السياسة اقتحمت ملاعب كرة القدم المصرية خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019 (كان)، رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي تحيط بالبطولة.
فمنذ حفل الافتتاح، كانت السياسة المحاصرة في الشارع حاضرة في الملاعب بوجهها الساخر والمعارض الذي اخترق الإجراءات الأمنية غير المسبوقة.
وتفرض السلطات المصرية إجراءات مشددة خلال المباريات، منها: نظام حجز إلكتروني لتذاكر المباريات، وحشود أمنية وطائرات مسيرة لتأمين البطولة، المقامة بين 21 يونيو/حزيران الجاري و19 يوليو/تموز المقبل.
وتمنع قواعد لعبة الكرة القدم توظيف السياسة في الملاعب، وتفرض عقوبات بحق اللاعبين واتحادات اللعبة، حال حدوث مخالفات.
وتقام معظم مباريات "كان" في ملاعب تابعة للجيش المصري، وهي تعد منشآت عسكرية، ما يعني أن أي مخالفة للقواعد قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وأحكام عسكرية، بعيداً عن الإطار الرياضي.
صوت السيسي الغريب.. مؤامرة إخوانية
وظهرت السياسة منذ اليوم الأول بعد حفل الافتتاح الذي وصف بالمبهر، ولكن تعليقات متعددة تناولت صوت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي بدا غريباً في كلمة الافتتاح.
ودشن منتقدون للسيسي على "تويتر" هاشتاغ بعنوان #صوت_السيسي، تضمن تعليقات لاذعة تسخر من أدائه خلال كلمته القصيرة.
لم يتوقف الأمر عند المعارضين، إذ ذهب مؤيدون للسيسي بعيداً باستدعاء أزمة حصار كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين لقطر، منذ 5 يونيو/حزيران 2017، الذي تعتبره الدوحة "حصاراً ينتهك القوانين الدولية".
واتهم هؤلاء المؤيدون كلاً من قنوات "بي إن سبورت" القطرية، التي تبث البطولة، وجماعة الإخوان المسلمين، بالوقوف وراء إفساد صوت السيسي.
وتتهم القاهرة "الدوحة" بدعم جماعة الإخوان، المنتمي إليها الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، والذي تولى الرئاسة في 2012 وأُطيح به في العام التالي.
ولكن في النهاية، كشف الإعلامي المؤيد للنظام، عمرو أديب، أن تغير صوت السيسي يعود إلى مشكلة في الإذاعة الداخلية لاستاد القاهرة.
أمير القلوب يدخل الملاعب رغم الإجراءات الأمنية
وكان اللاعب المصري المعتزل محمد أبوتريكة حاضراً بقوة في ملاعب البطولة، رغم أنه لا يستطيع العودة لبلاده.
فقد تكرر الهتاف للاعب المصري الشهير، المتهم في بلده بدعم الإرهاب، في الدقيقة 22 خلال أربع مباريات منذ بدء البطولة، حيث هتفت جماهير داخل الملاعب لنجم الكرة السابق، الذي كان يلعب للنادي الأهلي ولمنتخب مصر بقميص يحمل رقم 22، ويعمل الآن محللاً كروياً في "بي إن سبورت".
وهتفت جماهير في المدرجات لـ "أمير القلوب"، اللقب الشهير لأبوتريكة، في الدقيقة 22 من مباريات المغرب وناميبيا، والسنغال وتنزانيا، وتونس وأنغولا.
وبدأ ذلك الهتاف في مباراة الافتتاح بين مصر وزيمبابوي، بحضور السيسي، وتداول مستخدمون لموقعي "فيسبوك" و "تويتر" مقاطع فيديو تظهر هتاف جماهير لأبوتريكة في تلك المباريات.
وتمثل الهتافات استجابة لهاشتاغ انتشر تحت عنوان #اهتف_لتريكة في الدقيقة 22، كنوع من المؤازرة والدعم النفسي له، بعدما شنت وسائل إعلام مصرية هجوماً حاداً عليه؛ رداً على تغريدة له قدم فيها التعازي في وفاة محمد مرسي، يوم 17 يونيو/حزيران الجاري، خلال إحدى جلسات محاكمته؛ بتهمة "التخابر مع حماس".
وحالياً، يقيم أبوتريكة في قطر، ويصعب عليه العودة إلى مصر، في ظل ملاحقات قضائية له؛ بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي وتمويله، ما أدى إلى الحجز على أمواله، وبات مهدداً بالسجن في حال عودته، وهو الأمر الذي منعه من حضور عزاء والده.
وحتى جماهير المغرب وتونس هتفت له
كما حرصت حشود من الجماهير المغربية في "استاد السلام" على الهتاف للاعب المصري السابق محمد أبوتريكة خلال لقاء منتخبي المغرب وناميبيا ضمن منافسات كأس الأمم الإفريقية.
كما أن جماهير المنتخب التونسي هتفت بصوت واحد "أبو تريكة.. أبو تريكة"، عند حلول الدقيقة 22 في مباراة منتخبها أمام أنغولا والتي انتهت بالتعادل بهدف لمثله في ستاد السويس الجديد.
وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد استبقوا البطولة بالدعوة للهتاف لأبوتريكة في مواجهة الحملات التي يتعرض لها.
وبحسب تصريحات منقولة عن أبو تريكة فقد جاء اختياره لرقم 22 بعد أن رآه مكتوباً على أحد أبواب المسجد النبوي خلال تأديته لمراسم العمرة في عام 2004.
ومحمد صلاح يدفع الثمن
ومن المرجح أن الهتاف لأبوتريكة قد يكون أغضب الرئيس المصري السيسي بصفة خاصة، لأنه يبدو أنه يتخذ موقفاً حاداً من هذا اللاعب تحديداً لدرجة أنه وبخ اللاعب المصري الشهير محمد صلاح بسببه علاقته بأبو تريكة.
فقد ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن الرئيس السيسي أبدى غضبه من صلاح بسبب سؤاله عن أبوتريكة أثناء فوز نادي ليفربول الإنجليزي ببطولة دوري أبطال أوروبا.
وحسب الصحيفة اللبنانية، فإن السيسي وبّخ صلاح، خلال حديثه معه، أثناء زيارته لمعسكر المنتخب المصري قبل أيام من انطلاق كأس الأمم الإفريقية، بسبب حرص اللاعب الدولي على السؤال عن أبوتريكة لحظة تسلمه كأس البطولة.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيسي أبدى استياءه من دون أن يذكر اسم أبوتريكة، وطلب من صلاح "مراعاة ذلك" وأن يكون "قدوة لغيره".
كان صلاح قد تبرّع في وقت سابق لـ"صندوق تحيا مصر" الذي أسّسه السيسي، كما استُغلّ في الأحداث السياسية أكثر من مرة على نحو غير مباشر.
وعادة ما يواجه لاعبو الكرة، خاصة المحترفين في الخارج، مشكلات مرتبطة بالتجنيد الإجباري وما يتصل بحصولهم على استثناءات وتسويات للسفر، خاصة أنه قانوناً لا يمكن السفر للشبان من دون موافقة "إدارة التجنيد"، ولا سيما الذكور الذين لهم أشقاء، ومن ذلك حالة صلاح.
لافتة جزائرية تدعو للتنحي، ولكن المشجع هو الذي تم ترحيله
ولم تقتصر المناوشات السياسية في ملاعب البطولة على مصر فقط بل امتدت إلى الجزائر أيضاً.
إذ رحلت السلطة المصرية مشجعاً جزائرياً إلى بلده بسبب رفعه لافتة تحمل عبارة "يتنحاو قاع"، أي "فليرحلوا أو يتنحوا جميعاً"، خلال مباراة الجزائر وكينيا، الأحد الماضي، حسب تقارير إعلامية مصرية وجزائرية.
وبرزت عبارة "يتنحاو قاع" في 11 مارس/آذار الماضي؛ عقب إعلان الرئيس الجزائري آنذاك، عبدالعزيز بوتفليقة، سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية أجبرته على الاستقالة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي.
لماذا هذه الحساسية من حضور السياسة في الملاعب المصرية؟
ومنذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ، التي لعبت روابط مشجعي الأندية (الألتراس) دوراً كبيراً بها، والسياسة حاضرة في الملاعب المصرية بشكل قوي.
وأصبحت العلاقة بين الألتراس والقوى الأمنية المصرية شديدة التوتر بعد ثورة يناير، ثم تحولت إلى أزمة كبيرة عقب مقتل أكثر من سبعين من مشجعي النادي الأهلي، خلال مباراة مع فريق المصري في مدينة بورسعيد الواقعة شمال شرق مصر عند المدخل الشمالي لقناة السويس.
وبسبب هذه المذبحة مُنعت الجماهير من حضور المباريات، إلا في مرات معدودة.
وتكررت الهتافات المحرجة للنظام في مصر في العديد من المباريات.
إذ سبق أن فاجئت جماهير نادي الأهلي المصري الجميع بهتافات معادية للنظام السياسي في البلاد ومطالِبة بالحرية، خلال المباراة التي جمعت فريقهم بضيفه مونانا الغابوني، الثلاثاء 6 مارس/آذار 2018، ضمن ذهاب دور الـ32 من دوري أبطال إفريقيا.
كما هتفت جماهير الأهلي ضد تدخل تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة السابق بالسعودية والرئيس الحالي لمجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في الشئون الرياضية المصرية.
ومع استضافة "كان"، التي لا يمكن إقامتها من دون جماهير، عادت الحشود المتعطشة إلى المباريات، ولكن وسط تشديدات أمنية استثنائية، إذ ينتشر 100 ألف شرطي، لتأمين البطولة القارية، إضافة إلى 500 مجموعة قتالية و100 وحدة تدخل سريع، و400 تشكيل أمن مركزي احتياطي، ووحدات نظامية سرية وثابتة، إضافة إلى دوريات لتأمين المنتخبات في مقار إقامتها، بحسب تقارير صحفية محلية.
يضاف إلى ذلك نظام إلكتروني لحجز الجماهير للتذاكر يُطبق لأول مرة، ويشمل بطاقة هوية يتم الكشف عليها أمنياً، إضافة إلى نظام ثانٍ للمراقبة، بجانب زيادة عدد كاميرات المراقبة، وبوابات إلكترونية لتنظيم دخول الجماهير.
ويشارك في البطولة 552 لاعباً، يمثلون 24 منتخباً، وتجرى المنافسة عبر ست مجموعات في خمس محافظات، هي القاهرة والإسكندرية (شمال)، والإسماعيلية وبورسعيد والسويس (شمال شرق).