تنتشر في مختلف دول العالم، العديد من الشركات التي نسمع بها منذ عقود، والتي تعود ملكيتها إلى عائلة واحدة، لا تزال تحافظ على مكانتها في المجتمعات وتحقق مزيداً من الأرباح، إضافة إلى أن أفراد العائلة يتوارثون هذه الشركات عبر الأجيال.
فمثلاً لدى اليابان العديد من أقدم الشركات في العالم، حتى أن هناك كلمة باللغة اليابانية تشير إلى الشركات التي كانت موجودة منذ أكثر من قرن من الزمان وقد حافظت على ملكيتها داخل نفس أفراد العائلة الواحدة، واستمرت في ممارسة نفس الأعمال خلال تلك الفترة، ويطلق عليها شركات "راسخة".
تمتلك كيوتو، العاصمة السابقة لليابان، أكبر نسبة من هذه الشركات التي تعود إلى قرون من الزمان، وهي تعمل في القطاعات التقليدية مثل صنع الكحوليات وصنع الحلويات والفنون والحرف اليدوية.
على سبيل المثال، يبلغ عمر شركة Gekkeikan التي تصنع الساكي (مشروب ياباني) 400 عام تقريباً ويديرها 14 جيلاً متتالياً من عائلة أوكورا، بينما تكمل شركة Sasaya Iori عامها الـ 303 لتصنيع وبيع الحلويات.
سر نجاح هذه الشركات على مدار عقود طويلة من الزمن
قابل موقع BBC Mundo الإسباني الأشخاص الذين يديرون هذه الشركات الراسخة لفهم علاقتهم مع المجتمع المحلي.
أحد أسرار نجاح هذه الشركات هو تركيزها وحفاظها على التقاليد في المجتمع، فتهتم ببيع الحرف التقليدية، ما يجعلها تجسد وتعيد إنتاج قيم المجتمع المحلي.
وعلى الرغم من أن البيئة السوقية تمتاز بطبيعة متقلبة وفقدان القيم، إضافة إلى الأذواق المتغيرة للمستهلكين بسبب محاكاة الغرب في اليابان، وزيادة المنافسة من الشركات الكبرى التي تعمل على المستوى الدولي، إلا أن الشركات الراسخة تعمل كالحراس الذين يحمُون التقاليد المحلية.
التزام هذه الشركات برفاهية المجتمع هو أيضاً من الأسرار التي تتمتع بها هذه الشركات، حيث تتكامل الشركات الراسخة بشكل كبير مع المجتمعات التي تقع فيها، بالإضافة إلى الحفاظ على ملكية العائلة وجودة المنتج.
على سبيل المثال، وفقاً لممثل حكومة كيوتو المحلية الذي نتحدث معه، فإن معظم مالكي ومديري الشركات الراسخة يفعلون شيئاً لمساعدة المجتمع المحلي، مثل دعم مهرجان جيون الشهير.
الأرباح قصيرة الأجل ليست مهمة
ومن الأسباب التي تجعل الشركات الراسخة تدوم طويلاً هي أنها تركز بشكل كبير على طول العمر والتقاليد، وينعكس هذا في الطريقة التي يتم بها تنظيم هذه الشركات، كما أخبرنا يامادا، رئيس شركة Unsoudou، وهي شركة عمرها 128 عاماً وتنتج منحوتات خشبية وكتباً فنية.
يقول يامادا: "عادة، في الشركة، يَشغَل المدير التنفيذي هذا المنصب لمدة عامين أو أربعة أعوام، وتتمثل مهمته في تلبية توقعات المساهمين في تلك الفترة القصيرة".
أضاف: "نحن لا نعرض إجراءاتنا علناً، طريقتنا في المضي قدماً هي عكس ذلك، نحن لا نريد تحقيق أرباح قصيرة الأجل".
على الرغم من اختلاف أحجام الشركات الراسخة، فإن العديد منها تعطي الأولوية للوفاء بالتزاماتها الحالية بدلاً من السعي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل أو نمو سريع، وإذا نمت، فيعود ذلك بالأساس إلى الحفاظ على هذه الالتزامات.
من خلال هذه الالتزامات، تلعب الشركات الراسخة دوراً في منع التآكل الثقافي في المجتمعات المحلية.
في المقابل، يدعمها المجتمع بمكانة اجتماعية عالية، مما يولد الكثير من المبيعات في خضم ضغوط السوق.
تحذر الشركات الراسخة أيضاً من أن تحيد عن النهج الأصلي، فهم يستمرون في التوازن بين فرص الابتكار والحفاظ على التقاليد.
كما يقول يامادا: "أنا ممتن لأسلافي، لأننا نمارس الأعمال التجارية بما تركوه لنا، أنا مقتنع أنه إذا كانت هناك فرصة عمل، فأنا لا أرفضها، لكنني لا أعتقد أن اغتنام هذه الفرصة هو الخيار الأفضل دائماً، هذا مجرد جزء صغير من تاريخ طويل، الشيء المهم هو إنشاء مشروع تجاري يمكن أن يصمد ويعيش لفترة طويلة".
الجانب المظلم للنجاح
نكتشف أيضاً أن هناك جانباً مظلماً لنجاح الشركات الراسخة؛ إذ ذكرت ما لا يقل عن نصف الشركات الـ 17 التي قابلناها صعوبات في الحفاظ على مكانتها الاجتماعية العالية، فقد شعروا بالضغط من أقرانهم لعدم الابتكار (والتركيز فقط على الحفاظ على التقاليد) واضطروا إلى تقديم تضحيات شخصية للحفاظ على استمرارية عائلاتهم وأعمالهم.
هذا ما أخبرنا به تاكايا، نائب رئيس Shioyoshiken، شركة الحلوى التي تأسست عام 1884: "في الشركات الراسخة، الشركة هي نفسها العائلة، نحتاج إلى التضحية برغباتنا ومشاعرنا الخاصة وما نريد القيام به، نحن لا نواصل العمل لأننا نحب هذه الصناعة بشكل خاص، عمل عائلتنا في صناعة الحلوى جاء مصادفة، الشيء المهم هو الاستمرار في الصناعة كما هي".
في بعض الأحيان، يثبِّط الجيل السابق في العائلة، الابتكارات، لاهتمامه بالحفاظ على التقاليد، أو تثبطها الشركات المماثلة المعنية بالحفاظ على تقاليد الصناعة ككل.
في النهاية، نجد أن هذه الشركات تحقق مثل هذه الحياة الطويلة من خلال تضحيات طويلة الأجل، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسة.