لن يحضر ممثلو السلطة الفلسطينية مؤتمراً استثمارياً يعتبر الفصل الأول مما يعرف بـ "صفقة القرن" في المنطقة، كما أنه من غير المرجح أن يحضر المؤتمر مسؤولون إسرائيليون، ما يثير الشك في أن المؤتمر يمكنه جمع أموالٍ كافية أو تحصيل دعمٍ سياسي لجهود الرئيس دونالد ترامب لعقد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
من هي الشخصيات التي ستحضر المؤتمر؟
مؤتمر الاستثمار والتطوير الذي سيفتتح اليوم الثلاثاء في العاصمة البحرينية، المنامة، ستحضره شخصياتٌ ذات نفوذ من قطاع الأعمال والأموال الدولي، ويتمتع العديد منهم بعلاقاتٍ مع مساعد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، الذي نظم المؤتمر.
لكن المؤتمر سيفتقد رجال الأعمال المهمين في المنطقة، وهم المقصودون أساساً برسالة كوشنر القائلة بأن التمكين الاقتصادي يمكن أن يفيد الفلسطينيين أكثر مما يراه كوشنر "قيادةً سياسيةً محتضرة متمسكة بأفكارٍ عفا عليها الزمن ومطالبَ غير واقعية".
وتقول صحيفة Washington Post الأمريكية، إن مؤتمر "السلام من أجل الازدهار" كما سماه كوشنر، الذي سيستمر يومين، مصممٌ بحيث لا يتطرق إلى البنود الأصعب لاتفاق سلامٍ بين إسرائيل والفلسطينيين، مثل مسألة الدولة والحدود، والمطالبات بالأرض وعودة اللاجئين ومستقبل القدس.
ماذا سيناقش المؤتمر؟
سيناقش المؤتمر "مجموعةً متفائلة من العروض الاقتصادية" التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي، إذ يأمل المؤتمر أن يجمع 50 مليار دولار في قطاعات الاستثمار والبنى التحتية والسياحة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي البلدان المجاورة: مصر والأردن ولبنان.
الفكرة الأكثر طموحاً غالباً هي فكرة إنشاء ممر نقلٍ عبر إسرائيل يربط المناطق الفلسطينية، وهو أمرٌ من غير المرجح أبداً أن يقبله الائتلاف السياسي اليميني الإسرائيلي الحاكم.
وقال كوشنر، في تصريحٍ أعلنه البيت الأبيض: "منذ زمن طويل والشعب الفلسطيني عالقٌ في الأطر غير الفعالة من الماضي. خطةُ السلام من أجل الازدهار هي إطارٌ لمستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً للشعب الفلسطيني والمنطقة، وهو رؤيةٌ لما يمكن تحقيقه إن تحقق السلام".
لكن عدم المشاركة الفلسطينية والإسرائيلية في المؤتمر توضح الصعوبة التي يواجهها كوشنر والإدارة الأمريكية الحالية في التأسيس لأي زخمٍ لجهودهما في تحقيق السلام المزعوم، وهي جهودٌ تواجه تشكيكاً عميقاً في المنطقة وفي الولايات المتحدة نفسها.
لماذا لا يريد الفلسطينيون الحضور؟
يقول منيب المصري، البالغ من العمر 85 عاماً، وهو ملياردير يعمل في مجال الصناعة ومعروفٌ بكونه أغنى رجل أعمال فلسطيني، إنه رفض الدعوة على الفور. وأضاف أن "مشكلتنا سياسية وليست اقتصادية. لدينا الكرامة ولدينا القيادة، وهم لا يريدون الذهاب إلى المؤتمر؛ لأنهم يعتقدون أن أمريكا ليست وسيطاً نزيهاً".
قال كذلك إنه بدون حضور ممثلين عن الحكومة الفلسطينية فإن المبادرة محكومٌ عليها بالفشل: "إن هذا يشبه الذهاب إلى العُرس بدون العروس والعريس".
مسودةُ ترامب لتسوية الصراع المستمر منذ عقود ستبقى سرية غالباً حتى الخريف القادم على الأقل. وغالباً ستتضمن التسوية "حكماً ذاتياً أكبر للفلسطينيين المقيمين في الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل"، لكن كوشنر لم يعلن التزامه بالهدف الذي طالما تبنته الولايات المتحدة، وهو دولةٌ فلسطينية مستقلة وذات سيادة تامة.
في ذات الأثناء، يأمل المفاوضون الأمريكيون أن يعطوا الفلسطينيين فكرةً عما يمكن أن يحققه "تدفقُ رأس المال العالمي" والشراكةُ الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مجال الأعمال، بحسب زعمهم.
تقترح العروض أكثر من 175 مشروعاً تتطلب كلها تقريباً موافقة القيادة الفلسطينية التي ترفض الالتقاء مع فريق كوشنر، كما أن إسرائيل عرقلت أو أوقفت مشاريع اقتصادية فلسطينية أصغر من المشاريع المقترحة بحجة أنها تعرِّض أمن إسرائيل للخطر.
السلطة الفلسطينية: مؤتمر كوشنر مصيره الفشل
رفض القادة الفلسطينيون المقترح الأمريكي، وقالت حنان عشراوي، العضوة في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، إن "المشكلة ليست أن الفلسطينيين سيحتاجون الاستثمار أو الدعم، المشكلة هي أننا غير مسؤولين عن أرضنا، عن ثرواتنا، عن حدودنا، عن مجالنا الجوي، عن مياهنا الإقليمية، عن حريتنا في التحرك أو عن أي شيء آخر".
السلطة الفلسطينية التي تحكم حكماً ذاتياً محدوداً في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل قاطعت مؤتمر البحرين، أما حماس، الفصيل الفلسطيني المسلح الذي يحكم قطاع غزة، فلم تُوجه إليه الدعوة، وترفض المقترح الأمريكي جملة وتفصيلاً.
وقال محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في اجتماعٍ مع الصحافة الدولية يوم الأحد الماضي، إنه يشك في أن المبادرة الأمريكية في البحرين ستتمخض عن أي نتائج ملموسة، وقال إن الخطط لم تقدم أفكاراً جديدة.
وقال إن "أمريكا تعيد اختراع العجلة. لِمَ سأحتاج أمريكا لطلب الأموال من الدول العربية؟ يمكنني الذهاب بنفسي وطلب التمويل من الدول العربية".
وحين سُئل ما إذا كان قرأ العرض، كان عباس غامضاً ولكنه كان عنيداً في مسألة أنه لا جديد في خطة كوشنر.
الأمريكون لا يبالون بحضور أو عدم حضور الفلسطينيين
قال سفير ترامب لإسرائيل، ديفيد فريدمان، لشبكة الجزيرة، السبت الماضي، إن الاجتماع يمكن أن ينجح بدون السلطة الفلسطينية. وقال إنه "سيكون ثمة حضورٌ لافتٌ لممثلي قطاع الأعمال الفلسطيني، وسنعمل معهم بأفضل شكل ممكن. لا أعرف أن السلطة الفلسطينية لها الكلمة الأخيرة في كيفية منح حياةٍ أفضل للفلسطينيين، يجب أن يكون للفلسطينيين أنفسهم رأي في هذا".
رفض عباس أي اتصال مع ترامب ومبعوثيه بسبب قرار ترامب الاعترافَ بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وقد قاد هذا إلى سلسلةٍ من التحركات الأمريكية للضغط على عباس، بما في ذلك إغلاق المكتب الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن، وإغلاق المكتب الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية والمتخصص في شؤون الفلسطينيين في القدس، كما أن إدارة ترامب قطعت التمويل عن الفلسطينيين وحاولت تعطيل عمل وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين والتي تموِّل المدارس والمستشفيات والبنى التحتية الأخرى.
مؤتمر كوشنر سيعقد وبشكل متعمد في نفس الفترة التي تجتمع فيها تلك الوكالة، وكالة الأمم المتحدة للإغاثة والعمل. وقالت إدارة ترامب إنها تريد إعادة تأطير النقاشات حول مستقبل الفلسطينيين بعيداً عن الوكالة التي يعتبرها كوشنر قائمةً على التبرعات.
ووعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمراجعة الخطة الأمريكية كاملة حين يتم تقديمها، وذلك غالباً بعد الجولة الثانية من الانتخابات الإسرائيلية هذا العام. وقد تم تأجيل الخطة مراراً، مؤخراً بسبب تردد الولايات المتحدة في الإعلان عنها بينما يخوض نتنياهو حملة إعادة انتخابه. وقال نتنياهو يوم الأحد الماضي إن "إسرائيل ستبقى منفتحة على كل الأفكار".
وقال نتنياهو: "سنسمع العرض الأمريكي بطريقةٍ عادلةٍ ومنفحة. لا أفهم كيف أن الفلسطينيين رفضوا الخطة حتى قبل سماعها". وكان نتنياهو يتحدث أثناء تجوله في وادي الأردن- وهو جزء من الضفة الغربية المحتلة المجاورة للأردن- مع مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون.
إسرائيل متحمسة لعلاقات سياسية واقتصادية مع دول الخليج
نتنياهو مناصرٌ علني لعلاقاتٍ دبلوماسية واقتصادية أقوى بين إسرائيل ودول الخليج العربي، وهي فكرةٌ تدعم خطةَ كوشنر.
وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إنه يشجع مناقشاتٍ علنية حول كيف يمكن للتبادل الاقتصادي والتعاون بين الإسرائيليين والعرب أن يفيد الطرفين، وكيف أن الزعماء الفلسطينيين يقفون عائقاً أمام ذلك، حسب رأيه.
وقال دانون حول المسؤولين العرب: "أخبروا شعوبكم حقيقةَ أن الزعماء الفلسطينيين غير مستعدين للتعاون. أخبروهم أننا مستعدون لعمل الكثير من أجل الفلسطينيين ومن أجل التعاون ضد إيران لصالح الأمن العالمي. أعتقد أن الزعماء يجب أن يكونوا أقوى ويخبروا شعوبهم ما يعتقدونه حقاً".
مشاركة الحكومة الإسرائيلية كانت غير واضحة حتى الأسبوع الماضي، حيث لم يؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتز، ووزير المالية، موشيه كالون، علناً مشاركة إسرائيل في المؤتمر.
وقال نتنياهو، الثلاثاء الماضي، إن "إسرائيل ستشارك بالتأكيد" في المؤتمر، رغم أنه لم يتضح ما إذا كان يقصد ممثلي قطاع الأعمال الذين يتوقع أن يحضروا المؤتمر.
وقال إيتامار إيخنر، رئيس اتحاد المراسلين الدبلوماسيين الإسرائيليين، إن التشوش كان "هائلاً" قبل المؤتمر. كان الاتحاد يضغط على وزير المالية لاصطحاب وفدٍ صحفي معه، قبل أن يدرك الاتحاد أن المسؤولين كانوا "محرجين للغاية لدرجة أنهم لم يكونوا يعرفون ما إذا كانوا سيذهبون أم لا".
كوشنر يستجدي رجال الأعمال ليحضروا مؤتمره
كانت نسبة قبول منظِّمي المؤتمر أقل بكثير مما أمله رجال الأعمال الإسرائيليون والفلسطينيون والعرب، حسب ما أظهرت المقابلات مع أولئك الذين وجهت لهم الدعوة.
وقال أحد رجال الأعمال الفلسطينيين البارزين، وقد رفض الدعوة، إن "المؤتمر مُهين". وأضاف أن "محاولتهم لعقد مؤتمر حول الاستثمار في فلسطين هي محاولةٌ أمريكية وإسرائيلية أخرى للتلويح بالجزرة أمام الشعب الفلسطيني بوعده بالاستثمارات، وهي بالأساس مرادفٌ للرشوة". وقد تلقى رجل الأعمال هذا دعوةً ثانية بعد أن تجاهل الأولى.
وكتب منظمو المؤتمر: "هذه الرسالة هي متابعةٌ لدعوة وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، لحضور ورشة عمل السلام من أجل الازدهار. نتطلع قدماً لرؤيتك في المنامة".
الجدول المبدئي الذي تم إرساله إلى المشاركين المحتملين يظهر مديرين تنفيذيين من كبرى شركات الطاقة والبناء الأمريكية، بالإضافة إلى رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، والرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون العملاقة في مجال الاستثمار، ستفين شفارتزمان، بين قائمة الذين سيتحدثون في المؤتمر.
كما سيدير توماس باراك جونيور، الذي يدعم ترامب، نقاشاً حول "تعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال". وقد رفض المستثمر البليونير الذي ترأس لجنة أداء ترامب للقَسَم الرئاسي الرد على طلبٍ بالتعليق على أهدافه من النقاش أو آرائه حول السلام في الشرق الأوسط.
اختار كوشنر تسمية المؤتمر بـ "الورشة" بدلاً من مؤتمرٍ للتبرعات، لكن الهدف الرئيسي هو توفير الدعم المالي الدولي وجذب الاستثمارات لمشاريع في الضفة الغربية وقطاع غزة كما هو مزعوم.
من سيدفع ومن لن يدفع؟
ترعى السعودية والإمارات العربية المتحدة المؤتمر، لكنهما لم تحددا بعد ما يمكن أن تدفعاه لدعم خطط كوشنر التي تشمل أيضاً استثمارات أوروبية وشراكاتٍ في مجال الأعمال بين إفريقيا وآسيا، حسب أشخاصٍ تحدثوا بشكل مباشر مع كوشنر.
وسترسل دول الخليج الغنية وفوداً وممثلين لقطاع الاستثمار، لكن مصر والأردن، وهما الشريكتان التقليديتان لأمريكا في المنطقة، انتظرتا حتى يوم السبت الماضي قبل أن تعلنا أن كلاً منهما سترسل نائباً لوزير المالية، كما أن الأردن أعلن أنه سيبعث برسالةٍ خلال المؤتمر تشدد على تمسكه بالسيادة الفلسطينية.
وقال مسؤول حكومي بحريني بارز -طلب عدم الكشف عن اسمه لكي يناقش المسائل الدبلوماسية بحرية- إنه لا يجب أن يُفهم المؤتمر على أنه مصادقة بحرينية لرؤية كوشنر. وأضاف أن "هذا يتعلق فقط بالأعمال وليس بالسياسة. مسألة أن الورشة ستعقد في البحرين لن تغير أياً من سياساتنا أو موقفنا من القضية الفلسطينية. لا زلنا ندعم خطة السلام التي اقترحها الملك عبد الله وفكرة أن القدس الشرقية ستكون عاصمةً للدولة الفلسطينية".
البروفيسور إسحاق كرايس، مدير مركز شيبا الطبي، سيكون بين الحاضرين من القطاع الخاص الإسرائيلي، حسب ما أكد المتحدث باسمه ستيف فالز. وقال فالز إن كرايس "تشرف بتلقي الدعوة ويتطلع إلى المؤتمر، لكننا لا نعرف ما سيحدث هناك بعد".
لم ينشر البيت الأبيض قائمةً كاملة بأسماء من سيحضر ورشة عمل كوشنر، لكن مسؤولاً بولندياً بارزاً رفض الدعوة قال إن بولندا، التي يدعم ترامب حكومتها اليمينية، قد تكون الدولة الأوروبية الوحيدة التي سترسل وفداً رفيع المستوى.
وجدير بالذكر أن دول أوروبا الغربية تدعم فكرة حل الدولتين وتعارض قرار ترامب بشأن القدس.
وقال مسؤول شرق أوسطي بارز رفض الكشف عن اسمه لأنه يبدي شكه في المؤتمر، إنه خلال زيارة كوشنر للمنطقة لم يبدُ وكأنه "منفتحٌ على الإصغاء إلى الناس الذين لديهم آراء مختلفة، أو الذين شرحوا له أن خطته تتجاهل الحقائق التاريخية ومشاعر الفلسطينيين والعرب". وأضاف المسؤول: "تخيل أن نقوم نحن العرب بإخبار الأمريكان والإسرائيليين بأننا سننظم مؤتمراً ونجمع 3 تريليونات دولار، هل ستعيدون لنا القدس. هل سيعجبهم ذلك؟".