جرائمهم وفقرهم أغرت السعودية والإمارات للاستعانة بهم.. هذا ما تفعله «الجنجويد السودانية» في اليمن

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/25 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/26 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
الفريق محمد حمدان "حميدتي" قائد الجنجويد/ رويترز

لا يمثل تمرُّد الحوثيين في ​​اليمن أي تهديدٍ لأمن السودان أو مصالحه الوطنية. ولا يوجد تاريخٌ لأي جماعة في اليمن هاجمت السودان أو هددته. ولم يكن المواطنون السودانيون قلقين بشأن وصول الحوثيين إلى السلطة في صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن منذ حوالي خمس سنوات. 

ومع ذلك، فمنذ أن بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حملتهما العسكرية المستمرة في اليمن في مارس/آذار من عام 2015، أدَّى السودان دوراً مهماً في الصراع.

تقرير لموقع Lobelog الأمريكي أشار إلى أنه من أجل توفير قوة عسكرية على الأرض في اليمن، لجأ السعوديون والإماراتيون إلى قواتٍ سودانية ذات خبرةٍ حربية وقتالية اكتسبتها من المعارك في دارفور وأجزاء أخرى من بلدهم. 

ما بين 8 آلاف و 14 ألف مقاتل سوداني في اليمن

ويتراوح عدد المرتزقة السودانيين -بمن فيهم الجنود الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً- الذين يقاتلون حالياً في صفوف التحالف العربي ضد المتمردين الحوثيين بين 8 آلاف و14 ألف مقاتل.  

السبب الحقيقي لمشاركة السودان.. وكان السبب الوحيد وراء مشاركة السودان في التحالف العربي هو المال؛ إذ تقاتل القوات شبه العسكرية السودانية في الحرب الأهلية اليمنية بسبب مشكلاتها الاقتصادية الأليمة في السودان وحاجتها إلى كسب دخل. 

فدول الخليج العربي المشاركة في التحالف تدفع مبالغ تصل إلى 10 آلاف دولار للمرتزقة والجنود الأطفال السودانيين نظير الاشتراك في القتال، ومعظمهم يكون طُعمةً للمدافع في صراعٍ أسفر عن أسوأ أزمة إنسانية مستمرة في العالم. وقد جعلت هذه الممارسة عدد الضحايا السعوديين والإماراتيين منخفضاً نسبياً ولكن على حساب مئات السودانيين الذين فقدوا أرواحهم في هذه الحرب.


ينتمون للجنجويد.. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المقاتلين السودانيين في اليمن ينتمون إلى ميليشيات الجنجويد (الفرسان المسلحين) المؤلفة من عرب أصليين وافدين من غرب السودان وشرق تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.

أسوأ العناصر وأفقرها اختاروهم لليمن 

ومع أنَّ ميليشيات الجنجويد أُنشئت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فإنها حازت اهتماماً عالمياً بعدما رعاها نظام الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير لمحاربة جماعاتٍ مسلحة في دارفور في العقد الأول من القرن الحالي. وقد دفعت انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الجنجويد في دارفور المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار اتهاماتٍ ضد البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية. 

أي أنَّ بعضاً من "أسوأ العناصر وأفقر العناصر" في السودان ذهبوا إلى اليمن للقتال مقابل رواتب سعودية وإماراتية، على حد وصف نبيل خوري من المجلس الأطلسي. وكذلك فتح السودان حدوده أمام مرتزقة من دولٍ إفريقية أخرى للانضمام إلى القتال في اليمن.

وصحيحٌ أنَّ الانضمام إلى التحالف العربي خدم مصالح البشير الجيوسياسية، لا سيما بعد اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في شهرَي مايو/أيار ويونيو/حزيران من عام 2017. 

فبعدما قطع تكتل الدول العربية بقيادة السعودية والإمارات العلاقات مع قطر، كان البشير في موقفٍ صعب بين الاحتفاظ بشراكة قوية مع الدوحة والحفاظ على علاقات جيدة مع السعوديين والإماراتيين في الوقت نفسه. وقد تمكَّن من إرضاء الطرفين برفضه دعم الحصار على قطر مع قطع العلاقات مع إيران ودعم التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن.

لكنَّ قرار البقاء في حرب اليمن ساهم في نهاية البشير

الذي استمر حكمه ثلاثة عقود في أبريل/نيسان الماضي. فإلى جانب الغضب الجماهيري الناجم عن الفساد والفقر والبطالة، كانت المعارضة الواسعة لدور السودان في صراع اليمن قضية رئيسية في الاحتجاجات الأخيرة ضد البشير في أواخر العام الماضي ومطلع العام الحالي. وستظل مشاركة البلد المستمرة في تلك الحرب مصدراً للخلاف في الفترة الانتقالية الهشة.

إذ شنَّ بعض أعضاء الجنجويد السابقين الذين ينتمون الآن إلى قوات الدعم السريع قمعاً عنيفاً مميتاً ضد المتظاهرين في العاصمة السودانية الخرطوم في 3 يونيو/حزيران. 

وتفيد تقارير بأنَّ تلك الحملة القمعية أعقبت اجتماعاتٍ بين مسؤولين رفيعي المستوى في المجلس العسكري الانتقالي السوداني ونظرائهم في الرياض الذين منحوا الحكام العسكريين في السودان الضوء الأخضر لشن هذه الحملة العنيفة لإنهاء الاعتصامات. 

قوة تابعة للسعودية والإمارات.. وبذلك برزت قوات الدعم السريع على أنَّها أشبه بقوةٍ تابعة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تخدم مصالحهما بالوكالة في الخرطوم واليمن.

ويواصل المواطنون السودانيون المطالبة بالحكم المدني والديمقراطية والمساءلة والشفافية وحماية حقوق الإنسان في مواجهة الطغمة العسكرية التي أبدت استعدادها لقصف المتظاهرين العزل وتعذيبهم واغتصابهم. إذ يرى هؤلاء المحتجون إمكانات بلادهم، وقد أصبحوا محبطين من عقودٍ من الفساد وسوء الإدارة ونزاعاتٍ مسلحة لا نهاية لها أعاقت تطور البلاد.

لماذا تقاوم الإمارات والسعودية حتى لا يصل المدنيون لحكم السودان؟

العقوبات سبب المأساة..  فالسودان لديه العديد من الموارد الطبيعية القيِّمة، ويمكن لموارده الزراعية الغنية أن تُشبع حاجات معظم دول العالم العربي من الغذاء مع تلبية الاحتياجات الأساسية داخل السودان نفسه. ولكن بسبب الظروف الاقتصادية القاسية في السودان، التي تفاقمت بسبب العقوبات الأمريكية، توصَّل عشرات الآلاف من السودانيين إلى أنَّ أفضل خيار أمامهم هو الإمساك بالسلاح للقتال في صراعٍ مروع ليس للسودان فيه مصالح قومية كبيرة مُعرَّضة للخطر.

ومن جانبها تُدرك دول الخليج العربي التي تخوض الحرب في اليمن أنَّ أي حكومةٍ بقيادة مدنية في الخرطوم ستنسحب على الأرجح من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. لذا تمتلك كل من السعودية والإمارات نفوذاً كبيراً في الحكومة السودانية "المؤقتة" -التي يقودها المجلس العسكري الانتقالي- يُبقي قبضتها مُحكمةً على السلطة هناك. 

وستحصل أي حكومة سودانية متعاونة مع السعودية والإمارات على دعمٍ منهما بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ضد مواطنيها. وبالنظر إلى أن قيادة الحكومة الفعلية في السودان قد وعدت بمواصلة قتال الحوثيين، ستواصل السعودية والإمارات بدورهما تعزيز شرعية المجلس العسكري الانتقالي. 

وبالمثل، يدعم القادة السعوديون والإماراتيون نظام عبدالفتاح السيسي في مصر؛ لأنَّه خيارهم الوحيد القابل للنجاح في ضوء البدائل المتاحة. لذا يخشى الكثير من السودانيين أن تلقى بلادهم نفس مصير مصر في هذا الصدد، لا سيما أنَّ بعض دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بالقلق إزاء إمكانية صعود الإسلاميين إلى السلطة في السودان بعد البشير. وإذا استمرت الحرب الأهلية في اليمن، فمن المرجح أن يستخدم السعوديون والإماراتيون نفوذهما المالي على الحكام العسكريين السودانيين لضمان استمرار المزيد من المرتزقة والجنود الأطفال السودانيين في القتال ضد المتمردين الحوثيين. وفي الوقت نفسه، سيُشجِّع الدعم الذي تقدمه السعودية والإمارات للمجلس العسكري الانتقالي السلطات العسكرية السودانية على مواصلة حملتها القمعية على الناشطين والمعارضين وجماعات المعارضة.

تحميل المزيد