من المقرر أن ترسل مشاة البحرية الملكية البريطانية قواتها إلى الخليج لحماية السفن الحربية البريطانية، فيما يزداد احتمال نشوب صراع بين إيران والغرب، في أعقاب الهجمات على ناقلتي نفط الأسبوع الماضي.
وقالت مصادر عسكرية، بحسب صحيفة The Times البريطانية، إن مئة من مشاة البحرية من وحدة 42 كوماندو، المتمركزة بالقرب من بليموث، سيشكلون قوة للرد السريع، تُدعى Special Purpose Task Group 19. وسيؤدون مهمتهم من سفن تابعة للبحرية تجوب المنطقة من قاعدة بحرية بريطانية جديدة في البحرين.
ويأتي نشر هذه القوات في الوقت الذي ينضم فيه مسؤولون بريطانيون من الجيش والمخابرات إلى تحقيق دولي في هجوم الأسبوع الماضي الذي تعرضت له ناقلات نفط بالقرب من مضيق هرمز، والذي حمّلت أمريكا وبريطانيا الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته.
وسيناقش مسؤولو الجيش والأمن القومي دور بريطانيا في الأزمة الإثنين 17 يونيو/حزيران في اجتماع طارئ لغرفة الإحاطة التابعة لمكتب مجلس الوزراء.
خلاف داخلي في بريطانيا.. وقد اندلعت حرب كلامية في نهاية هذا الأسبوع بين جيريمي كوربين، الذي زعم عدم وجود "أدلة دامغة" تربط إيران بهجمات الناقلات، ووزير الخارجية جيريمي هنت، الذي اتهم زعيم حزب العمال برفض "دعم حلفاء بريطانيا أو المخابرات البريطانية أو المصالح البريطانية".
القوة البحرية ستتجه إلى البحرين خلال أسابيع
ومن المتوقع أن تتوجه قوات مشاة البحرية الملكية إلى البحرين في غضون أسابيع. وسيؤدون مهمتهم وهم على متن سفينة Cardigan Bay المساعدة التابعة للأسطول الملكي، مستخدمين الزوارق السريعة والمروحيات لحماية السفن الحربية التابعة للبحرية الملكية والسفن التجارية البريطانية.
وقال مسؤول أمني بريطاني إن الخبراء سيساعدون في تحديد الطبيعة الدقيقة للمواد التي استخدمت في الهجمات، التي تنفي إيران تنفيذها.
وقال المسؤول: "سيُجرى تحليل المقذوفات لتحديد نوع المتفجرات المستخدمة. وسيكون الخبراء البريطانيون على استعداد لتقديم الدعم الفني والمساعدة في التحليل الجنائي".
لا مجال للأخطاء في مياه مضيق هرمز
ولا يوجد مجال للأخطاء في مياه مضيق هرمز الزرقاء الدافئة. إذ أن ممراته الملاحية، التي يبلغ عرضها ثلاثة كيلومترات فقط، مليئة بناقلات تحمل النفط الخام من خصمي الخليج اللدودين: إيران على أحد الجوانب، والإمارات العربية المتحدة على الجانب الآخر.
وحمّلت أمريكا، الأسبوع الماضي، طهران مسؤولية الهجوم الذي وقع على ناقلتين في خليج عمان، قرب مضيق هرمز. ويخشى المحللون والدبلوماسيون من الدخول في دائرة من العنف المتبادل يصعب وقفها.
وأي توترات في هذا الجزء من المياه، مهما بلغت ضآلة تأثيرها المنشود، قد تأتي بثمن باهظ. إذ يمر ثلث إمدادات النفط الخام في العالم عبر المضيق، على طول ما كان يُعرف سابقاً بساحل القراصنة، حيث كان بعض اللصوص المحليين يهاجمون سفناً تابعة للبحرية الملكية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وجاءت إحدى اللحظات المهمة في الأزمة الحالية عندما نشرت أمريكا مقطع فيديو يُظهر ما يبدو أنهم -الإيرانيين- وهم يزيلون لغماً بحرياً من إحدى الناقلات المُدمَّرة. ولكن تظل هناك أسئلة كثيرة دون جواب. وقال مُسيِّر إحدى الناقلات إن"جسماً طائراً" ضربها وليس انفجار لغم.
أسباب توتر الأوضاع.. وترجع هذه المواجهة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية التي أبرمتها مع إيران عام 2015 وتجديد العقوبات التي تدمر الاقتصاد الإيراني، مما أطلق دعوات في طهران للانتقام.
وقال دبلوماسيون يعملون لإنقاذ الصفقة النووية إن طهران تحاول أن تظهر لأمريكا وحلفائها أنهم لا يستطيعون تضييق الخناق عليها، وأنه بإمكانها شن حملة "ضغوط هائلة" بمفردها. وتحاول الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهما من ألد أعداء إيران، تخفيف حدة هذا التصعيد.
وقال جيريمي هانت، وزير الخارجية البريطاني، يوم الجمعة، إن قوله "بصحة" تقييم المخابرات الأمريكية الذي خلص إلى أن إيران كانت وراء هجمات يوم الخميس 13 يونيو/حزيران في الخليج كان افتراضه، لكن بريطانيا كانت تجري تحقيقاتها الخاصة.
الحقائق الكاملة ليست متاحة.. وتحدث مصدر عسكري كبير في لندن بحذر أيضاً، إذ أخبر صحيفة The Sunday Times أن الحقائق الكاملة لحادث يوم الخميس "ليست متاحة بأي حال".
وقال المصدر إن اكتشاف ما حدث للناقلتين كان تحدياً، نظراً لعدم تمكن أي من القوات البحرية الأمريكية أو البريطانية من الذهاب على سطحهما.
ومن المتوقع أن تجتمع لجنة أمن غرفة الإحاطة التابعة لمكتب رئيس الوزراء في وايتهول، غداً، للاطلاع على الأزمة وخطة إرسال قوات المشاة البحرية.
ويريد قادة البحرية من قوات المشاة البحرية تعزيز قدرة البحرية على اكتشاف القوارب الصغيرة التي يُتهم الإيرانيون باستخدامها لمهاجمة الناقلات وإصابتها.
هدف القوات البريطانية إبعاد التهديدات الإيرانية
المهمة الحقيقية.. وقال مصدر عسكري إنه من المرجح أن وجود مشاة البحرية بالمدافع الرشاشة على ظهر السفن الحربية أو السفن التجارية سيبعد أي زوارق إيرانية سريعة تحاول التسلل إليهم.
وبالإضافة إلى سفينة Cardigan Bay، يوجد لدى بريطانيا أيضاً سفينة HMS Montrose وفرقاطة Type 23 وأربع كاسحات ألغام في الخليج. وهناك حوالي 500 من الأفراد العسكريين البريطانيين، بمن فيهم طواقم هذه السفن، يعملون في قاعدة المملكة المتحدة في البحرين.
واستمرت البحرية الملكية في التخطيط لمهمة "قوة الحماية" لعدة أسابيع بسبب تصاعد التوترات مع إيران.
ومع ذلك، لم يُعلن عن المهمة رسمياً، لأن وزارة الدفاع لا تريد أن تظهر بمظهر من يصعد الموقف.
إذ قالت الوزارة: "نُشرت هذه القوات لغرض تدريبي معد له مسبقاً ولا يرتبط بأي حال بالوضع القائم في خليج عمان".
ما مدى خطورة هجوم الأسبوع الماضي على ناقلات النفط في الخليج؟
إن أي هجوم على ممرات شحن النفط الرئيسية في العالم يمثل تهديداً لإمدادات الطاقة والسلام. ولكن هناك بدائل أكثر للنفط الخليجي مقارنة بالماضي، ومنها النفط الصخري الأمريكي، والطرق الأخرى لناقلات النفط، بما في ذلك خطوط الأنابيب المؤدية إلى خليج عمان، لذلك قد يكون التهديد رمزياً فحسب.
وخلص تحقيق أولي أجرته السعودية والإمارات والنرويج، الشهر الماضي في هجوم مماثل، إلى أنه كان "عملاً حكومياً". وتقول مصادر أمنية إن إيران هي المسؤولة بلا شك.
لكن لا تريد إيران حرباً شاملة.. فالحرب الشاملة قد تدمر الجمهورية الإسلامية. وبالنظر إلى اقتصادها المدمر بالفعل بسبب العقوبات، فإنها بالكاد تستطيع تحمل تكاليف القوات الأمنية، ناهيك عن التكلفة العالية للمواجهة العسكرية. ويقول دبلوماسيون يعملون على إنقاذ الصفقة النووية التي أجهضها دونالد ترامب إن طهران تحاول أن تظهر أنه لا يمكن تضييق الخناق عليها.
ما الخطوة التالية؟
وبالرغم من هذه الجعجعة، من المرجح أن يلجأ الغرب إلى الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية المتبقية في جعبته قبل اللجوء إلى القوة. إذ جاء ترامب إلى السلطة بعد أن وعد بعدم الانخراط في حروب أخرى في الشرق الأوسط. وقد يكون سلاحه الأفضل هو ألا يسمح للغضب بالسيطرة عليه.