في نهاية الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي أصابت وسط هونغ كونغ بالشلل التام طوال 79 يوماً في عام 2014، ترك المتظاهرون وراءهم ملصقاتٍ رسموا عليها مظلة ورسالة تقول: "سنعود".
الحدث: والآن بعد أكثر من أربع سنوات، حققوا هذا الوعد. فمنذ مساء يوم الثلاثاء الماضي 11 يونيو/حزيران، يتدفق الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع المحيطة بمقر حكومتهم. وأغلقوا الطرق، وبنوا حواجز، واحتلوا العديد من المناطق نفسها التي كانت تحت الحصار في أثناء الاحتجاجات السابقة، والمعروفة كذلك باسم "حركة المظلة"، وهي حملة من أجل تحقيق "الديمقراطية الحقيقية" في الانتخابات. وكما حدث في عام 2014، اشتبك المتظاهرون مع شرطة مكافحة الشغب وتعرَّضوا لسلسلةٍ من قنابل الغاز المسيل للدموع، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ما السبب: لكنَّ المظاهرات الحالية مختلفة في عدة جوانب أساسية؛ فالمتظاهرون اليوم أقل مثالية بكثير وأكثر تهكُّمية. وهم يضغطون من أجل هدفٍ محدد، وهو إلغاء مشروع قانون التسليم المقترح الذي يسمح لبكين بتسلُّم المجرمين المزعومين من هونغ كونغ، التي تعد منطقةً إدارية تابعة للصين يُفترض أن تعمل بدرجةٍ عالية من الحكم الذاتي في ظل وجود نظامٍ قانوني وقضائي خاص بها وصحافة حرة وإنترنت بلا قيود.
"اختطاف قانوني" للنشطاء
ومن جانبها تقول الصين إنَّ الغرض من القانون الجديد هو مكافحة الجريمة، وإنَّه لن يُستخدم لأغراض سياسية. لكنَّ بعض النقاد يقولون إنَّه سيكون بمثابة "اختطاف قانوني" للنشطاء والمعارضين وغيرهم من منتقدي النظام الصيني، الذين يتخذون من هونغ كونغ قاعدةً لهم منذ فترة طويلة.
وعلى مرِّ السنوات الأربع الماضية منذ انتهاء مظاهرات المظلة، سجنت حكومة هونغ كونغ ناشطين، واستبعدت مُشرِّعين منتخبين مؤيدين للديمقراطية، وأنشأت بنيةً تحتية باهظة التكلفة تربط هونغ كونغ ربطاً مادياً وثيقاً بالبر الصيني الرئيسي، بينما اختطفت قوات الأمن الصينية بعض بائعي الكتب المستقلين في المدينة.
وقالت فيكتوريا هوي، وهي أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة تتابع سياسات هونغ كونغ: "هذه في الأساس تراكمات غضبٍ مكبوت انفجر الآن. الأمر لا يقتصر على هذا القانون فقط، بل يتعلق بمزيجٍ من كل الأفعال التي قامت بها بكين لتقويض حرية هونغ كونغ".
وقد يكون دعم الاحتجاجات أوسع مما كان عليه في عام 2014؛ إذ أضربت مئات الشركات، وكذلك المعلمون وأولياء الأمور في جميع أنحاء المدينة، عن العمل والدراسة يوم أمس الأربعاء 12 يونيو/حزيران. وفي يوم الأحد الماضي يونيو/حزيران، تظاهر ما يُقدَّر بمليون شخص ضد مشروع القانون، الذي يعارضه محامون وقضاة ومصرفيون استثماريون وبعض الكنائس. وقد وصف الكثيرون النضال ضد مشروع قانون التسليم بأنَّه "المعركة الأخيرة" للمدينة من أجل الدفاع عن حريتها وهويتها المستقلة عن الصين، بحسب الصحيفة البريطانية.
التظاهرات هذه المرة مختلفة
ومن بعض الجوانب، يُعَد المتظاهرون في هونغ كونغ أفضل تجهيزاً من المرة السابقة. ففي مساء يوم الثلاثاء وصباح يوم الأربعاء قُبيل بدء جلسةٍ نقاشية صباحية في المجلس التشريعي حول مشروع القانون، عبَّأوا الإمدادات اللازمة -كالغذاء، والمياه، ومجموعة الإسعافات الأولية، وكذلك أقنعة الوجه والمظلات للحماية من الغازات المسيلة للدموع- ونقلوها إلى أولئك الذين يخوضون المواجهة ضد الشرطة في الصفوف الأمامية. وعند رؤية المحتجين المحيطين بالمجمع الحكومي، أجَّل المسؤولون الاجتماع، في خطوةٍ تعد بمثابة فوزٍ للمتظاهرين.
بيد أنَّ السلطات كذلك صارت أذكى الآن. وخوفاً من السماح للمتظاهرين بالتسلل إلى وسط المدينة واحتلاله مرة أخرى، اتخذت الشرطة رد فعلٍ أسرع وأقوى، فهاجمت المتظاهرين وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع الرصاص المطاطي. فيما ألقى المحتجون الغاضبون مواد البناء على الشرطة وشتموا أفرادها. وفي حالةٍ واحدة على الأقل، ضرب أفراد الشرطة أحد المتظاهرين بالهراوات، وفقاً لمقاطع فيديو منشورة على الإنترنت. وذكرت قناة RTHK أنَّ 72 شخصاً نُقِلوا إلى المستشفى، بينهم اثنان في حالةٍ خطرة. ونجحت الشرطة في إخلاء المناطق المحيطة بالمجمع التشريعي من المحتجين، بحسب الصحيفة البريطانية.
الخلاصة: جديرٌ بالذكر أنَّ آراء أهالي هونغ كونغ والمجتمع الدولي في العصر الحاضر صارت أكثر حدةً بشأن بكين، التي ما زالت عالقةً في نزاعاتٍ مع الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب قضايا تجارية، وشركة هواوي، وحقوق الإنسان. ومشروع قانون تسليم المجرمين يفاقم هذه التوترات.
إذ انتقدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ودولٌ أخرى مشروع قانون تسليم المجرمين، فيما ردَّت بكين بإلقاء اللوم على "القوى الأجنبية" في تضليل أهالي هونغ كونغ ومحاولة زعزعة استقرار الصين. يُذكَر أنَّ السلطات الصينية حجبت العديد من المواقع الإخبارية الأجنبية قبل اندلاع المظاهرات في هونغ كونغ، بما في ذلك موقع صحيفة The Guardian البريطانية، والعديد من الصحف الأمريكية، وصحيفة Toronto Star.
وفي هونغ كونغ، يعتقد القليلون أنَّ مشروع القانون سيُعلَّق بالفعل، بالرغم من تدفُّق المتظاهرين هناك؛ إذ كررت بكين دعمها للقانون، وتعهدت كاري لام، الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ، بمواصلة المُضي قُدماً في إجراءات إقراره.
وقالت فيكتوريا هوى: "حتى لو لم تستطِع قوة الشعب إيقاف مشروع القانون، فإنهم يريدون أن يظهروا للعالم كله وكاري لام وبكين… أننا نهتم بشؤوننا، وأننا لن نُهزَم دون قتال".