عادت قضية الخبير التقني اللبناني نزار زكا، المسجون في إيران منذ عام 2015، بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، تبرز بشكل كبير من جديد، وذلك بعد أنباء لبنانية وإيرانية أكدت أنه سيتم الإفراج عنه مساء يوم الثلاثاء 11 يونيو/حزيران 2019، بعد توافقات بين حكومتَي البلدين، فما هي حكاية زكا؟
دعوَه لمؤتمر في طهران واختطفوه
في سبتمبر/أيلول عام 2015، دُعي المواطن اللبناني الحاصل على إقامة دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية نزار زكّا رسمياً إلى طهران، لحضور مؤتمر اقتصادي دولي دعته إليه مستشارة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، شهيندخت مولاوردي، قبل أن تعلن السلطات الإيرانية عن توقيفه بتهم تجسّس لصالح الولايات المتحدة الأميركية، والحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريمه أربعة ملايين دولار.
وادَّعت طهران التي نفت في البداية عملها باختفاء زكا، بأنّه "كان ينوي تنفيذ مشاريع لاختراق المجتمع الإيراني، بالتعاون مع السلطات الأمريكية"، فيما تنفي عائلته هذه الاتهامات، وتؤكّد أنّه اختفى بُعيد الانتهاء من مشاركته في المؤتمر الاقتصادي الإيراني.
زكا مواطن لبناني يحمل الإقامة الأمريكية الدائمة، تخرّج في أكاديمية "سايد ريفير" العسكرية الأمريكية عام 1985، ولديه ولدان يدرسان هناك حالياً.
كان مقيماً في العاصمة واشنطن ويترأس منظمة "آي سي تي" (اجمع)، وهو تكتل شركات من 13 بلداً يروج لتكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط، كما أنّه نائب رئيس "المنظمة العالمية لتكنولوجيا المعلومات والخدمات" (ويتسا).
وقد تولّت وسائل إعلام إيرانية ترويج "دعم زكا لتحالف قوى 14 آذار في لبنان، وتقرّبه من مسؤولين في السفارة الأمريكية في بيروت".
وكانت "المنظمة العربية للمعلوماتية والاتصالات" قد أعلنت عن اختفاء زكا الذي يتولّى منصب أمينها العام السابق، إذ لم تصل أي أخبار عنه منذ زيارته إلى العاصمة طهران، في سبتمبر/أيلول 2015.
مسؤولون إيرانيون: زكا "كنز أمريكا الخفيّ" وقد اعترف بالتهم
وكانت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، قد نشرت سابقاً معلومات وصوراً لزكا، وهو يرتدي بزة عسكرية، ويقف بالقرب من مسؤولين أمريكيين، واصفة إيّاه بأنّه "كنز أمريكا الخفي".
أما موقع "مشرق نيوز" الإيراني، فقد زعم أنّ "زكا تلقى تدريباً أمريكياً خاصاً، وحاول خلال زياراته المتعددة لإيران أن يتقرّب من بعض المسؤولين في التيارات السياسية".
فيما قال نائب رئيس الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني، مهدي سياري، في تصريحات صحفية، إنّ "زكا المعتقل في إيران منذ مدة، قدّم اعترافات بأنّه كان ينوي تنفيذ مشاريع لاختراق المجتمع الإيراني، بالتعاون مع السلطات الأمريكية".
ونقلت المواقع الإيرانية عن سياري قوله، إنّ "زكا اعترف أيضاً بحصوله على مبلغ يقدّر بثمانية ملايين يورو، بغية الدعم والارتباط بخمس عشرة جمعية ومنظمة غير حكومية ناشطة في مجال حقوق المرأة والأسرة"، وفق رواية الاستخبارات الإيرانية.
وقد تطرّق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارته العاصمة بيروت مطلع العام الحالي، إلى قضية زكا، مُعتبراً أنّ "الملف لا يُضرّ بالعلاقات بين البلدين، خصوصاً بعد إثبات مخالفته للقوانين الإيرانية"، على حدّ تعبيره.
طهران تناور بورقة زكا وتقرر الإفراج عنه
قضية زكا عادت للظهور على السطح، عندما أعلن الأخير ترشحه قبل شهرين للانتخابات الفرعية البرلمانية لملء المقعد السُّني الشاغر بطرابلس شمال لبنان، إذ طالب من داخل سجنه، وبحسب أسرته الدولة اللبنانية، بالنظر إلى قضيته والإفراج الفوري عنه.
ووسط حراك لبناني حثيث للإفراج عنه، أقرت واشنطن بأن زكا هو رهينة أمريكي محتجز في إيران، بحسب قائمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في إيران والتي أعلن عنها الكونغرس قبل عدّة أشهر.
وخلال الأسابيع الماضية، وجَّه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل رسالة لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، عبر سفير الأخير في بيروت طالب فيها طهران بإصدار عفو خاص بمناسبة شهر رمضان عن المواطن اللبناني الذي يحمل الإقامة الدائمة الأمريكية نزار زكا، وذلك بعد حراك طويل لعائلته، التي قالت إن زكا يتعرض لـ "ذُل" كبير في السجون الإيرانية.
ولم يكد يمضي شهر على الطلب اللبناني حتى استجابت له طهران، وقالت إنها قررت النظر في الإفراج عن زكا، إذ قال متحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء 11 يونيو/حزيران 2019، إن بلاده ستُسلم لبنان رجل الأعمال زكا.
فيما قال مدير الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، لرويترز، الإثنين 10 يونيو/حزيران 2019، إن إيران ستُفرج عن اللبناني المحتجز نزار زكا، وإنه سيعود معه إلى لبنان مباشرة بعد استكمال الإجراءات القضائية التي شارفت على نهايتها.
وأكد أن الإفراج عن زكا غير مرتبط بأي تبادُل للسجناء على نطاق أوسع كما أُشيع في بعض وسائل الإعلام، مشيراً إلى أنه سيتم اصطحاب زكا معه في طائرة خاصة إلى لبنان، وسينتقل معه مباشرة إلى قصر بعبدا.
فيما نشرت "رويترز"، في وقت لاحق، نقلاً عن مسؤول لبناني قوله، إن زكا غادر إيران إلى بيروت بصحبة مدير الأمن العام اللبناني.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية دعت في عام 2016 إلى إخلاء سبيل زكا، وقالت إنه محتجز ظلماً. فيما قالت مورغان أورتاجوس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، للصحفيين رداً على سؤال بشأن إطلاق سراح زكا: "نأمل حقاً أن تكون هذه التقارير دقيقة"، بحسب رويترز.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن مناورة طهران بورقة زكا كبادرة حسن نية مع واشنطن، إذ قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في أبريل/نيسان الماضي، لرويترز، إنه يقترح إجراء "حوار جاد" مع الولايات المتحدة بشأن تبادل محتمل للسجناء، لكنه لم يحدد هل سيكون زكا ضمن هؤلاء.
وتقول إيران إن عدداً من مواطنيها محتجزون ظلماً في الغرب، بينهم 56 على الأقل في الولايات المتحدة، وتطالب بالإفراج عنهم فوراً.
وأفرجت السلطات الإيرانية عن خمسة مواطنين أمريكيين في تبادُل للسجناء، بعد عام من إبرام اتفاق نووي بين إيران وقوى كبرى كان بمثابة تحسُّن حذِر في العلاقات بين واشنطن وطهران. لكن التوترات بين البلدين تصاعدت من جديد منذ انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي في عام 2018.