أثارت قرارات الرئيس ترامب، بإصدار الأمر الذي تلاه إلغاءٌ مُفاجئ لضربة عسكرية ضد إيران، يوم الجمعة 21 يونيو/حزيران، جدلاً في جميع أنحاء المنطقة، حول ما إذا كان تراجعه في اللحظة الأخيرة بمثابة أخطر تهديدٍ له، أو أنَّ الخطوة تُمثِّل بادرة استسلام، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
سارع الإيرانيون، الذين يخوضون مواجهةً متصاعدة مع ترامب منذ ستة أسابيع، إلى تصوير الهجوم المُلغى بصفته دليلاً على أنَّه هو مَن تراجع أولاً، مما يُثبت تردُّدَه بشأن القتال، ورغبته في التوصُّل إلى تسوية، بحسب وصفهم.
ومن ناحيةٍ أُخرى، أكَّد خصوم إيران في الدول المجاورة -مثل السعودية والإمارات وإسرائيل- أنَّ استعداد ترامب للاقتراب من العمل العسكري إلى هذه الدرجة يعني أنَّه على إيران أن تتوقع رد فعلٍ انتقامياً أشد وطأةً، في حال سعيها مرةً أخرى إلى مهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها المقربين، وخاصةً في ظلِّ وجود مقاتلات حربية في السماء، وسفن عسكرية في مواقعها، وصواريخ جاهزة للإطلاق.
الخلاصة: جادل البعض بأنَّ هذا الغموض ربما ينطوي الآن على خطرٍ من نوعٍ خاص؛ إذ ربما يُشجِّعُ المتشددين في إيران على اختبار ردود أفعال ترامب بقدرٍ أكبر، لكنه زاد في الوقت ذاته التوقعات بين بعض حلفائه المُقرَّبين، بأنَّه سيسمح للصواريخ بالانطلاق في المرة المُقبلة.
وقال السير بيتر ويستماكوت، السفير البريطاني السابق لدى واشنطن، والذي كان يعمل دبلوماسياً داخل إيران في الماضي: "تكمُن خطورة تصرُّف ترامب في أنَّه ينقل رسالةً مُتضاربة إلى أجزاء أخرى من العالم. هل هو متبجّح، أم هو شخصٌ حذرٌ في ثنايا عقله، هل هو أوباما في ثياب ذئب، أم هل حصل على معلومات جديدة أجبرته على تغيير رأيه؟".
ما قد يفكر فيه الإيرانيون
قالت أنيسة بسيري تبريزي، من مركز أبحاث "Royal United Services Institute" في لندن، إنَّ غموض موقف ترامب يُشكِّل خطراً بالغ الحساسية في الداخل الإيراني، حيث يستطيع المتشددون الذين يراقبون السياسة الداخلية أن يقولوا: "لقد كنا على صواب، كانت الخطوط الحمراء أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع، ويمكننا أن نقاوم أكثر".
وقالت أنيسة، إنَّ الكثيرين داخل الحكومة الإيرانية يعتقدون الآن أنَّ ترامب قد تراجع. وأضافت: "هُناك أشخاصٌ كانوا يضغطون داخل إيران من أجل المزيد من المقاومة، والمزيد من الانتقام، وسيقولون الآن: هل رأيتم؟ كُنَّا على حق، ترامب لا يريد الحرب، فلنضغط أكثر إذاً". وربما يدفعهم ذلك إلى إساءة تقدير ردود فعل الإدارة المستقبلية.
في أوروبا أشاد البعض بترامب يوم الجمعة لأنه اختار ضبط النفس. إذ قال كارل بيلت، وزير خارجية السويد الأسبق: "كانت الضربة ستُؤدِّي إلى التصعيد دون أدنى شك، فهل يمكنك السيطرة على الأوضاع حينها؟".
لكن آخرين رأوا في خطوة ترامب، التي اتَّخذها في اللحظة الأخيرة، ارتجالاً يتعلَّق بعملٍ عسكري كبير، وتهديداً يزيد تقويض مصالح التحالف المُنهك عبر الأطلسي.
وقال فرانسوا هيسبورغ، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الفرنسية: "لم يظهر إطلاقاً أنَّ ترامب لديه أي فكرة عن خطوته التالية، وهذا أمرٌ مقلقٌ للغاية". الأوروبيون لا حول لهم ولا قوة، لكن هذا لا يعني أنَّنا لا نشعر بالذعر".
ويعقد الاتحاد الأوروبي، الذي كان طرفاً في الاتفاقية النووية مع إيران أيضاً، مؤتمراً مع إيران الأسبوع المقبل، في محاولةٍ للحفاظ على هذه الاتفاقية، ومُعالجة "التحديات الناشئة عن انسحاب الولايات المتحدة وإعادة فرضها العقوبات"، بحسب بيان التكتُّل الأوروبي.
كيف أدى ترامب دوراً مثالياً من وجهة نظر مؤيديه؟
وفي مقياسٍ للالتباس بشأن طريقة تفكير ترامب؛ دفع بعض المحللين الأكثر عداءً لإيران للقول بأنَّ ترامب أدَّى دوره بأداء مثالي، بما في ذلك إعلانه عن خلافاته مع مستشاريه وتغيير قراره في اللحظة الأخيرة.
إذ أكَّد جيورا إيلاند، الجنرال المتقاعد في جيش الدفاع الإسرائيلي والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن ذلك "يخلق مصداقيةً للتهديد، ويَشعر الإيرانيون اليوم بالخوف الشديد من الانتقام الأمريكي".
وجادل أيضاً قائلاً إنَّ قادة إيران فهِموا الآن أنَّه في حال هاجموا مرة أخرى، خاصةً بشكلٍ مباشر وضد الأهداف الأمريكية أو حتى الحلفاء العرب للولايات المتحدة، "فسيكون هناك انتقامٌ أمريكي هائل للغاية، وهم لا يرغبون أن يكونوا في مثل هذا الموقف".
وأثنى المحللون المقربون من حكام السعودية على ترامب؛ إذ قال محمد اليحيى، محرر اللغة الإنجليزية في شبكة العربية الإخبارية في السعودية: "لا يجب النظر إلى حقيقة أنَّ الضربة العسكرية لم تحدث على الفور، أو أن الرئيس ليس توّاقاً لإطلاق النار، بوصفها دليلاً على الضعف. ويجب أن تضغط الإدارة من أجل متابعة حملات الضغط القصوى، وهذا هو أسوأ سيناريو للنظام الإيراني".
وقالت سانام فاكيل، الباحثة في مؤسسة "Chatham House" البحثية بلندن، إنَّه لا توجد الكثير من المؤشرات على أنَّ طهران ستُغيِّر مسارها في أي وقت قريب.
قال ترامب إنَّه سيُلزم إيران بالموافقة على إجراء محادثاتٍ بشأن فرض قيود جديدة لبرنامجها النووي، على الأقل قبل رفع أي عقوبات. في حين قال قادة إيران إنَّ الولايات المتحدة يجب أن تُعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وإنَّهم سيرفضون الحديث تحت وطأة الإكراه أو قبل تخفيف العقوبات.
وأضافت سانام: "إنَّهم في خانة اليك".