القمع الرقمي.. الجيش السوداني يقطع الإنترنت لإخماد الثورة الشعبية، لكن ذلك يتسبب بنتائج عكسية

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/22 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/22 الساعة 15:33 بتوقيت غرينتش
متظاهرون سودانيون أمام وزارة الدفاع في العاصمة الخرطوم، مايو 2019/ رويترز

لا يزال الإنترنت مقطوعاً عن السودان منذ ثلاثة أسابيع، وقال نشطاء إن قطع الإنترنت منح المجلس العسكري الحاكم غطاءً لانتزاع بعض المكاسب بعنف من المتظاهرين الذين أطاحوا بالزعيم الأوتوقراطي الذي حكم البلاد لفترة طويلة عمر البشير. فما نتائج هذه الإجراءات الاستبدادية؟

عواقب سياسية واقتصادية سيئة

يعد قطع الإنترنت عمداً أحدث وسيلة في التوجُّه العالمي للحكومات الاستبدادية التي تمنع الوصول إلى الإنترنت بغية تهدئة الاحتجاجات، وهي خطوة ربما تحمل عواقب سياسية واقتصادية وخيمة. علاوة على أنها تأتي عقب ثورات الربيع العربي منذ ما يقرب من عقد من الزمن، حيث استُخدم قطع الإنترنت لإنزال عقوبات قاسية على المتظاهرين، لكن ذلك لم يُفلح لوقف صيحات الإصلاح.

وتقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن قطع الإنترنت أثناء الاضطرابات ربما يؤدي إلى نتائج عكسية، ما يُثير السُخط على نطاقٍ أوسع.

قطعت السلطات السودانية الإنترنت في البلاد منذ 3 يونيو/حزيران الجاري وسط حملة قمع عسكرية عنيفة يقول منظمو الاحتجاج عنها إنها أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص. ووصفت منظمة NetBlocks، وهي منظمة ترصد حرية الإنترنت حول العالم، قطع الإنترنت بأنه "تقييد شبه كلي لتدفق المعلومات داخل السودان وخارجه بالنسبة لجزء كبير من السكان".

وخرج المتظاهرون إلى شوارع السودان بأعدادٍ غفيرة خلال الأسابيع الماضية للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري. وفي أول الأمر أشعلت أسعار السلع الغذائية ونقص الوقود الاحتجاجات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما أسهم جزئياً في تدبير انقلاب عسكري في أبريل/نيسان الماضي أطاح بالرئيس عمر حسن البشير من منصبه. ومنذ الإطاحة بالبشير، يحكم مجلس عسكري البلاد رافضاً تمهيد الطريق لتشكيل حكومة مدنية.

ليست المرة الأولى في السودان

ولا يُعَد قطع الإنترنت خلال هذا الشهر، يونيو/حزيران، المرة الأولى التي تقطع فيها الحكومة السودانية الإنترنت. فقد قيَّدَت الحكومة خدمات الإنترنت عدة مرات خلال الأشهر الأربعة التي سبقت الإطاحة بالبشير.

لكن التعتيم الحالي يُعَد تصعيداً للقمع الرقمي في الدولة التي تقع في شرقيّ القارة الإفريقية. فقد أعاق قدرة النشطاء على تنسيق الاحتجاجات ونشر تطورات الأحداث داخل السودان وخارجه.

وقالت إحدى المحتجات لشبكة BBC البريطانية: "إن غياب وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على عملنا بشكل كبير". وأضافت أن قطع الإنترنت جعل النشطاء يقتصرون في تنظيم المظاهرات على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية -وهي وسيلة اتصال أعلى تكلفة وتصل إلى عددٍ أقل من الناس. وذكرت صحيفةٌ سودانية هذا الأسبوع أن انقطاع الإنترنت سيستمر لمدة ثلاثة أشهر أخرى.

طريقة متّبعة للأنظمة الاستبدادية

وصعَّب انقطاع الإنترنت الحياة على حركات المعارضة السياسية في جميع أنحاء العالم منذ بداية ظهور الإنترنت. فقد توصَّلَت دراسة أُجرِيَت عام 2011 إلى أن أكثر من 600 حالة في 99 دولة قُطِعَ فيها الإنترنت بين عاميّ 1995 و2011.

وفي بعض الأحيان تقطع الدول الإنترنت لأسبابٍ لا تتعلَّق بالاضطرابات السياسية، فعلى سبيل المثال، كانت دولٌ عديدة تقطع الإنترنت لمنع الغش في الامتحانات المحلية.

ويقول الباحثون إن الربيع العربي حوَّلَ قطع الإنترنت إلى طريقةٍ مُتَّبعةٍ لدى الأنظمة الاستبدادية أو شبه الاستبدادية لمنع تصاعد الاحتجاجات. ونهضت الشبكات الاجتماعية بدورٍ أساسيٍّ في حشد الجماهير الغفيرة خلال ثورات 2011 وفي نقل الحماس الثوري خارج الحدود.

وللتصدي لقوة هذه الوسائل الرقمية، قطع نظام حسني مبارك في مصر جميع الوصلات الدولية بالإنترنت ومَنَعَ الوصول إلى الشبكات الاجتماعية –ولكن ذلك لم يفلح في وقف ثورة شعبية سرعان ما أدَّت إلى إطاحته. وقطعت ليبيا الإنترنت، وقطعت السلطات السورية الإنترنت في يونيو/حزيران 2011 لقمع المتظاهرين.

وقال داريل ويست، المدير المؤسس لمركز الابتكار التكنولوجي التابع لمعهد بروكينغز، إنه بعد الربيع العربي، "أدركت الحكومات الدور المهم الذي تضطلع به التكنولوجيا الرقمية في الاحتجاجات السياسية، ولكنها تتخذ إجراءات قمعية وتمنع المحتجين من استخدامها".

وأضاف أن حالات قطع الانترنت التي استخدمتها الحكومات تنتشر بشكل واسع، وتمثل الحالة السودانية تطبيقاً صارماً لهذه الظاهرة المتزايدة.

وتابع ويست: "يبدوا أن حالة قطع الإنترنت في السودان هي حالة شنيعة. فهي تُظهِر أن ذلك بدأ يُشكِّل مشكلة. وعندما تفعل إحدى الدول ذلك، فإنها تشجع البقية على فعل الشيء نفسه".

وقطعت عدة دول إفريقية أخرى الإنترنت لتكميم أفواه المعارضة. فقد قطعت حكومة الكونغو الإنترنت تماماً لمدة 20 يوماً في أعقاب انتخابات رئاسية شابتها عمليات تزوير واسعة النطاق. وفي مطلع هذا الشهر، حَجَبَت الحكومة في ليبيريا الشبكات الاجتماعية وسط احتجاجات ضد الفساد.

وتخطى هذا الأسلوب إفريقيا والشرق الأوسط، فقد قيدت إحدى الشركات الحكومية التي توفر خدمات الإنترنت في فنزويلا الوصول لخدمات البث أثناء مؤتمر صحفي لزعيم المعارضة خوان غوايدو، وفقاً لما ذكرته NetBlocks. وقيَّدت الصين، التي تشتهر بمراقبة الإنترنت، مؤخراً الوصول للمعلومات حول احتجاجات هونغ كونغ.

قطع الإنترنت يكلف خسائر بملايين الدولارات

وبعيداً عن قمع الحركات الاحتجاجية، ربما تتسبب عمليات قطع الإنترنت في توجيه ضربات قاسية للكيانات الاقتصادية التي تعتمد بصورة متزايدة على الأدوات والخدمات الرقمية. فقد أجرى "ويست" دراسة على الفترة من 2015 إلى 2016 فتبيَّن أن 81 حالة قطع لشبكة الإنترنت في 19 دولة معاً تكلفت ما لا يقل عن 2.4 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم.

ويتسبَّب قطع الإنترنت المستمر في السودان في توجيه ضربة اقتصادية له. إذ تعتمد العديد من الشركات ومقدمي الخدمات على الإنترنت في مزاولة نشاطها التجاري، وعدم وجود الإنترنت من شأنه شل الحركة التجارية. وقد قدرت صحيفةٌ سودانية هذا الأسبوع أن هذا الأمر سيكلِّف الدولة أكثر من مليار دولار أو نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان.

وبينما يُصعِّب قطع الإنترنت الحياة على المتظاهرين منذ مطلع يونيو/حزيران، قال ويست إن الآثار الجانبية الاقتصادية ربما يكون لها تأثير مناقض في تأجيج الاحتجاجات، خاصة وأن الصعوبات الاقتصادية هي التي أشعلت الثورة في المقام الأول.

وأضاف: "عندما تقطع الدول الإنترنت، فإنها تعطل جزءاً متنامياً من الاقتصاد. ويتسبَّب ذلك بالتأكيد في خلق مشاكل للشركات الصغيرة، ما يؤجج السُخط السياسي".

تحميل المزيد