سلاح العراقيين السري لمنع الأمريكيين من تدمير بلادهم.. تجمع لا تتوقعه ببغداد بدأ بشموع مسروقة وأصبح يحضره 20 ألفاً

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/18 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/18 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
امرأة عراقية تحضر مهرجان الاحتفال باليوم الدولي للسلام في بغداد عام 2015

مهرجان سلام في بغداد، هل يمكن أن تصدق ذلك، نعم يتطلع آلاف العراقيين لحضور مهرجان بغداد دار السلام، في وقت تستعد فيه أمريكا وإيران لتحويل بلادهم ساحة للتناحر بينهم، ولكن هل تحقق أمنيتهم أم يفسدها ترامب.

لورا غوتسديينر الصحفية المستقلة والمنتجة السابقة لبرنامج Democracy Now كتبت في مقال بموقع Lobelog الأمريكي مقالاً عن بغداد التي لا يعرفها العالم، بغداد التي تحاول استعادة تاريخها العريق وسلامها المفقود، ولكنها تخشى مما يُضمره لها الآخرون.

المزحة المؤلمة التي تلخص مأساة العراق

تقول لورا: "ثمة مزحة حزينة منتشرة في بغداد هذه الأيام، حكت لي نوف عاصي، وهي ناشطة سلام عراقية تبلغ من العمر 30 عاماً، وتعمل في مجال المساعدات الإنسانية، هذه المزحة عبر الهاتف.

كانت محادثتنا في آخر شهر مايو/أيار مباشرة، بعد أن أعلنت إدارة ترامب أنها سوف تضيف 1500 جندي أمريكي إضافي إلى حامياتها في الشرق الأوسط.

بدأت نوف بالقول: "تريد إيران أن تقاتل لإخراج الولايات المتحدة والسعودية من العراق، وتريد الولايات المتحدة أن تقاتل لإخراج إيران من العراق، فماذا لو أنَّنا نحن العراقيين غادرنا جميعاً لكي يتمكنوا هم من القتال هنا بمفردهم؟".

نوف من بين جيلٍ من العراقيين الشباب الذين عاشوا معظم حياتهم، في ظلّ الاحتلال الأمريكي لبلدهم، ثم خاضوا العنف الكارثي الذي أطلقه هذا الاحتلال، بما في ذلك صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهو الجيل الذي يراقب الآن بقلق تهديد واشنطن بالحرب ضد طهران. وهم يدركون تمام الإدراك أنه لو نشب الصراع فمن شبه المؤكد أنَّ العراقيين سوف يجدون أنفسهم مرة أخرى متورطين في خضم هذا الصراع المدمر.

ترامب يريد إبقاء قوات في العراق لمراقبة الإيرانيين

في شهر فبراير/شباط، أثار الرئيس ترامب غضباً بادّعائه أنَّ الولايات المتحدة سوف تبقي حضورها العسكري –وقوامه 5200 جندي– وقاعدة عين الأسد الجوية في العراق، من أجل أن "تراقب إيران".

وفي شهر مايو/أيار، أمرت وزارة الخارجية فجأة جميع الموظفين الحكوميين غير الأساسيين بمغادرة العراق، مشيرةً إلى معلوماتٍ استخباراتية غامضة عن وجود تهديدات من "نشاط إيراني". (وقد نقضت هذه المعلومة الاستخباراتية المزعومة على الفور، عندما زعم النائب البريطاني لقائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال داعش بأنه "ليس ثمة زيادة في المخاطر من طرف القوى المدعومة من إيران في العراق وسوريا"). بعد ذلك بأيام قليلة، سقط صاروخ لم يُحدِث أضراراً في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، التي تضم السفارة الأمريكية.

بعد ذلك، أعلن رئيس الوزراء حينها، عادل عبدالمهدي، أنه سوف يرسل وفوداً إلى واشنطن وطهران في محاولة "لوقف التوترات"، في الوقت الذي احتشد فيه آلاف العراقيين العاديين في بغداد للتظاهر ضد احتمالية استدراج بلدهم مرة أخرى إلى الصراع.  

الأزمة بين إيران وأمريكا العراق إيران أمريكا
الرئيس الإيراني ونظيره العراقي/ رويترز

واليوم 18 يونيو/حزيران، أصدر عبدالمهدي قراراً بمنع أية قوة أجنبية بالعمل أو الحركة على الأرض العراقية من دون إذن، واتفاق وسيطرة من الحكومة، وكذلك منع أية دولة من الإقليم أو خارجه من التواجد على الأرض العراقية، وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر، سواء أكان دولة مجاورة أخرى، أو أي تواجد أجنبي داخل العراق أو خارجه، من دون اتفاق مع الحكومة العراقية.

كما يتضمَّن القرار منع عمل أية قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة العراقية أو خارج إشراف القائد العام للقوات المسلحة، ومنع أية قوة مسلحة تعمل في إطار القوات المسلحة العراقية من أن تكون لها حركة أو عمليات أو مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة العراقية، وتحت إشراف القائد العام.

يستشعر العراقيون جميعاً أكثر من أي دولة في العالم خطر إنزلاق أمريكا وإيران إلى الحرب، والمشكلة حتى لو تصل الأمور إلى الحرب، فحتى مرحلة ما قبل الحرب خطرها على العراق، أكثر مما هو على أطراف الصراع.

تصريحات الإدارة الأمريكية تجاه إيران تذكر الجميع بأكاذيب حرب العراق

تقول لور في مقالها "تشبه الكثير من التغطية الإعلامية الأمريكية للتوترات الأمريكية الإيرانية المتصاعدة في هذه الأسابيع، والمليئة بـ "معلومات استخباراتية" سرّبها مسؤولون لم تُكشَف أسماؤهم من إدارة ترامب، شبهاً كبيراً الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

والأمر كما صاغه مقالٌ نُشِرَ مؤخراً في موقع الجزيرة بعنوان "هل تدق وسائل الإعلام الأمريكية طبول الحرب ضد إيران؟"، إذ قال المقال صراحة: "عام 2003 كانت العراق، أما في عام 2019 فهي إيران".

ولسوء الحظ، فعلى مدار السنوات الـ16 التي تلت لم تتحسَّن التغطية الأمريكية للعراق كثيراً.

والأمريكيون يدمرون بلداً لا يعرفون عنه شيئاً

ومما لا شك فيه أنَّ العراقيين أنفسهم غائبون عن هذه التغطية، فعلى سبيل المثال، متى يسمع الجمهور الأمريكي عن تنظيم الطالبات في مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، التي تعرَّضَت لقصفٍ شديد واستُعيدَت من داعش عام 2017.

ويهدف هذا التنظيم إلى إعادة تزويد رفوف مكتبة جامعة الموصل التي كانت شهيرة في الماضي، والتي أحرقها مقاتلو داعش أثناء احتلالهم للمدينة، ومتى يسمعون عن إحياء بائعي الكتب والناشرين لسوق الكتب الشهير عالمياً في شارع المتنبي، الذي دمَّرَته سيارةٌ مُفخَّخة عام 2007، ومتي يسمعون عن اجتماع عشرات الآلاف من الشباب، في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام في جميع أنحاء العراق للاحتفال باليوم العالمي للسلام، وهو كرنفال بدأ منذ 8 سنوات في بغداد على يد نوف عاصي وزميلها، زين محمد، وهو ناشط سلام يبلغ من العمر 31 عاماً، ويملك مطعماً وساحة أداء؟

ويطلق عليه مهرجان بغداد دار السلام.

بعبارةٍ أخرى، من النادر أن يُسمَح للجمهور الأمريكي بإلقاء نظرة خاطفة على العراق تجعل الحرب هناك تبدو أقل حتمية.

رجل عراقي يحمل علم بلاده احتفالاً بالانتصار على داعش في ميدان التحرير في بغداد/Reuters

اعتاد كلٌّ من زين ونوف لا على هذا التمثيل المشوه فحسب لبلدهم في بلادنا، وإنما اعتادوا أيضاً على حقيقة أنَّ العراقيين مثلهم غائبون عن الوعي الأمريكي.

لكنهم لا يزالون مندهشين من قدرة الأمريكيين على إحداث هذا القدر من الدمار والألم في بلدٍ ما يزالون لا يعرفون عنه الكثير.

وقالت لي نوف: "منذ سنوات، ذهبت إلى الولايات المتحدة في برنامج للتبادل واكتشفت أنَّ الناس لا يعرفون أيَّ شيء عنَّا، سألني أحدهم إذا كنت أستخدم الجمل لتنقلي، لذا فقد عدت للعراق وفكرت: اللعنة على ذلك! ينبغي أن نخبر العالم عنَّا".

قصة مهرجان بغداد دار السلام كما يرويها أصحابها

تقول لور غوتسديينر في أواخر شهر مايو/أيار 2019، تحدَّثتُ مع نوف وزين بشكلٍ منفصل عبر الهاتف باللغة الإنجليزية حول التهديد المتزايد لحرب أمريكية أخرى في الشرق الأوسط وعن عملهما الجماعي على مدى عقدين، بهدف القضاء على العنف الذي جلبته الحربان الأمريكيتان على بلدهما.

لور عرضت المقابلتين اللتين أجرتهما مع نوف وزين بعد أن خلطتهما معاً لكي يتمكَّن الأمريكيون من سماع صوتين من العراق، وهما يخبران قصة حياتهما والتزامهما بالسلام في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي لبلدهما عام 2003.  

لورا غوتسديينر: ما الذي ألهمك في بداية الأمر بالعمل في مجال السلام؟

زين محمد: بنهاية عام 2006، في السادس من ديسمبر/كانون الأول، أعدم تنظيم القاعدة في العراق، الذي سبق تنظيم داعش، والدي. نحن أسرة صغيرة: أنا وأمي وأختان، كانت خياراتي محدودة بخيارين فحسب، كنت في التاسعة عشرة من عمري، وكنت قد أنهيت الثانوية لتوي، لذا فقد كان قراري: عليَّ أن أهاجر أو أن أصبح جزءاً من نظام الميليشيات وأنتقم.

كان هذا هو نمط الحياة في بغداد في ذلك الوقت، لذا فقد هاجرنا إلى دمشق، ثم فجأة، بعد حوالي 6 شهور، عندما كانت أوراقنا على وشك أن تصبح جاهزة لكي نهاجر إلى كندا، قلت لأمي: "أريد العودة إلى بغداد، لا أريد الهرب".

عدت إلى بغداد في نهاية عام 2007، وقع انفجارٌ ضخم لسيارة في الكرادة، وهي المنطقة التي كنت أعيش فيها، لذا فقد قرَّرت أنا وأصدقائي أن نفعل شيئاً حيال ذلك الأمر، بأن نخبر أصدقاءنا أنَّ علينا العمل معاً من أجل تعزيز السلام، وكذا فقد عقدنا فعاليةً صغيرة في اليوم العالمي للسلام، 21 من ديسمبر/كانون الأول، في نفس المكان الذي وقع فيه الانفجار.

وفي عام 2009، حصلت على منحة في الجامعة الأمريكية في السليمانية لحضور ورشة حول السلام وشاهدنا فيلماً عن يوم السلام، بنهاية الفيلم كانت هناك مشاهد خاطفة من جميع أنحاء العالم، ولمدة ثانية واحدة ظهرت الفعالية التي نظمَّناها في الكرادة، كان هذا الفيلم مذهلاً بالنسبة لي، كان بمثابة رسالة، عدت إلى بغداد وتكلمت مع أحد أصدقائي، كان والده قد قُتل، قلت له إنَّ الأمر منهجي، لو كان شيعياً فسوف تجنده ميليشيا شيعية للانتقام، ولو كان سنياً فسوف تجنده ميليشيا سنية أو تنظيم القاعدة للانتقام. قلت له: ينبغي أن نخلق خياراً ثالثاً. وكنت أعني بذلك الخيار الثالث أي خيار باستثناء القتال أو الهجرة.

أسرة عراقية تسير أمام أحد المتاجر في بغداد/Reuters

تحدَّثت مع نوف وقالت إنَّ علينا أن نجمع الشباب وننظم اجتماعاً. سألتها: "ما الهدف من الاجتماع؟"، كان كل ما لدينا فكرة الخيار الثالث هذه، قالت لي: "ينبغي أن نجمع الشباب ونجتمع لنقرر ما نفعله".

نوف عاصي: عندما بنيت بغداد للمرة الأولى (في عهد العباسيين)، أطلق عليها اسم مدينة السلام. وعندما بدأنا أول الأمر في الحديث إلى الناس ضحك الجميع علينا. قالوا لنا: احتفال مدينة السلام في بغداد؟ هذا لن يحصل أبداً. في ذلك الوقت، لم تكن ثمة فعاليات، ولم يكن أي شيء يحدث في الحدائق العامة.

زين: قال الجميع: أنتم مجانين، نحن ما زلنا في الحرب…

نوف: لم يكن لدينا أي تمويل، لذا فقد قرَّرنا أن نشعل الشموع، وأن نقف في الشارع، وأن نخبر الناس أنَّ بغداد تسمى مدينة السلام، لكننا بعد ذلك ازداد عددنا إلى مجموعة من 50 شخصاً، لذا فقد نظَّمنا مهرجاناً صغيراً، لم تكن لدينا أية ميزانية، كنا نسرق أدوات المكتب من مكتبنا ونستخدم الطابعة هناك.

بعد ذلك فكرنا: حسناً، لقد أوضحنا نقطة، لكنني لا أعتقد أنَّ الناس سوف ترغب في الاستمرار، لكنَّ أحد الشباب عاد إلينا وقال: "لقد استمتعنا، فلنفعل ذلك مرة أخرى".

لورا: كيف نما المهرجان منذ ذلك الحين؟

نوف: في العام الأول حضر حوالي 500 شخص، وكان معظمهم من عائلاتنا أو أقاربنا. والآن يحضر المهرجان 20 ألف شخص، لكنَّ فكرتنا ليست متعلقة بالمهرجان فحسب، وإنما بالعالم الذي نخلقه من خلال هذا المهرجان، إننا نفعل كل شيء من الصفر حرفياً. حتى الزينة هناك فريق يصنعها يدوياً.

زين: عام 2014، شعرنا بالنتائج الأولى عندما جاءت داعش وحدث ذلك القرف مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت النتائج على مستوى مجتمعي، إذ بدأت مجموعات كثيرة في العمل معاً في جمع الأموال والملابس للنازحين داخلياً، كان الجميع يعملون معاً، بدا وكأنَّ ثمة بصيصاً.

نوف: والآن، يقام المهرجان في البصرة والسماوة والديوانية وبغداد، ونأمل أن يمتد إلى النجف والسليمانية. وعلى مدار العامين الماضيين، عملنا على إنشاء أول مركز للشباب في بغداد، IQ Peace Center، وهو مقر نوادٍ مختلفة: نادٍ لموسيقى الجاز، وناد للشطرنج، وناد للحيوانات الأليفة، وناد للكتابة، ولدينا ناد للنساء والفتيات لمناقشة مشكلاتهن داخل المدينة.

زين: واجهنا الكثير من التحديات المالية لأننا كنَّا حركة شبابية، لم نكن مُسجَّلين بوصفنا منظمةً غير حكومية، ولم نكن نريد العمل مثل المنظمات غير الحكومية العادية.

ماذا ستجد إذا بحثت عن بغداد في جوجل؟

لورا: وماذا عن جهود السلام الأخرى في المدينة؟

نوف: في السنوات القليلة الماضية، بدأنا نرى الكثير من الحركات المختلفة في بغداد، بعد سنوات عديدة من رؤية الفاعلين المسلحين والحروب والجنود، أراد الشباب رسم صورة أخرى للمدينة.

لذا، فلدينا الآن الكثير من الحركات حول التعليم والصحة والترفيه والرياضة والماراثونات وأندية القراءة. هناك حركة تُدعى "أنا عراقي، أنا أقرأ" وهي أكبر مهرجان للكتب، تبادل الكتب أو أخذها مجاني للجميع، وتُحضِر الحركة مؤلفين وكتاباً للتوقيع على الكتب.

لورا: ليست هذه بالضبط الصورة التي أعتقد أنها تنشأ في أذهان الكثير من الأمريكيين عند التفكير في بغداد.

نوف: يوماً ما، شعرت أنا وزين بالملل في المكتب، لذا فقد بدأنا بالبحث على محرك جوجل عن صور مختلفة. قلنا: "لنبحث في جوجل عن العراق"، وكانت جميع الصور عن الحرب. بحثنا عن بغداد، فوجدنا الأمر ذاته، ثم بعد ذلك بحثنا عن شيء شهير في جميع أنحاء العالم، وهو تمثال أسد بابل، وما وجدناه كان صورة لدبابة روسية طوَّرَتها العراق أثناء حرب نظام صدام حسين أطلقوا عليها اسم أسد بابل.

أنا عراقية من بلاد الرافدين ولديّ تاريخٌ طويل، وقد نشأنا في مدينة قديمة، حيث لكلِّ مكان وكل شارع تمر عليه تاريخ، لكنَّ وسائل الإعلام العالمية لا تتحدث عما يحدث في تلك الشوارع. وإنما يركزون على ما يقوله السياسيون ويتركون البقية ولا يظهرون الصورة الحقيقية للبلاد.

لورا: أريد أن أسألك عن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، وطريقة استجابة الناس في العراق. أعرف أنَّ لديكم مشكلاتكم الداخلية الخاصة، لذا فإنَّ ما يكتبه ترامب على تويتر في أي يوم من الأيام قد لا يكون أهم الأخبار بالنسبة لكم.

نوف: للأسف، هو كذلك.

فمنذ عام 2003 على وجه الخصوص، والعراقيون ليسوا هم من يتحكَّم في بلادنا. حتى الحكومة الحالية، لا نريدها، لكنَّ أحداً لم يسألنا قط، نحن ما زلنا ندفع بدمائنا في الوقت الذي يُعلِّم فيه بول بريمر التزلُّج على الجليد، ويعيش حياةً بسيطة بعد تدمير بلادنا، حسبما قرأت في مقالة عن ذلك الأمر منذ بضعة أشهر (عيَّنَت إدارة بوش بول بريمر، عام 2003، ليكون رئيساً لسلطة الائتلاف المؤقتة، التي أدارت العراق المحتل بعد الغزو الأمريكي وكان مسؤولاً عن القرار الكارثي بحل جيش المستبد صدام حسين).

والآن يخشى العراقيون أن يدفعوا ثمن الصراع الأمريكي الإيراني

لورا: ما رأيك في الأخبار التي تفيد بأنَّ الولايات المتحدة تُخطِّط لنشر 1500 جندي إضافي في الشرق الأوسط؟

زين: لو انتهى بهم الحال قادمين إلى العراق، حيث لدينا الكثير من الميليشيات المؤيدة لإيران، فإنني أخشى حدوث تصادم، لا أريد تصادماً. ربما يموت بعض الجنود في حربٍ بين الولايات المتحدة وإيران، لكنَّ الكثير من المدنيين العراقيين سوف يموتون أيضاً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. بصراحة، كل ما حدث منذ عام 2003، غريب بالنسبة لي. لماذا غزت الولايات المتحدة العراق؟ ثم قالوا إنهم يريدون المغادرة والآن يريدون العودة؟ لا يمكنني أن أفهم ما تفعله الولايات المتحدة.

وهم يراهنون أن ترامب لا يحب سوى المال

نوف: ترامب رجل أعمال، لذا فإنه يهتم بالمال وكيف سينفقه، لن يفعل شيئاً ما لم يكن متأكِّداً من أنه سوف يحصل على شيءٍ في المقابل.

لورا: هذا يذكرني بالطريقة التي استخدم بها ترامب التوترات المتزايدة في المنطقة من أجل تجاوز الكونغرس ودفع صفقة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار مع السعودية والإمارات.

نوف: بالضبط. أعني أنه كان يطلب من العراق أن تدفع للولايات المتحدة تكاليف الاحتلال العسكري الأمريكي في العراق! هل يمكنكِ تخيُّل ذلك؟ هكذا يفكر.

لورا: وسط هذه التوتُّرات المتصاعدة، ما هي رسالتك إلى إدارة ترامب وإلى الجمهور الأمريكي؟

زين: أقول لحكومة الولايات المتحدة إنَّك ستخسرين شيئاً ما في كل حرب، حتى لو فزت تخسرين أموالاً، وأشخاصاً ومدنيين وقصصاً… ينبغي لنا أن نرى الجانب الآخر من الحرب، وأنا متأكِّدٌ من أنَّنا يمكن أن نفعل ما نريد من دون حرب، بالنسبة للجمهور الأمريكي أعتقد أنَّ رسالتي أن يقاوموا الحرب، حتى الحرب الاقتصادية.

نوف: بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة سوف أقول: من فضلكم لا تتدخَّلوا في شؤوننا، اتركوا بقية العالم وحده، أما بالنسبة للشعب الأمريكي فأعتقد أنني سوف أقول لهم: أنا آسفة، أعرف ما تشعرون به من جراء عيشكم في بلدٍ يحكمه ترامب، لقد كنت أعيش تحت حكم نظام صدام، وما زلت أتذكَّر ذلك، لديّ زميلة أمريكية جاءت باكية إلى المكتب في اليوم الذي فاز فيه ترامب، كنت أنا وشخصٌ سوري في المكتب معها، وقلنا لها: "لقد مررنا بذلك من قبل، سوف تتجاوزين ذلك".

هل تسبق حروب ترامب احتفالات العراق؟

في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول 2019، سوف تحتشد نوف عاصي وزين محمد وآلاف من الشباب العراقيين الآخرين في حديقة على نهر دجلة للاحتفال بالذكرى الثامنة لمهرجان بغداد دار السلام.

وفي غضون ذلك، في الولايات المتحدة، من شبه المؤكَّد أن الأمريكيين سيعيشون تحت التهديدات شبه اليومية بالحرب من إدارة ترامب (إن لم تكن الحرب نفسها) مع إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، والله أعلم أي دولة أخرى. وقد أظهر استطلاع رأي أجرته Reuters/Ipsos مؤخراً أنَّ الأمريكيين يرون على نحو متزايد أنَّ حرباً أخرى في الشرق الأوسط أمر لا مفر منه.

إذ يقول أكثر من نصف أولئك الذين استُطلِعَت آراؤهم إنَّ من "المحتمل للغاية" أو "المحتمل إلى حدٍّ ما" أن تخوض بلادهم حرباً مع إيران "خلال السنوات القليلة القادمة"، لكن كما تعرف نوف وزين تمام المعرفة، فإنَّ من الممكن دائماً العثور على خيار آخر.

تحميل المزيد