يُعَدُّ الدعم الفرنسي للجنرال خليفة حفتر وقواته في الجيش الوطني الليبي أحد أهم القوى الدافعة في تشكيل الحرب الأهلية الليبية المستمرة منذ 5 سنوات. ومع أن المسؤولين في باريس ينكرون عموماً دعم حفتر، أو يلتزمون الصمت حيال هذه القضية، فإن هناك أدلةً على أن قوة القائد الشرقي تُعزَى جزئياً إلى فرنسا.
ومنذ مقتل ثلاثة من القوات الفرنسية الخاصة في ليبيا، خلال يوليو/تموز عام 2016، فهِم الخبراء أنَّ فرنسا هي اللاعب الرئيسي في الأزمة المستمرة في الدولة الواقعة شمالي إفريقيا، والتي اشتدت شهر أبريل/نيسان، مع هجوم حفتر على طرابلس.
كيف أدى الدعم الفرنسي لحفتر لانقسام الأوروبيين؟
- أدى الدعم الفرنسي لحفتر إلى انقسام الاتحاد الأوروبي في موقفه من الحرب الأهلية الليبية.
- تدعم إيطاليا -المستعمر الأوروبي السابق لليبيا- ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، التي لا يعتبرها حفتر شرعية.
- كانت لدى المسؤولين في روما مشكلةٌ كبرى مع دعم باريس لحفتر، الذي ترى القيادة الإيطالية أنه يُقوِّض بشدة أيَّ آمالٍ دائمة في التوصُّل إلى حلٍّ سياسي للحرب الأهلية.
- يقول موقع Lobelog الأمريكي، انتهى أيُّ شكٍّ في عجز الاتحاد الأوروبي عن التصرف بشكل جماعي تجاه ليبيا، بعد أن منعت فرنسا الاتحاد من إصدار بيان يطالب فيه حفتر بوقف هجومه تجاه المنطقة الغربية، بعد وقت قصير من بداية الهجوم.
صراع على النفوذ بين روما وباريس
- لوقت طويل تنافست فرنسا وإيطاليا على النفوذ في منطقة المغرب الكبير، لكنَّ التطورات الأخيرة في ليبيا أضافت توتراً ملحوظاً للعلاقات بين باريس وروما، كما يتضح من التصريحات القوية للمسؤولين الإيطاليين.
- باختصار تزيد المنافسة بين فرنسا وإيطاليا على النفوذ وتصادم جداول أعمالهما في ليبيا من زعزعة استقرار الدولة الكائنة شمالي إفريقيا.
- ومع أن ليبيا أصبحت بؤرة توتر رئيسية في العلاقات الفرنسية الإيطالية، إلا أن البلدين يشتركان في نهاية المطاف في العديد من المصالح المستقبلية الليبية.
هناك مصالح مشتركة لهما في ليبيا.. ولكن
- لا ترغب أيٌّ من العاصمتين في رؤية الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تفوز بموطئ قدم راسخ في ليبيا. تود الحكومتان الفرنسية والإيطالية التوصل إلى تسوية سياسية في ليبيا، لمساعدة أوروبا على التعامل مع وصول اللاجئين والعمال المهاجرين من البلدان الإفريقية والعربية.
- ومما لا شك فيه أن الطاقة جزء من الصورة أيضاً، لأن ثروة ليبيا النفطية تقود أيضاً طموحات كلٍّ من فرنسا وإيطاليا في البلد الذي مزقته الحرب.
- لكن رغم هذه المصالح المشتركة، فإن الاستراتيجيات الفرنسية والإيطالية تختلف تماماً في سبل تحقيقها.
ما هي وجهة النظر الإيطالية في ليبيا؟
- من وجهة النظر الإيطالية، فإنّ سياسات فرنسا الداعمة لحفتر في ليبيا خطيرة، وتساهم في إغراق البلد المغاربي في مزيد من عدم الاستقرار.
- في يناير/كانون الثاني، أوضح نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، هذا الرأي بشكل صريح ومباشر، ورأى أن فرنسا "ليس لديها مصلحة في استقرار الوضع، ربما لأن لديها مصالح نفطية تعارض مصالح إيطاليا".
- أدت هذه الكلمات إلى استجابة فرنسية غاضبة، وخلاف دبلوماسي دفع باريس لاستدعاء السفير الإيطالي والمطالبة بتفسير.
- والرأي الراجح في الحكومة الإيطالية هو أن مقاربة ماكرون تجاه ليبيا كانت معيبة ومُضلِّلة بشكل أساسي.
- وترى السلطات الإيطالية أن القيادة الفرنسية ساذجة حيال الحقائق المعقدة لليبيا، بينما تعتمد كثيراً على فكرة غير واقعية، مفادها أن النصر العسكري يمكن أن يحقق السلام في ليبيا.
ما هي وجهة النظر الفرنسية المقابلة؟
- بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، كان دعم باريس لحفتر يتعلَّق بمواجهة ما يراه "تهديدات إرهابية من الإسلاميين"، وتعزيز مكانة فرنسا على الساحة الدولية.
- وكما رأى سالفيني وشخصيات إيطالية أخرى، فإن دعم فرنسا لحفتر يتعلق بمصالحها الاقتصادية والتجارية في ليبيا.
- ومع سيطرة قوات حفتر تقريباً على جميع احتياطيات ليبيا النفطية، فمن الشائع أن نسمع المسؤولين الإيطاليين يزعمون أن طموحات شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال تقود السياسة الخارجية لباريس حيال ليبيا.
حفتر فشل وسيفشل، وداعموه مذنبون وسيُعانون
- حفتر عدوٌّ لدود للإخوان المسلمين الليبيين، ولمجتمعات عرقية، دينية، قبلية معينة، وسيعجز القائد الشرقي ببساطة عن إثبات قدرته على توحيد البلد بأكمله تحت حكمه بشكل مسالم.
- الفاعلون الخارجيون الذين يحاولون مساعدته على تحقيق هذه الغاية هم أنفسهم مذنبون بالمساهمة في مزيد من العنف وعدم الاستقرار في ليبيا.
- اتَّضح من سفك الدماء الذي عانت منه ليبيا خلال الشهرين الماضيين، أن حفتر لم يُستقبل في طرابلس كبطل يُحرر المدينة من الميليشيات الخارجة عن القانون، كما كان يأمل القائد الشرقي، وأن المقاومة ضد الجيش الوطني أقوى مما توقعه حفتر في البداية، أوائل أبريل/نيسان.
- الآن يواجه الليبيون والدول المجاورة لهم حقائق جديدة، فهجوم حفتر على طرابلس أثار نوبات جديدة من القتال، مما جعل الخبراء متشائمين بشكل متزايد حيال إمكانية جلوس الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى طاولة المفاوضات للتفاوض من أجل السلام.
- وبسبب الظروف الحالية، فمن السهل تخيُّل كلٍّ من فرنسا وإيطاليا تعانيان من تهديدٍ إرهابي متزايد من ليبيا، وكذلك من سوء إدارة وصول المهاجرين الذي أدى إلى تصاعد المتطرفين اليمينيين من كارهي الأجانب في أنحاء أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
باريس وروما لن تتوافقا بشأن ليبيا قريباً
- من الصعب التنبُّؤ بالطريقة التي ستتطوَّر بها الحرب الأهلية في ليبيا، ومدى تأثير هذا الصراع في شمال إفريقيا على توتر العلاقات الفرنسية الإيطالية القوية تاريخياً.
- ومع ذلك فمن غير المرجح أن ينتهي القتال في ليبيا في وقتٍ قريب، ومن الصعب تخيُّل أن تجد باريس وروما نفسيهما متوافقتين حول حفتر، مع استمرار البلاد في دوامة الهبوط.
- تعكس الأجندة الفرنسية والإيطالية المتنازعة في ليبيا صورة جيوسياسية أكبر، تتشكل بغياب الولايات المتحدة كممثل مؤثر في البلد الذي مزقته الحرب. في سياق افتقار واشنطن إلى سياسة خارجية متماسكة أو استراتيجية ناجحة في شمال إفريقيا -وخاصةً في ليبيا- تسعى فرنسا إلى تأكيد نفسها كقوة صاعدة على الساحة العالمية.
الأجندات الدولية لماكرون في ليبيا
- علاوة على ذلك، فإنَّ السياسة الخارجية لباريس في ليبيا ترتبط أيضاً بالأجندات الدولية لماكرون، التي عملت على تقوية شراكات فرنسا الاستراتيجية مع أهم رعاة حفتر العرب: مصر والإمارات العربية المتحدة.
- عملت إدارة ماكرون على مكافحة الجماعات المسلحة في المستعمرات الفرنسية السابقة على الساحل الإفريقي، وتعتقد فرنسا أن تعاونها مع القاهرة وأبوظبي على هذه الجبهة أمر ضروري ويجب أن يستمر، حيث تسيل الجماعات المتطرفة الدماء في بلدان مثل بوركينافاسو ومالي والنيجر ومن هناك يخططون لهجمات ضد فرنسا، كما تقول باريس.
- إحدى تخوفات روما هي أن غياب أي موقف أمريكي حازم تجاه ليبيا، قد مكّن فرنسا من التصرف بتهور، والسعي وراء أهداف خطيرة تحت شعار مكافحة الإرهاب.
- ما تريده إيطاليا هو إدارة أمريكية يمكنها أن تثبت قدرتها على الضغط على حفتر لوقف هجوم الجيش الوطني الليبي، والتفاوض مع أعدائه من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.
- لكن مع وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، فليس لدى إيطاليا أي سبب لتوقُّع أي تحول من هذا القبيل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.