يعتزم مجلس الشيوخ الأمريكي التقدم بمشروع قانون، يجبر إدارة الرئيس دونالد ترامب على الضغط على إسرائيل، كي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأمنية التي ستنطوي عليها بعض الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، فيما يبدو أنه مؤشر على وجود تيار في واشنطن، بدأ يضيق في العلاقة الحميمة بين تل أبيب وبكين.
ففي الوقت الذي أعلن فيه ترامب الحرب الاقتصادية على الصين، تعمل كل من إسرائيل -الشريك الأساسي لواشنطن – والصين على توطيد علاقاتهما بشكل غير مسبوق، حتى توقعت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن تحتلّ الصين مكان الولايات المتحدة، كأكبر مصدر للاستثمارات الخارجية في إسرائيل.
ما حجم العلاقة بين الصين وإسرائيل؟
تمكن التنين الصيني من التغلغل داخل المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، حيث اقتحمت عشرات الشركات الصينية خلال العقد الأخير السوق الإسرائيلية، إما بشكل مستقل أو عبر شراكات مع شركات محلية.
تركز الاهتمام الصيني في إسرائيل على مجالات التكنولوجيا ووسائل النقل والبنى التحتية والزراعة والإنتاج الغذائي.
ففي عام 2014 استحوذت شركة صينية على الحصة الأكبر من أسهم "تنوفا"، وهي الشركة الرائدة في مجال منتجات الألبان بإسرائيل.
وصل حجم الاستثمار الصيني في إسرائيل لحدٍّ غير مسبوق عام 2016، فقد تضاعف الاستثمار المباشر للصين في إسرائيل ثلاث مرات تقريباً ليصل إلى 16 مليار دولار.
في عام 2017، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة بكين، ووقّع اتفاقات ثنائية بقيمة 25 مليار دولار، وأوضح نتنياهو أنَّ الصين تساهم في ثُلث الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة في بلاده.
لم يطل انتظار نتائج هذه الزيارة، ففي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018، زادت الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 62% مقارنة بعام 2017، فيما ازدادت الواردات من الصين إلى إسرائيل بـ10% في عام 2018.
الضربة القوية التي قطفتها بكين في إسرائيل هي فوز شركة "SIPG" الصينية بمناقصة لتوسيع ميناء حيفا، على أن ينتهي العمل في المشروع عام 2021، ثم تتولى الشركة الصينية إدارة الميناء، لمدة 25 عاماً.
ويبدو أن الطمع الصيني لم يتوقف، حيث تسعى شركات صينية إلى الاستحواذ على شركة التأمين الإسرائيلية العملاقة (فينيكس) وشركة اتصالات فضائية مدنية إسرائيلية كبرى، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست.
في المقابل، لدى الصين احتياجات في مجالات التكنولوجيا، التجديد، المياه، الغذاء، الطب، والبيئة، ولدى إسرائيل التفوق النسبي الإسرائيلي فيها، كما أن بكين تستفيد بشكل كبير في تطوير أسلحتها واستغلال تفوق إسرائيل التقني، حتى إن قيمة الصادرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية إلى الصين تتراوح ما بين بضع عشرات ملايين إلى بضع مئات ملايين الدولارات سنوياً.
المخاوف الأمريكية من النفوذ الصيني في إسرائيل
كانت واشنطن تراقب هذه العلاقة القوية بين حليفتها إسرائيل وعدوتها الصين بقلق، لكن يبدو أن واشنطن بدأت تدرك خطورة هذا النفوذ، فقد أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، إلى بداية شعور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالضيق من تلك العلاقات، لاسيما في ظلِّ الحرب التجارية المستعرة بين الأخيرة وبكين.
أكثر ما يقلق واشنطن هو التخوف الأمني الكبير من تشغيل الصين لميناء حيفا (شمال)، لمدة 25 عاماً، اعتباراً من 2021، حيث يشكل هذا الميناء نقطة رسو للأسطول الأمريكي السادس منذ سنوات، بحسب قناة "كان" الإسرائيلية (رسمية).
وحذَّر مسؤولون أمريكيون، العام الماضي، إسرائيل من أن الولايات المتحدة ستتوقف عن استخدام الميناء، حال تم تطبيق التعاقد مع الشركة الصينية.
ونقل عاموس هارئيل أحد كتاب صحيفة هآرتس العبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم "إن الأمريكيين انفجروا غاضبين في وجوهنا، وقالوا إن الولايات المتحدة لن تقبل أن تكون صديقة لدولة تبني الصين لها موانئها".
ونسب هارئيل إلى مختصين أمريكيين عملوا سابقاً في وزارة الدفاع القول إن "إسرائيل فقدت عقلها عندما سلمت مفاتيح ميناء حيفا الجديد للصين، وعندما تتولى الشركات الصينية إدارة الميناء، فلن تتمكن البحرية الإسرائيلية من الحفاظ على علاقاتها الوطيدة مع الأسطول السادس الأمريكي".
هل ستتضرر العلاقة بين إسرائيل وأمريكا بسبب التنين الصيني؟
من المتوقع أن يصادق مجلس الشيوخ على المشروع بأغلبية كبيرة، بحسب القناة الإسرائيلية، وهذا من شأنه أن يجبر إدارة ترامب على ممارسة مزيد من الضغوط على إسرائيل لضبط الاستثمارات الصينية.
وفي حال نفَّذ البنتاغون تهديده، وأوقف استخدام ميناء حيفا، فإنها ستعاقب إسرائيل بهذه الخطوة.
ليس من السهل على إسرائيل أن تعلق العمل بشكل كامل مع الصين، ولا أن تسحب منها كل الاتفاقيات التي تم توقيعها في السنوات الماضية، فتل أبيب تعلم جيداً أن بكين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المحتمل أن تتفوق على أمريكا في السنوات المقبلة، وبالتالي لا تريد أن تخسرها للأبد.
لكن في نفس الوقت، لا تستطيع إسرائيل أن تستمر في هذه العلاقة الحميمية مع بكين، في وقت أعلن فيه ترامب الحرب الاقتصادية على الصين، وبالتالي فإن تل أبيب لا ترغب أيضاً في إزعاج حليفتها واشنطن، وخسارة الدعم غير المحدود المقدم لها.
هذا المأزق قد يدفع إسرائيل لإعادة رسم علاقتها مع كلا الجانبين، يمكنها التضحية ببعض الامتيازات التي تمنحها لها أمريكا، في مقابل أن تستمر العلاقات الحالية مع بكين، مع عدم التوسع أكثر في الاستثمارات، فالعلاقة بين الصين وإسرائيل، "زواج صنع في الجنة"، كما وصفها نتنياهو.