ما زال عدد سكان الأرض ينمو بشكل سريع، فمن المتوقع أن نصل إلى 10 مليارات شخص بحلول عام 2060، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، بعد أن كنا في عام 1900 فقط 1.65 مليار شخص، فهل ستضيق الأرض بنا حينذاك؟ وهل عددنا أكبر من اللازم؟
معدلات نمو لم يسبق لها مثيل
- في عام 1900 كان الوضع مختلفاً تماماً. إذ لم يكن لدينا هواتف ذكية، ومعظمنا لم يكن يمتلك سيارات، ولم يكن بإمكاننا السفر إلى جميع أنحاء العالم بالطائرات.
- وكان عدد سكان الأرض يبلغ حوالي 1.65 مليار شخص آنذاك. ولكن مع حلول عام 2000 ارتفع عدد السكان إلى 6.1 مليار.
- وفي العام الجاري 2019 من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بواقع 1.5 مليار شخص آخرين، أي أنَّ تلك الزيادة الأخيرة وحدها تقارب عدد سكان العالم الإجمالي في عام 1900.
- وقد ذكر ديفيد كولمان، أستاذ الديموغرافيا في معهد أكسفورد لتقدم متوسط أعمار السكان، أنَّ "معدل النمو لم يسبق له مثيل على الإطلاق".
- وما زال عدد السكان ينمو، فمن المتوقع أن نصل إلى 10 مليارات شخص بحلول عام 2060، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
- وحيئنذٍ، ستبلغ الكثافة السكانية 20 شخصاً لكل كيلومتر مربع، بما في ذلك جميع المناطق الموجودة على كوكبنا، ومن بينها تلك التي تعد غير صالحة للسكن حالياً.
هل هذا العدد أكبر من اللازم؟
- يُمثِّل هذا السؤال محل جدل مثير، لكنَّ بعض الخبراء يعتقدون أن التركيز على عدد الأشخاص فقط ليس أفضل طريقة للإجابة عن السؤال.
- إذ يقول ديفيد ساترثويت، وهو زميلٌ أول في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، لموقع صحيفة Metro البريطانية: "عدد السكان ليس هو الذي يؤدي إلى التدهور البيئي أو زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.. بل عدد المستهلكين ومستوى استهلاكهم".
- مع أنَّ عدد "السكان" و "المستهلكين" لا ينمو بمعدلاتٍ متساوية، إذ يزداد العدد في بعض القارات بوتيرةٍ أسرع من البعض الآخر.
- فبينما يزدهر معدل نمو السكان في إفريقيا، تشهد معظم أنحاء أوروبا نمواً سكانياً بطيئاً أو معدوماً. إذ قال البروفيسور كولمان: "تقل نسبة سكان أوروبا من إجمالي سكان العالم".
- وأضاف: "كانت تلك النسبة تبلغ الربع تقريباً في عام 1900، لكنَّها من المتوقع الآن أن تصل إلى حوالي 6% أو 7% في نهاية القرن (الحادي والعشرين)".
فرق كبير بين "السكان" و "المستهلكين"
- يُعد المستهلكون الأوروبيون من المصادر الرئيسية لانبعاث الغازات الدفيئة، في حين أنَّ بعض البلدان في إفريقيا، وكذلك الهند والصين، تُسبِّب انبعاث قدرٍ أقل من الغازات الدفيئة.
- إذ قالت ديانا إيفانوفا، من معهد أبحاث الاستدامة في كلية الأرض والبيئة بجامعة ليدز: "يبلغ متوسط البصمة الكربونية (إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية) للمستهلك الصيني طنين من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً.. أمَّا المستهلك العادي في الولايات المتحدة، فيبلغ متوسط بصمتة الكربونية حوالي 20 طناً".
- وأضافت: "في حين أنَّ متوسط البصمة الكربونية للمستهلك العالمي يتراوح بين 3.5 طن و4 أطنان مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي أنَّ السياق مهم، وسلوكيات الاستهلاك الفردية مهمة أيضاً".
- ويرجع الجانب الأكبر من معدل النمو السريع في عدد السكان في جميع أنحاء إفريقيا والهند إلى نقص وسائل منع الحمل وخدمات الصحة الجنسية الجيدة.
- إذ قال ساترثويت: "إذا أتِيحَت الخدمات الجنسية والإنجابية والصحية الجيدة للجميع في كل أنحاء العالم، فسوف يساعد ذلك في خفض عدد السكان".
- لكنَّ تحسين الوعي بالصحة الجنسية في إفريقيا والهند يُمكن أن يتلاشى مفعوله أمام زيادة الاستهلاك في الصين، التي تمكنت من التحكم في النمو السكاني باتِّباع سياسة الطفل الواحد.
- وبدلاً من مثل هذا الإجراء الوحشي وحرمانك من حق اختيار حجم أسرتك، يمكن أن يساعد إطلاق حملةٍ توعوية في السيطرة على عدد سكان العالم المتضخم. إذ قالت إيفانوفا: "إذا استثمرت الدول جهودها في تعليم الفتيات وتنظيم الأسرة، سترى تغيراً سريعاً في القرارات المتخذة بشأن عدد الأطفال في الأسرة".
هل تجدي البرامج التوعوية نفعاً؟
- ثمة مؤشراتٌ مبكرة على أنَّ مثل هذه البرامج التوعوية تُجدي نفعاً، فصحيحٌ أنَّ عدد سكان العالم ينمو، لكنَّه ينمو بوتيرةٍ أبطأ من معدل زيادته في الأعوام الخمسين الماضية. إذ بلغ معدل نمو سكان العالم ذروته في عام 1970 تقريباً بوصوله إلى 2.1% في السنة.
- لكنَّ قيمته في الوقت الراهن انخفضت إلى نصف هذه القيمة تقريباً، بفضل عدة عوامل مثل حبوب منع الحمل، وزيادة الوعي بأثر النمو السكاني السريع في بيئتنا، وتحسين الوعي بالصحة الجنسية وكيفية إطعام الأسرة.
- وما زال انخفاضه مستمراً، إذ تقدر الأمم المتحدة أنَّ معدل النمو السكاني سينخفض مرةً أخرى إلى نصف القيمة الحالية، ليصل إلى حوالي 0.5% بحلول منتصف القرن الجاري، ومن المتوقع أن يصل إلى 0.1% فقط بحلول عام 2100.
- لكنَّ حتى هذه القيمة المنخفضة للغاية تُمثِّل مشكلة، إذ جاء في دراسةٍ نُشِرَت في عام 2014: "فحتى بافتراض وصول معدل الوفيات العالمي إلى حدٍّ كارثي وبلوغه ملياريْ حالة وفاة في غضون فترةٍ مُفتَرَضة بـ 5 سنوات في منتصف القرن الحادي والعشرين، سيصل عدد السكان إلى حوالي 8.5 مليار شخص بحلول عام 2100".
- وأضافت: "ستتعرَّض إفريقيا وجنوب آسيا لأشد الضغوط البشرية على النظم البيئية المستقبلية، فالزخم الديموغرافي الكبير للنوع البشري يعني أنه لا توجد أدوات سياسية سهلة لتغيير حجم السكان تغييراً كبيراً على مرِّ العقود القادمة، وبدون حدوث انخفاض شديد وسريع في خصوبة الإناث، سيستغرق الأمر قروناً، ويبقى الهدف طويل الأجل غير واضح".
إنَّه مكتظٌّ بنا وبأشيائنا
- ولعل عالم البيئة الأسترالي بول غيلدنغ قد أوضح ذلك بصورةٍ أكثر بصراحة حين قال: "كوكب الأرض مكتظ.. إنَّه مكتظٌّ بنا وبأشيائنا ونفاياتنا ومطالبنا".
- وأضاف: "صحيحٌ أننا من الأنواع الرائعة والإبداعية، لكننا أنتجنا أشياء أكثر من اللازم، لدرجة أنَّ اقتصادنا أصبح أكبر من كوكبنا، وللاستمرار في العمل بمستوانا الحالي، نحتاج إلى زيادة كوكب الأرض بنسبة 50% إضافية".
- وشبَّه وجهة نظره بما يجب على الحكومات فعله تجاه شركةٍ تواجه خطر الإفلاس حين يتحقق التغيير "الذي كان يبدو مستحيلاً". ودعا إلى اتخاذ إجراءاتٍ فورية.
- وهو ليس وحده في هذا الرأي، إذ يتفق معه كولمان قائلاً: "لا أرى أي فائدة في إضافة المزيد من الأشخاص إلى عدد سكان يصل إلى 7.5 مليار نسمة، وينمو في بعض الحالات بوتيرة أسرع النمو الاقتصادي أو بنفس سرعته على الأقل".
- وأشار إلى اليمن، الذي يعد أول دولة في العالم من المحتمل أن تنفد منه المياه اللازمة لري عطش سكانه.
- وقد يكون اليمن مجرِّد بداية لدولٍ أخرى ستعاني مشكلاتٍ مستقبلية قادمة؛ إذ أصبح نقص المياه أمراً شائعاً في غرب الولايات المتحدة وجبال روكي، وقد تفاقم بسبب أنماط الاستهلاك غير الرشيدة من جانب المزارعين ومزارعي العنب.
كثرة الاستهلاك ستجعلنا أتعس
- وقال كولمان: "الناس واسعو الحيلة، وسيبذلون قصارى جهدهم لإدارة الموارد، لكنَّ الأمر سيكون صعباً في بعض المناطق". وأضاف: "صحيحٌ أنَّ جميع حكوماتنا تقريباً قد وقعت على أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بتغير المناخ، وأنَّ الزعماء يحاولون حل مشكلة الزيادة المستمرة في عدد السكان والاستهلاك، لكنَّ حل المشكلة سيتطلَّب مجهوداتٍ أكبر من جانب الحكومات".
- وقالت إيفانوفا: "لقد خُدِعنا جميعاً بفكرة أنَّ الاستهلاك سيجعلنا أشخاصاً أسعد، إذا كنت أتمنى شيئاً ما، فهو أن يصبح الناس أوعى باحتياجاتهم الخاصة وتلبية احتياجاتهم بطريقةٍ أكثر اهتماماً باللبيئة المحيطة بهم".
- وإذا لم يحدث ذلك، ستؤدي زيادة عدد السكان إلى زيادة الاستهلاك مما سيسفر عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
- وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تأثير ذلك في عالمٍ يزداد سخونةً بالفعل يمكن أن يجعل بعض الأماكن غير صالحة للسكن، ومن المفارقة أنَّ هذه الأماكن هي نفسها التي تشهد أكبر نمو سكاني.
- إذ قال كولمان: "إذا ازداد عدد الناس بقدرٍ كبير سيجدون صعوبةً أكبر في العيش هناك، ومن المنطقي تماماً حينئذٍ أن نجد أشخاصاً يتخذون القرار العقلاني للغاية بمغادرة الأماكن التي تزداد صعوبة العيش فيها".
ما الحد المثالي الذي يمكن أن تتحمله الأرض إذا؟
ومن جانبه توصَّل أندرو هوانغ، الأستاذ في كلية الصليب المقدس، إلى بعض البيانات التي توضح أنَّ "الأرض لا يمكنها أن تتحمَّل سوى خُمس سكانها الحاليين، أي 1.5 مليار شخص، إذا أراد الجميع أن يحظى بمستوى المعيشة الحالي في الولايات المتحدة".
وإذا كان ذلك صحيحاً، فهناك خياران:
1- أن تتحمل القدرة الاستيعابية للأرض فوق طاقتها، ما يؤدي إلى زيادةٍ حادة في الأمراض وموت الأطفال الرضع بسبب نقص الموارد، وتراجع عدد السكان.
2- أن يتغير مستوى المعيشة الحالي في الولايات المتحدة والدول المماثلة تغيُّراً ملحوظاً، ويعيش الناس بنمطٍ أكثر صداقةً للبيئة.
وكدليلٍ على ذلك، يحتاج الشخص البالغ إلى أقل من خمسة لترات من الماء يومياً من الناحية البيولوجية، لكن في عام 2010، وُجِد أنَّ كل شخص بالغ في الولايات المتحدة يستخدم ما متوسطه 4 آلاف لتر من المياه يومياً يستخدمها في أغراض كثيرة.
ولذلك، فإذا كان عدد المستهلكين، وليس عدد السكان، هو الذي يُحدِّد "مدى اكتظاظ" الأرض، فإنَّ تحديد ما إذا كان الكوكب قريباً من الاكتظاظ أم مكتظاً بالفعل أم أنه تجاوَزَ نقطة اللاعودة يعتمد على الرقم الذي تقرأه.