ما حقيقة تراجع الهجرة غير الشرعية من الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، ولماذا تراجعت الهجرة رغم عزل رئيس البلاد؟ وما صاحب ذلك من مظاهرات واحتجاجات وغيرها من مظاهر التوتر السياسي؟
وذهبت تحليلات متعددة إلى أن الاحتجاجات المندلعة بالبلاد ساهمت، وإن كان نسبياً، في خفض منسوب تدفق المهاجرين نحو أوروبا، وهي الظاهرة التي تعرف بالحرقة في اللهجة الجزائرية، وهي التي تعني الشباب الذي يحرق الحدود في طريقه للهجرة.
وتشهد الجزائر أحداثاً متسارعة منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، حيث يطالب المحتجون برحيل الرئيس المؤقت بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، وما تبقى من رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
فما حقيقة تراجع الهجرة غير الشرعية من الجزائر منذ انطلاق الحراك الشعبي؟
يصعب معرفة حقيقة تراجع الهجرة غير الشرعية من الجزائر في ظل غياب إحصاءات رسمية.
ولكن خلال السنوات الماضية، دأبت وسائل الإعلام المحلية على نقل أخبار وصول أفواج من المهاجرين غير النظاميين إلى شواطئ كل من إسبانيا وإيطاليا على الخصوص، أو بيانات لخفر السواحل حول حجز قوارب لهم قبل انطلاق رحلاتهم.
لكن خلال الأشهر الماضية، أي بالتزامن مع الحراك، يكاد يكون نادراً قراءة بيانات رسمية من وزارة الدفاع حول توقيف مهاجرين عبر السواحل.
صحيفة "المحور" المحلية (خاصة)، نشرت نهاية مارس/آذار الماضي، تقريراً جاء فيه: "منذ الجمعة الأولى للحراك (منذ 22 فبراير/شباط الماضي)، لم تسجل شواطئ البلاد الشرقية والغربية والوسطى، سوى 5 محاولات ضبط على إثرها 110 أشخاص".
لكن، في 4 يونيو/حزيران الجاري، أوقف حرس السواحل الجزائري في كل من الغزوات (بمحافظة تلمسان غرب البلاد) وعنابة والقالة (شرقي البلاد) محاولات هجرة غير نظامية لـ74 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع.
وإسبانيا تعلن تراجع الهجرة بالفعل
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت إسبانيا، التي تعد أهم وجهات المهاجرين الجزائريين، أن الهجرة غير النظامية عن طريق البحر تراجعت في فبراير/شباط 2019.
وقال وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي- مارلاسكا، إن "التوجه الصاعد للهجرة غير النظامية، في الشهور الأخيرة، قد تراجع"، كما نقلت عنه وسائل إعلام إسبانية.
وذكر المتحدث، في حينه، أن "حكومة بلاده سجلت وصول 930 شخصاً (في فبراير/شباط 2019) مقارنة بأكثر من 4000 في يناير/كانون الثاني من العام نفسه.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلنت السلطات الإسبانية أن 3599 جزائرياً وصلوا إلى إسبانيا عبر البحر أو المنافذ البرية (سبتة ومليلية)، بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2018.
ما العلاقة بين الحراك السياسي وتراجع الهجرة؟ كلمة السر في الأمل
الحراك الشعبي ساهم بشكل كبير، منذ انطلاقته في 22 فبراير/شباط الماضي، في تقليص عدد المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، حسبما يرى المختص في علم الاجتماع، الدكتور يوسف حنطابلي.
وقال حنطابلي إن "تراجع الحرقة مرتبط بالحالة النفسية للجزائريين عموماً والشباب خصوصاً، وحالة ترقبهم لما آلت وستؤول إليه الأوضاع في البلاد".
وأضاف أن "الشباب الجزائري انتابه إحساس، في ظل الحراك الشعبي، بنوع من التغيير الإيجابي، ما أدى – وإن نسبياً، إلى تراجع الهجرة السرّية في الأشهر الثلاثة الأخيرة".
وتابع أن "شعور الشباب بالأمل وبأفق جديد وتصور جديد لجزائر جديدة وأوضاع جيدة، يسهم في عدم دفعهم نحو الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير قانونية".
واعتبر حنطابلي أن "ذورة هذا الإحساس أو شعور الشباب بالرغبة في البقاء في وطنهم متصل بما سيكون عليه الوضع بالأيام أو الأشهر المقبلة بالبلاد".
ولكنه استدرك قائلاً: "غير أن تباطؤ الحل السياسي للأزمة الراهنة من شأنه دفع الشباب إلى الحرقة مجدداً".
تجدر الإشارة إلى أن الربيع العربي أطلق آمالاً في بدايته بتراجع الهجرة من الدول العربية، ولكن مع تعسّر ثوراته شهدت المنطقة هجرةً واسعة وغير مسبوقة خاصة من البلدان الأكثر اضطراباً مثل سوريا.
ولكن هناك مَن يرى أن أسباب الهجرة ما زالت قائمة
"رغم أن الحراك مكّن من تحقيق جملة من المطالب، مثل رحيل بعض رموز النظام السابق، ومحاكمة مسؤولين كبار ورجال أعمال متهمين بالفساد، إلا أنّ الحرقة (الهجرة) مستمرة"، حسبما قالت المختصة الاجتماعية فضيلة درويش.
وأوضحت درويش أن "الحرقة ظاهرة اجتماعية، ولا يمكن أن تتوقف بين عشية وضحاها"، مشيرة إلى أن "الظروف الاجتماعية لهذه الظاهرة موجودة في المجتمع رغم جنيه بعض ثمار الحراك".
واستطردت قائلة: "بعض الدراسات المحلية أبرزت أن ظروف الحرقة موجودة ولم يلغها الحراك الشعبي، مثل البطالة وغياب معالم حقيقية يسير على إثرها الشباب".
ولفتت إلى أن "الحراك لم يقضِ على البطالة وأزمة السكن وغلاء المعيشة، بل حرّكه أسباب وجودها".
وأكدت درويش أن "الشباب مقتنع بأن التغيير الجذري يستحيل أن يحدث وألغى بذلك تفكير بقائه في البلاد"، معتبرة أن "الهجرة السرّية ليست مشكلة مرتبطة بوقت معين، بل ظاهرة اجتماعية مستمرة وتطال الشباب بشكل خاص".
ودعت الخبيرة السلطات الجزائرية إلى "القيام بدراسات علمية عن الهجرة السرّية بناء على ما تنشره الصحف اليومية من أخبار عن المهاجرين غير الشرعيين، لتقديم إحصاءات رسمية دورية عن الظاهرة".
أرقام الهجرة غائبة باستثناء الموتى
رغم مصادقة البرلمان الجزائري في 2009 على قانون يجرّم الهجرة غير النظامية، ويعاقب أصحابها بالسجن لفترة تزيد على ستة أشهر وتجريم عناصر شبكات الهجرة غير النظامية بالسجن لمدة خمس سنوات، فإن الجزائريين مازالوا يستيقظون في السنوات الأخيرة على أخبار توقيف أو غرق أو وصول مهاجرين إلى السواحل الأوروبية.
وفي ظل غياب إحصاءات رسمية جزائرية حديثة حول عدد المهاجرين، كشف آخر تقرير للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن 2160 مهاجراً غير نظامي غرقوا أو أصبحوا في عداد المفقودين منذ مطلع 2018.
وذكرت الرابطة في تقرير لها أنه تم إحباط محاولة هجرة أكثر من 8217 شخصاً بين عامي 2015 و2018.
وأفادت بأنه تم توقيف 14 ألف جزائري على حدود أوروبا في 2017، و12 ألفاً و700 خلال 10 أشهر من 2018.