يبدو توقيت زيارة وفد الجامعة العربية للسودان غريباً.
إذ تأتي في وقت فيه البلاد مظاهرات عارمة تطالب بإنهاء الحكم العسكري.
كما تأتي بعد يوم واحد من إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة، أن هناك اتفاقاً وشيكاً بين المجلس العسكري السوداني وبين قوى إعلان الحرية والتغيير، ولكن ما زال هناك خلاف على نقطة واحدة، هي تشكيل المجلس السيادي الذي سيحكم البلاد.
ما موقف الجامعة العربية من الوساطة الإفريقية؟
ذكرت وكالة الأنباء السودانية، أن وفد الجامعة العربية الذي وصل السودان اليوم، وتستمر زيارته لمدة ثلاثة أيام يترأسه خليل الذوادي، الأمين العام المساعد بالجامعة للشؤون العربية، وصل الخرطوم في زيارة تستمر 3 أيام.
وأضافت الوكالة أن الزيارة تأتي في إطار جهود الجامعة العربية لدفع مساعي التوافق الوطني في السودان.
وأشارت إلى أن الوفد سيعقد لقاءات مع المسؤولين السودانيين والقوى السياسية.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قد زار السودان في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، حيث التقى برئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان، وعدد من القيادات السودانية.
واللافت أنه نادراً ما يظهر في تصريحات وبيانات الجامعة العربية عن السودان حديث عن الوساطة الإثيوبية أو الإفريقية، رغم أن الجامعة العربية تفاخر عادة بوساطتها المشتركة مع الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي في الأزمة الليبية.
الزيارة تأتي بعد التقدم الذي حققته الوساطة الإفريقية
وكانت الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة تقدمت للطرفين بمقترح لتشكيل المجلس السيادي من 15 عضواً، سبعة لكل طرف، بينما يتم الاتفاق بينهما على العضو الخامس عشر ليكون رئيساً للمجلس، فيما أرجأ المقترح حسم مسألة المجلس التشريعي لمدة ثلاثة أشهر، إلى حين تشكيل الحكومة التكنوقراطية ومجلس السيادة.
وأعلنت الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة، أمس الثلاثاء، وجود نقطة خلاف واحدة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، تتمثل في نسب التمثيل بالمجلس السيادي، ودعت الطرفين إلى لقاء مباشر لتجاوز الخلاف وإيجاد حل للأزمة.
وبحسب ما قاله وسيط الاتحاد الإفريقي محمد الحسن لبات، في مؤتمر صحفي أمس، إن معظم مقترحات الطرفين أُدمجت في وثيقة جديدة، ما عدا الخلاف على تكوين "المجلس السيادي"، الذي بات هو نقطة الخلاف الوحيدة. وأضاف لبات: "طلبنا من الطرفين الاجتماع للتفاوض حولها".
وأوضح لبات أن ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين "كثير جداً، ومن المؤسف ألا يتفق الطرفان على موقف وسط"، مؤكداً أن الاتفاق بين "الحرية والتغيير" و "العسكري"، "أصبح قاب قوسين أو أدنى".
وبحسب لبات، فإن الطرفين تجاوزا معضلة تكوين حكومة برئيس وزراء مدني، تختاره قوى إعلان الحرية والتغيير، يقوم بتكليف الوزارة، واختيار الوزراء. وتابع: "الاتفاق سيخلق واقعاً جديداً، ويبعث الآمال من جديد". وحثّ لبات الطرفين، وكذا أجهزة الإعلام، على الكفِّ عن أي شيء قد يعكر "صفو الأجواء".
وأفادت تقارير بأن الوساطة الإفريقية الإثيوبية بالسودان تسلمت ردود كل من المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، للجلوس على طاولة مفاوضات مباشرة اليوم الأربعاء، لحسم الخلاف حول مجلس السيادة، واصفة الردود بالإيجابية.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير قرارها بالمشاركة في جلسة التفاوض المباشرة مع المجلس العسكري الانتقالي، اليوم الأربعاء، بحسب ما أفاد موقع قناة "العربية".
وسبق أن وافقت المعارضة على الوساطة الإثيوبية، ورَفَضها المجلس العسكري رغم أنه التقى بالرئيس الإثيوبي آبي أحمد.
هل تطرح الجامعة العربية وساطة منافسة للوساطة الإفريقية؟
رغم أن تصريحات الأمين العام للجامعة العربية لم تتحدث عن وساطة للجامعة العربية خلال زيارته السابقة، إلا من تحدث عن وجود وساطة للجامعة العربية هو المجلس العسكري السوداني نفسه.
إذ أشار العسكري السوداني لوجود مبادرة للجامعة العربية بطريقة وتوقيت بدا أن هدفه منها إجهاض المبادرة الإثيوبية، التي كانت تلبي المطلب الرئيسي للحراك، وهو مجلس سيادي انتقالي بأغلبية مدنية.
والدول العربية الثلاث الداعمة للمجلس العسكري السوداني مصر والسعودية والإمارات هي صاحبة النفوذ الأكبر في الجامعة العربية التي يوجد مقرها في القاهرة، وأمينها العام هو وزير خارجية مصري أسبق، كما أن دول الخليج هي الممول الأكبر للجامعة العربية، وازداد وزنها النسبي في الجامعة العربية نتيجة تراجع دور العراق وتجميد أنشطة سوريا في الجامعة، والانقسام الليبي، وأخيراً الانشغال الجزائري بالأزمة الداخلية.
ولذلك يتوقع أن ينظر قادة الحراك لأي وساطة من الجامعة العربية بأنها تعبير عن إرادة الدول العربية الداعمة للعسكري السوداني، وأنها أداة للتشويش على المبادرة الإفريقية التي قبلوها.
واستمرار الحراك في الشارع يصدم الجيش
وتأتي زيارة وفد الجامعة في وقت تبدو فيه قوى الحرية والتغيير تراهن أكثر من أي وقت مضى على الشارع.
إذ لم تحمِ الوساطات والمفاوضات من القمع مثلما حدث في مذبحة فض الاعتصام التي وقعت في أوائل شهر يونيو/حزيران.
فقد عادت الاحتجاجات الجماهيرية إلى شوارع السودان، اليوم الأربعاء 3 يوليو/تموز، بعد انقضاء أقل من شهر على حملة عسكرية وحشية راح ضحيّتها أكثر من 100 قتيل، وعدد أكبر من الجرحى.
فقد خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مدن عديدة في أنحاء السودان، وفقاً لمشاركين في الاحتجاجات.
يقول فيرغال كيني، الصحفي المُتخصص بالشأن الإفريقي لدى BBC: "بصفتي صحفياً أجنبياً في الخرطوم، كنت على معرفة بشبكة واسعة من المحتجين الذين عقدوا العزم على إبقاء الثورة حيّة. ومع ذلك، انتابتني المفاجأة حين بدأت مظاهرات صغيرة في ضواحي المدن والبلدات بعد مُضيّ أسبوعين على وقائع القتل".
وينظر المحتجون السودانيون بريبة شديدة لدور الدول العربية الثلاث مصر والسعودية والإمارات، في أزمة بلادهم، باعتبار أنها القوى التي تشجع العسكري السوداني على التملص من عملية تسليم السلطة.
وتثير زيارة وفد الجامعة العربية تساؤلاً حول مدى قدرة الجامعة على الابتعاد كثيراً عن جدول أعمال الدول الثلاث المشار إليها، خاصة أن أغلب الدول العربية الكبيرة الأخرى غير معنية كثيراً بالأزمة السودانية ولدى أغلبها مشكلاتها الخاصة.
ولذلك، في مقابل رهان العسكري السوداني على الدعم العربي وإمكانية لجوئه للجامعة العربية لمساومة الاتحاد الإفريقي مع عدم الحزم الذي أبداه الأخير، فإن الشارع يبدو أنه الرهان الأساسي لقوى الحراك والتغيير.