليلة من منازل سكان سلوان الفلسطينيين، أضاف دليلاً جديداً للعالم على أن سياسة ترامب الخارجية بالشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم تتنافى تماماً مع المنطق تنافياً خطيراً ".

وعبر أنشيل فايفر، الصحفي الإسرائيلي وكاتب سيرة نتنياهو، عن أسفه لصَلَف مبعوثي ترامب وأديلسون، وهو أحد أقطاب الكازينوهات في لاس فيغاس، عبر تحطيمهم "للجدران والتعايش" في القدس.

وكتب فايفر: "إنَّ ابتساماتهم المبتهجة بينما كانا يستخدمان المطارق لا تستطيع إخفاء أجنداتهم العنصرية الحقيقية. وعلى الرغم من أنهم يستطيعون تحطيم جدار، فليس بمقدورهم إخفاء حقائق القدس. فهؤلاء الناس ليس لديهم حب للقدس الحقيقية، حيث يتعين على قرابة مليون يهودي ومسلم ومسيحي، من الإسرائيليين والفلسطينيين، أن يجدوا طريقة لمواصلة العيش معاً".

تحميل المزيد