في الشهر الماضي، أورد موقع Middle East Eye البريطاني، أنَّ ثلاثة من علماء الدين بالسعودية، وهم الشيخ سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، سيصدر بحقهم حكم بالإعدام بعد شهر رمضان. واستشهد التقرير بمصدرين من الحكومة السعودية، وواحد من أقارب العلماء المعتقلين.
ويواجه العودة والقرني والعمري في الوقت الحالي اتهامات بالإرهاب، وفي انتظار محاكمة في المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض.
ما الذي يخشاه ولي العهد السعودي من هؤلاء الثلاثة؟
أثار اعتقال الشيوخ الثلاثة، وهم شيوخ "وسطيون"، في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2017، جوقة من الإدانات من الخارج، وكانت الأمم المتحدة من بين هذه الأصوات إلى جانب العديد من المنظمات مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية.
ومنذ صعود ولي العهد، دفعت مخاوفه من انتقال النشاط الثوري الموجود في المنطقة إلى السعودية، السلطات في الرياض لشنِّ حملة قمع ضد الإسلاميين التابعين لحركة الصحوة في المملكة، بحسب موقع LobeLog الأمريكي.
من منظور ولي العهد، تُمثل احتمالية أن تنافسه الحركة على السلطة وهي تعمل خارج سيطرته تهديداً غير مقبول، ليس فقط على الشرعية الإسلامية للملكية السعودية، بل على استمرارها أيضاً.
يُعاقب العودة -الذي قضى نصف التسعينيات خلف القضبان لأنَّه ساند التغيير السياسي في المملكة- على تغريدته التي قال فيها إنَّه يتمنَّى حلاً للأزمة القطرية، بعد وقت قصير من محادثة هاتفية بين محمد بن سلمان وأمير قطر، في الثامن من سبتمبر/أيلول من عام 2017.
وقع القرني أيضاً في مشكلات بعد دفعه لإعادة العلاقات الودية بين الرياض والدوحة.
أما العمري، وهو داعية تلفزيوني معروف، ويتمتع بشعبية واسعة بين الشباب السعوديين، فقد وجَّه إليه المدعي العام السعودي تهمة "تأسيس منظمة للشباب لتنفيذ أغراض إرهابية داخل المملكة"، بالإضافة إلى 29 تهمة أخرى على الأقل، وأوصى بتوقيع أقصى العقوبات عليه.
محمد بن سلمان جسَّ نبض المجتمع الدولي
ستوضح هذه الإعدامات أكثر أنَّ محمد بن سلمان يتجاهل الضغط الخارجي فيما يتعلق بملف المملكة في حقوق الإنسان. يمكننا القول إنَّ إعدام 37 مواطناً سعودياً معظمهم من الشيعة، في شهر أبريل/نيسان، كان بمثابة جسِّ نبض ليرى كيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة.
وإذا وضعنا في اعتبارنا غياب أي ضغوطات ذات قيمة على القيادة السعودية من البيت الأبيض طوال قضية خاشقجي، فعلى الأرجح سيتحلى ولي العهد بالجرأة الكافية ليتصرف دون الخوف من أي عواقب، مثل رد فعل عنيف من إدارة ترامب.
في حال صدور حكم بالإعدام بحق العودة أو القرني أو العمري، فقد يُعزز هذا فكرة أنَّ القيادة الأمريكية الحالية لا تبالي بملف الرياض في حقوق الإنسان، أو استهداف المنشقين في الخارج، مثل إياد البغدادي في النرويج.
هناك أبعاد جيوسياسية مهمة في قضية هؤلاء العلماء الثلاثة
العودة والعمري والقرني ليسوا منشقين أو ثوريين، لم ينادِ أيٌّ منهم بتنحِّي العائلة المالكة عن السلطة، وفي معظم حياتهم المهنية تجنَّبوا انتقاد آل سعود.
لكن عندما بدأ محمد بن سلمان إدخال تغييرات كبيرة على السلوك السعودي على الساحة الدولية لم يحصل على دعمهم.
سيكون إعدام الدعاة الثلاثة دليلاً قوياً على رفض الرياض لتهدئة الأوضاع مع الدوحة، وذلك باعتبار أنَّ الثلاثة عبَّروا عن تعاطفهم مع قطر، أو على الأقل دعمهم لإعادة العلاقات الودية بين السعودية وقطر.
على الأغلب سيكون لمصير هؤلاء الشيوخ الثلاثة تداعيات على العلاقة السعودية-التركية أيضاً. ففي 27 مايو/أيار، نشرت صحيفة Yeni Safak التركية خطاباً مفتوحاً إلى الملك سلمان، كتبه ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
حذر أقطاي العاهل السعودي من إعدام العودة والقرني والعمري. وكتب: "إعدام علماء المسلمين الذي أُعلن عنه مؤخراً سيجلب عليك المصائب، العلماء ورثة الأنبياء، وكل عالِم هو عالَم قائم بحدِّ ذاته. فموت عالم يعني موت العالَم، وقتل عالِم يعني قتل العالَم (أجمع)".
وقال مستشار أردوغان أيضاً إنَّ مصير العلماء السعوديين الثلاثة ليس مسألة داخلية تخص المملكة العربية السعودية وحدها.
وأضاف: "مسألة علماء المسلمين ليست قضية داخلية، العلماء محل التساؤل هم أصول يعترف بها ويحترمها المجتمع الإسلامي بأسره، فهم ليسوا ملكاً لك، هم كنوز عامة نهتم بنصائحهم، ومنارات بمعرفتهم ومواقفهم، جريمة اعتقالهم حتى ولو لساعة في الزنازين، ناهيك عن إعدامهم، كافية لتدمير حياة كاملة".
وطالب أقطاي في خطابه الملك سلمان باستخدام ثروات بلاده لتخفيف مشكلات العالم الإسلامي في أنحاء العالم، ودعم مساعي تركيا لتحقيق العدالة في قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي اغتاله العملاء السعوديون في إسطنبول في العام الماضي.
كيف سيؤثر إعدام العودة على علاقة الرياض بأنقرة؟
أظهر خطاب مستشار أردوغان احتراماً للملك سلمان، لكنه لم يخاطب محمد بن سلمان.
تحاول الدائرة المحيطة بأردوغان التمييز بين الملك سلمان، ومحمد بن سلمان، على سبيل المثال بالتأكيد في وقت مبكر من قضية خاشقجي أن الملك سلمان ليس متورطاً، أو عندما تبادل أردوغان تهاني عيد الفطر مع الملك سلمان، في شهر يونيو/حزيران.
يحاول أردوغان استخدام علاقته بالعاهل السعودي، ويطلب عفواً عن العودة والقرني والعمري، لكي يمنع ما سيعتبره كثير من المسلمين السنة إقحافاً كبيراً.
قد تريد تركيا الحصول على رضا الملك السعودي في الوقت الذي تنادي فيه المنصات الإعلامية السعودية بحملة مقاطعة للمنتجات التركية. كما يحرص المسؤولون في أنقرة على منع إلحاق أضرار أخرى بالعلاقات الثنائية، مما قد يضر بتركيا مالياً بصورة بالغة، وينبع هذا من قلقهم من مدى الضرر الذي سيلحق بتركيا إذا سحبت السعودية استثماراتها من البلد.
إذا تدخل الملك سلمان للعفو عن الشيوخ الثلاثة، فمن الممكن أن يساعد هذا التطور في تقليل التوترات في علاقة المملكة بتركيا، وإذا لم يحدث هذا فقد تشهد أنقرة والرياض تصاعداً في حدة الخلاف بينهما.