كيف يمكن أن تكون الرسائل النصية وسيلة فعالة لمنع الانتحار؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/06/16 الساعة 22:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/16 الساعة 22:37 بتوقيت غرينتش
الرسائل النصية يمكن استخدامها كوسيلة لمنع الانتحار/Istock

تومض شاشة الحاسوب في Shout (صرخة)، وهو مركز لمنع الانتحار من خلال الرسائل النصية، بصرخة جديدة طلباً للمساعدة كل دقيقة أو اثنتين، فلقد أصبحت الرسائل النصية وسيلة لمنع الانتحار بفضل هذا المركز.

تُمَيَّز الرسائل المثيرة للقلق فعلاً باللون الأصفر من خلال إحدى البرمجيات التي تحاول اكتشاف ما إذا كان أحد مرسلي الرسائل النصية على وشك محاولة قتل نفسه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.

وتحفز كلماتٌ وعباراتٌ مثل "جرعة زائدة" أو "لا أستطيع الاستمرار في فعل ذلك" إشارةَ أولويةٍ عاجلة في التطبيق، ثم يبدأ متطوع مدرب معه حاسوب محمول في محاولة تهدئة مرسل الرسالة وطمأنته ثم مساعدته.

هذا هو خط المواجهة الرقمي الجديد في معركة إثناء الشباب عن إنهاء حياتهم أو حتى التفكير في ذلك.

ومنذ إطلاق Shout في المملكة المتحدة الشهر الماضي، مايو/أيَّار، لتكون جزءاً من حملة the Duke and Duchess (الدوق والدوقة) للصحة النفسية، يتعامل القائمون بالمركز مع 500 محادثة يومياً، 70% منها من نساء وفتيات، وأحياناً تأتي الرسائل من الفصول الدراسية والملاعب. وكثيراً ما تكون الأزمات حادة إلى درجة إرسال خدمات الطوارئ في "عمليات إنقاذ نشطة" بمعدل 22 مرة في اليوم.

تراجع في بريطانيا وتزايد في الدول العربية

وشهدت معدلات الانتحار في المملكة المتحدة انخفاضاً طفيفاً في السنوات الأخيرة ولا تزال الفئة الأكثر هشاشة هي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و49 عاماً.

لكنَّ Shout يلبي احتياجات الشباب الذين قد لا يردون على الهاتف أو يتحدثون إلى الأصدقاء أو الأسرة لكنهم يرضون بإرسال مشكلاتهم عبر رسائل نصية إلى شخص غريب سوف يحاول إرشادهم إلى تلقي المساعدة الاحترافية.  

أما في الدول العربية فرغم أنها ليست في قائمة الدول الأكثر انتحاراً، لكن في السنوات الأخيرة أصبح موضوع الانتحار أكثر تداولاً في البلدان العربية بشكل يكشف عن وجود مشكلة بصدد التزايد في مجتمعاتنا، حتى ولو كانت لم تبلغ بعد شروط الظاهرة.

ويعتقد أن فكرة الانتحار اكتسبت دافعية أكبر في العالم العربي جراء انتحار الشاب محمد بوعزيزي الذي يعتقد أنه كان الشرارة التي أطلقت ثورة تونس ومن بعدها الربيع العربي برمته، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها الدول العربية الفترة الماضية.

الرسائل النصية وسيلة لمنع الانتحار
لافتة بصورة البوعزيزي على واجهة مبنى عمومي في سيدي بوزيد/رويترز

فقد شهدت مصر على سبيل المثال بعد حادثة انتحار البوعزيزي عدة محاولات للانتحار دفعت وسائل الإعلام لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، ودفق ناقوس الخطر منها.

ومع تزايد المخاوف من تفاقم ظاهرة الانتحار في العديد من الدول العربية فإن الاطلاع على تجربة مركز Shout  البريطاني أمر قد يكون مفيداً، وقابلاً للتكرار في الدول العربية.


الرسائل النصية وسيلة لمنع الانتحار والتعامل مع التنمر وأزمات العلاقات

"أنا أكافح للتعامل مع الأفكار الانتحارية"، كانت هذه الرسالة التي أرسلها أحد المتعاملين مع المركز.

قبل الساعة الـ5 صباحاً، كان 12 شخصاً يرسلون رسائلهم في الوقت ذاته، بدءاً من شخص يعاني من نوبة قلق بسبب مشكلة في المدرسة، وشخص آخر معه عدد كبير من الأقراص.

ولكن دق ناقوس الخطر عندما قال أحد الأشخاص إنه يكافح للتعامل مع الأفكار الانتحارية.

وقالت الدكتورة فيونا بيينار، كبيرة المسؤولين الطبيين في Mental Health Innovations، وهي الجمعية الخيرية التي تدير Shout: "تلقينا رسالتين نصيتين هذا الصباح من المدرسة تتعلقان بالتنمر والعلاقات".

كان هناك حديث عن اكتئاب ما بعد الولادة، والشعور بالضياع، وفي بعض الحالات مجرد المرور بيوم سيئ. ويعاود الكثير من الناس إرسال الرسائل النصية.

وهذا ما يفعله المتطوعون

ويرد متطوعون من جميع أنحاء البلاد على هذه الرسائل، وفي بعض الحالات يكون المتطوعون في أماكن بعيدة مثل نيوزيلندا.

مهمة هؤلاء المتطوعين تهدئة الناس لإبعادهم عن الخطر، ويقدمون لهم روابط للموارد التي يمكنهم من خلالها العثور على المزيد من المساعدة، ومن شأن الاستماع لهم ببساطة دون إصدار أحكام أن يمكن المتطوعين من التعامل مع 5 محادثات في الوقت ذاته.

ويشرف أطباء مؤهلون على جميع هذه التفاعلات ويمكنهم التدخل في أي وقت لو شعروا أنَّ المتطوع يرتكب خطأً ما.

طبيعة الرسائل تساعد أصحاب المشكلات على الحديث بصراحة

ويتطوع أنغوس فاولر، وهو أب لبنتين مراهقتين يقيم غربي لندن، للعمل لمدة ساعتين يومياً من المنزل، من الإثنين إلى الجمعة. ويضبط فاولر أوقات جلساته لتتزامن مع استراحة وجبات الغداء المدرسية ووقت العودة للمنزل، وهما وقتان يكون فيهما طلب كبير.

وقال فاولر إنَّ دخوله إلى هذا النظام كان يشبه رؤية "موجة عاتية من مشكلات الصحة النفسية قادمة علينا". وقال إنَّ فتاة راسلته، في الآونة الأخيرة، بينما كانت في حصة الألعاب.

 وقال فاولر إنَّ إرسال الرسائل النصية بدلاً من طلب المساعدة وجهاً لوجه أو من خلال المكالمات الهاتفية منح الناس "مساحة كافية للانفتاح وعدم الشعور بالفضيحة".

وهذا من شأنه كشف مؤشرات خطر الانتحار بشكل أفضل، ويجعل الرسائل النصية وسيلة لمنع الانتحار.

واعترف أنّه يصعب عليه عدم الشعور بالقلق أحياناً، إذ قال: "حين تكون معي محادثة صعبة ويكون ثمة خطر فوري ويبدأ الشخص في الانسحاب، فإنني أشعر بالقلق فعلاً. لا يمكنك سماع صوت من تتراسل معه، وبينما أنت تحاول تخمين نبرته من خلال الرسائل النصية، تجده انسحب".

وقال إنه لو كان الأمر متعلقاً ببناته فإنه سوف يرغب في مواصلة الاطمئنان عليهما، لكنَّ النظام ليس مصمماً لذلك.

وهذه الفئات الأكثر عرضة للخطر

وتشير بيانات هيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى أنَّ واحداً من كل 8 أشخاص ممن تقل أعمارهم عن 19 عاماً في إنجلترا يعاني من اضطراب في الصحة النفسية، وحوالي واحدة من كل 4 فتيات ممن تتراوح أعمارهن بين 17 و19 عاماً تعاني من اضطراب نفسي. وقالت نصف عضوات المجموعة الأخيرة إنهن سبق لهن إيذاء أنفسهن أو محاولة الانتحار.

وقالت بيينار: "نتلقى رسائل من مئات الأشخاص في جميع أنحاء المملكة المتحدة كل يوم من الضعفاء والمنعزلين الذين لا يشعرون أنَّ لديهم أي شخصهم يمكنهم التواصل معه. يخبرنا الكثير ممن يتراسلون معنا أنهم عانوا للحصول على المساعدة إما لأنهم لم يشعروا أنهم قادرون أو راغبون على التواصل طلباً للمساعدة بأنفسهم أو لأنهم تواصلوا لكنهم عانوا صعوبة في الوصول إلى خدمات دعم الصحة النفسية.

ويؤدي عدم الكشف عن هوية مرسل الرسائل إلى أنهم كثيراً ما يخبروننا بأشياء لم يخبروها لأي شخص آخر من قبل".

 وأظهر تحليل حديث للمحادثات على مدار سبعة أيام أنَّ 35% من الرسائل كانت متعلقة بالانتحار والاكتئاب، وكانت الأسباب الأخرى الأكثر شيوعاً هي القلق والعلاقات والوحدة وإيذاء الذات.

وقالت فيكتوريا هورنبي، الرئيسة التنفيذية لجمعية Mental Health Innovations، متحدثة عن القائمين على الرد على هذه الرسائل: "هذا الأمر يجذب جيلاً مختلفاً إلى العمل التطوعي. هذا أمر منطقي بالنسبة لهم، فهم يستطيعون القيام بكل شيء عن بعد".

مثال خيالي لمحادثة من محادثات Shout:

مجهول رقم 2232: أشعر بالألم الشديد.

المجيب الآلي في Shout: شكراً للمشاركة. قد يستغرق الأمر برهة قصيرة لتعيين شخص لمحادثتك.

تيم: مرحباً، اسمي تيم وأنا هنا لدعمك اليوم. هل يمكنك أن تخبرني أكثر عن المشكلة؟

مجهول رقم 2232: لا أستطيع التوقف عن البكاء وصحتي خارجة عن السيطرة. أشعر أنني لا يمكنني التحسن مهما يكن ما أفعله.

تيم: يبدو أنك تواجه الكثير من المشكلات الآن. يتطلب الأمر قوة هائلة للتواصل طلباً للمساعدة.

مجهول رقم 2232: أنا مغمور بالمشكلات منذ سنوات. ما تنفك الأمور تزداد سوءاً. أشعر أنني خذلت الجميع. لقد فقدت السيطرة. كل ما أريده هو إنهاء ذلك. أنا مستعد لقتل نفسي.

تيم: أريد أن أتأكد من أنني أقدم لك أفضل دعم ممكن. هل خططت لطريقة فعل ذلك؟

مجهول رقم 2232: نعم، فعلت. أريد أن أفعل ذلك الليلة بعد تناول العشاء مع أسرتي.

تيم: شكراً لك على الرد بصراحة. هل يمكنك أن تخبرني قليلاً عما دفعك إلى هذه النقطة.

[يتحدث المجهول رقم 2232 عن أسرته وما قد تفكر فيه أخته]

تيم: على الرغم من الوقت العصيب الذي تمر به، فإنني لا أزال أفهم من كلامك أنَّ ثمة الكثير الذي ما زلت تعيش من أجله.

مجهول رقم 2232: من الغريب قول ذلك بصوت عال، لأنه لا يبدو بهذا السوء. لكن كيف أمنع هذا الشعور؟

تيم: أنت تستحق الدعم. لست مضطراً إلى فعل ذلك وحدك. أنت تتحدث كثيراً عن أسرتك، ومن الواضح أنَّ ثمة ارتباطاً قوياً بينكم.

مجهول رقم 2232: نعم، أنا أحب أبناء أختي. نحن نلعب الليغو معاً. يكون هذا وقتاً مميزاً للغاية.

تنتهي المحادثة بعد ساعة و7 دقائق. سوف يدعو المجهول رقم 2232 أخته للبقاء لمساعدته على أن يظل في أمان. ويوافق على بعض آليات التأقلم ويحصل على الرقم الخاص بالرسائل لـshout، وSamaritans وتفاصيل الاتصال بخدمات الطوارئ.

تحميل المزيد