كانت قوات "الدعم السريع" في السودان هي المسؤولة منذ أيام عن شن الهجوم العنيف لقمع المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية والتحول للدولة المدنية، في العاصمة السودانية الخرطوم. و "الدعم السريع" هي قوةٌ شبه عسكريةٍ غير نظامية، تتهم بأنها ارتكبت فظائع جماعيةً في دارفور ومناطق أخرى من السودان.
وفي واقعةٍ مريرةٍ، أصدر حديثاً المجلس العسكري الانتقالي السوداني مرسوماً يطالب فيه بعثة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور (اليوناميد)، التي نشرت آلافاً من قوات حفظ السلام في دارفور منذ أكثر من عقدٍ مضى بهدف حماية المدنيين، بتسليم معسكراتها لحفظ السلام إلى القوة شبه العسكرية، إذ تعمل اليوناميد على تقليص بعثتها بدرجةٍ كبيرةٍ هناك، كما نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية.
يُذكَر أن الأمم المتحدة في طور جهودٍ جاريةٍ لإيقاف عمل بعثتها المضطربة لحفظ السلام -التي طالما واجهت انتقاداتٍ بالتقصير في أداء مهمتها لحماية المدنيين- بحلول الصيف القادم. وفي العام الماضي، بعد أن تعرّض لضغوطٍ من الولايات المتحدة للحدِّ من تكاليف حفظ السلام، أمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتقليصٍ مرحليٍّ للقوة التي كانت تبلغ أعدادها 16 ألفاً، مبرِّراً ذلك بتراجع النزاع المسلَّح واسع النطاق، رغم استمرار الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان.
التاريخ الدموي لقوات "الدعم السريع"
أُسِّسَت قوات الدعم السريع على يد جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني عام 2013 للتصدِّي للمعارضة في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وسحب "الدعم السريع" قواته من صفوف "الجنجويد" في دارفور، وهم مقاتلون اشتركوا مع القوات المسلحة السودانية في عملياتها عن طريق العنف وتعريض أكثر من 300 ألفٍ من سكان دارفور بين عامَي 2003 و2005 إلى مجاعةٍ وجفافٍ وأمراضٍ ناتجةٍ عن الصراعات.
وقادت القوة حملتَين ضد المعارضة في دارفور عامَي 2014 و2015، وفي أثنائها شنَّت القوات "هجماتٍ متكررةً على القرى، وحرقت المنازل ونهبتها، واعتدت على أهل القرى بالضرب والاغتصاب والقتل"، وفقاً لتحقيقٍ أجرته منظمة Human Rights Watch.
يقود القوة شبه العسكرية محمد حمدان دقلو، وهو قائدٌ سابقٌ في الجنجويد يُلقَّب بـ "حميدتي". وتشير التقارير أيضاً إلى أنَّ حميدتي، الذي تولَّى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، قد كوَّن علاقاتٍ وثيقةً مع عددٍ من القوى الكبرى في المنطقة العربية، مثل مصر والإمارات والسعودية. وقد شاركت قواته في التحالف العربي بقيادة السعودية للقتال بجانب الجنود السودانيين ضد الحوثيين في اليمن.
"الدعم السريع" تحتل مواقع قوات حفظ السلام
وبعد أن كان موالياً في السابق للرئيس السوداني عمر البشير، الذي خُلِع من منصبه في أبريل/نيسان المنصرم عقب شهورٍ من الاحتجاجات العامة، زعم حميدتي أنَّه قد تمرَّد على الزعيم السوداني في ذلك الشهر، رافضاً أمراً منه بفتح النار على المتظاهرين. لكن برحيل البشير عن الصورة، شنَّت قوات حميدتي غارةً دمويةً على المتظاهرين، يُزعَم أنَّها قتلت فيها ما يزيد على 100 مدنيٍّ، ما يُضعِف من آمال التحوُّل الديمقراطي في السودان.
وفي دارفور، أخلت الأمم المتحدة بالفعل 10 مواقع لفرق حفظ السلام. وتحصَّلت مجلة Foreign Policy على مراجعةٍ داخليّة من "اليوناميد" تُبيِّن أنَّ قوات الدعم السريع قد احتلت 9 من هذه المواقع، بما فيها معسكرات في برام بجنوب دارفور، حيث اتُّهِمت القوة شبه العسكرية بتعريض المدنيين لشتى أنواع الاعتداء الجسدي، بما في ذلك العنف الجنسي؛ ولبدو في شرق دارفور، حيث يُقال إنَّ مقاتلي قوات الدعم السريع والبدو قد ارتكبوا "أعمالاً إجراميةً، ومضايقاتٍ، وهجماتٍ ضد الفلاحين"، بحسب وثيقةٍ داخليةٍ اطَّلعت عليها مجلة Foreign Policy.
وحاليّاً، لا زالت الأمم المتحدة تملك نحو 4 آلاف من قوات حفظ السلام، بعد أن كان العدد يبلغ 6 آلاف في العام الماضي، بالإضافة إلى ما يقرب من 2300 شرطيٍّ. ومنذ صدور المرسوم، عطَّلت الولايات المتحدة خططها بإخلاء 13 معسكراً إضافياً من معسكرات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك أحد أكبر مقرَّاتها في مدينة نيالا. وقد أخطرت الجيش السوداني بأنَّها لن تمضي في عملية الإخلاء حتى تلغي الحكومة الانتقالية المرسوم، وتتعهَّد باستخدام المواقع لأغراضٍ مدنيةٍ فقط لا غير.