هيمنة سياسية أمريكية واستحواذ اقتصادي صيني وبقايا نفوذ استعماري.. هل تخلص روسيا القارة الإفريقية من تلك القيود؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/07 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/07 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي بوتين يصافح رئيس جنوب إفريقيا رامافوسا في قمة البريكس في جوهانسبرغ/ رويترز


لم تمتلك روسيا أبداً مستعمرةً إفريقية. فقد بقيت خارج المنافسة على إفريقيا، لتبدأ التعامل مع الدول الإفريقية فقط منذ بداية القرن التاسع عشر. ففي عام 1869 مثلاً، منح الروس إثيوبيا دعماً عسكرياً لتهديد أطماع البريطانيين في السيطرة على قناة السويس، وقد فعل الروس ذلك لأن بريطانيا كانت أحد أكبر منافسيها الأوروبيين.

وبحسب تقرير لموقع Quartz Africa الأمريكي، فروسيا لم تبدأ بتطوير علاقاتٍ دبلوماسية مع العديد من الدول الإفريقية إلا خلال الحرب الباردة التي بدأت في عام 1947، وكان هذا جزءاً من استراتيجية روسيا لمجابهة خصومها مثل الولايات المتحدة.

حددت الحرب الباردة علاقات الاتحاد السوفييتي السابق مع العديد من الدول الإفريقية لعدة عقود. وقد أعقبتها فترةٌ من الخمول النسبي، لكن مؤخراً أصبحت هذه العلاقات متزايدة الأهمية بالنسبة لروسيا وبالنسبة لبعض الدول الإفريقية أيضاً.

لماذا بدأت روسيا تهتم بإفريقيا وتبحث لها عن موطئ قدم هناك؟

الهدف الأساسي لروسيا في إفريقيا هو تأسيس نفوذٍ سياسي يتحقق عبر السيطرة على الثروات الطبيعية وتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي.

سياسة الصين في إفريقيا: النتيجةُ هي أن بعض الدول الإفريقية لم تعد بحاجةٍ للاختيار بين النهج الأمريكي أو الصيني للتطوير. ظاهرياً، تتمتع الصين بالعلاقات الأكثر براغماتيةً مع إفريقيا، فسياستها قائمةٌ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية أو عدم تحريض الدول الإفريقية ضد بعضها البعض. لكن أصبح من المستحيل بالنسبة للصين أن تمتنع عن استخدام قوتها العسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية.

سياسة أمريكا في إفريقيا: أما بالنسبة لأمريكا، فإن هدفها المطلق هو قلب توازن النفوذ الإقليمي في المنطقة لصالحها مع المحافظة على وصولها إلى ثرواتِ إفريقيا. يستكشف بحثي علاقات روسيا الحالية مع القارة الإفريقية، ويعاين البحثُ استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعديل موازين النفوذ العالمية بمجابهة النفوذ الأمريكي في إفريقيا ومحاولةِ تحقيق نفوذٍ اقتصادي يعادل النفوذ الصيني في القارة.

الهدف الأساسي لروسيا:  يبدو أن الهدف الرئيسي لروسيا هو نفوذها السياسي، ويتحقق هذا بالسيطرة على المصادر الطبيعية وتوفير الدعم العسكري والاستخباراتي. لكن وعلى الرغم من القيام بخطواتٍ هامة في هذا الاتجاه، فإن الاتحاد الروسي لا زال أقل نفوذاً من أمريكا والصين في القارة.

كيف تنظر إفريقيا للأمر؟.. من وجهة النظر الإفريقية، تشكل روسيا بديلاً استراتيجياً للسيطرة الأمريكية المنفردة على العالم، وبديلاً لدبلوماسية الصين الاقتصادية، وللنفوذ الباقي للدول الاستعمارية السابقة في إفريقيا.

تاريخياً.. كان لروسيا دور في دعم إفريقيا

خلال الحرب الباردة، قدم الروس دعماً دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً وتعليمياً للعديد من حركات التحرر الإفريقية. بما في ذلك حركات التحرر في الجزائر وأنغولا وجمهورية الرأس الأخضر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وغينيا ومدغشقر وساو تومي وبرينسيب وتنزانيا. بالنتيجة، حصل الكثير من الشبان الأفارقة على تعليمهم في موسكو.

بدأت روسيا بالتجارة والتعامل مع هذه الدول بشكل منتظم، فأرسلت ضباط المخابرات العسكرية لتأسيس حضورٍ قوي وضمان أن إفريقيا لن تكون تحت السيطرة المطلقة للغرب. طورت روسيا علاقاتها مع إفريقيا لدرجة أنها تفوقت على نفوذ القوى الاستعمارية خلال خمسينيات القرن الماضي.

بقي هذا النفوذ قوياً حتى وصول بوريس يلتسين للسلطة، فبين عامي 1990 و1999، تقلص النفوذ الروسي في القارة بشكل هائل، فقد أغلقت تسع سفارات وثلاث قنصليات روسية في إفريقيا، وتم تخفيض عدد الموظفين في وزارة الخارجية الروسية بشكل كبير، وأغلقت المراكز الثقافية الروسية وتم قطع العلاقات الاقتصادية، كما تم إيقاف برامج المساعدة الروسية السخية للقارة الإفريقية.

كل هذا تغير حين وصل بوتين إلى السلطة في عام 1999. فتحت قيادته، بدأت روسيا باستعادة قوتها الاقتصادية والسياسية في إفريقيا، فقد أعاد بوتين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع حلفاء روسيا السابقين في إفريقيا.

تسعى روسيا الآن لبناء تحالفات سياسية بالقارة السمراء

ويبدو أن  نية روسيا الأساسية هي بناء تحالفاتٍ سياسية عبر دعم الدول الإفريقية اقتصادياً وعسكرياً دون التدخل في شؤون حكمها الداخلية.

هدفها البعيد: بينما هدفها بعيد المدى هو أن تصبح القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يمكن أن تقف وراء مصالح إفريقيا في العالم، وأن تصبح قادرةً على الاعتماد على دعم القارة بالمقابل. هنا بعض المجالات التي تنشط فيها روسيا:

المصالح الاقتصادية: تسعى روسيا الآن إلى استثمار حقول النفط والغاز في إفريقيا وغيرها. وجزءٌ من الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى فيما يتعلق بالطاقة هو استخدام الشركات الروسية لإنشاء خطوطٍ جديدةٍ للتزود بالطاقة. فمثلاً استثمرت الشركات الروسية بقوة في صناعة النفط والغاز في الجزائر، كما أنها استثمرت في ليبيا ونيجيريا وغانا وساحل العاج ومصر.

كما أن روسيا وسعت مصالحها الإفريقية في مجال المعادن. ويأتي اليورانيوم- العنصر الرئيسي في صناعة الطاقة النووية- على رأس قائمة اهتماماتها.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم الشركات الروسية بإنتاج الألمنيوم في نيجيريا، وقد بنت محطات توليد الطاقة الكهربائية في أنغولا وناميبيا وبوتسوانا.

كما أن روسيا تجهز لبناء محطاتٍ لتوليد الطاقة النووية في مصر ونيجيريا والجزائر. هذه الاستثماراتُ هي أدواتٌ لتصبح روسيا جزءاً فاعلاً في قطاع الطاقة في إفريقيا.

كما حسَّنت روسيا علاقاتها التجارية مع شركائها الأفارقة، ففي عام 2009، أسست "لجنة تنسيق التعاون الاقتصادي" مع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى للمساعدة في تحفيز مصالح الاستثمار الروسية.

المصالح الدفاعية: لطالما كانت روسيا أحد المزودين الرئيسيين للقارة الإفريقية بالأسلحة. فخلال الحرب الباردة، اشترت العديد من منظمات التحرر المسلحة والدول الإفريقية (وبينها أنغولا وموزمبيق وزيمبابوي وزامبيا وغينيا) اشترت معداتٍ حربية من روسيا. ومؤخراً قامت روسيا بعقد صفقات أسلحة مع أنغولا، كما أن الجزائر ومصر وتنزانيا والصومال ومالي والسودان وليبيا كلها اشترت الأسلحة من روسيا. كما يقدم الروس التدريب والدعم العسكري.

المساعدات: تحت حكم بوتين، قامت روسيا بتقديم مساعداتٍ كبيرة لعدد من الدول الإفريقية بمعدل حوالي 400 مليون دولار سنوياً. حوالي 60% من المساعدات الروسية توزع عبر منظماتٍ دولية، أي عبر منظمات الإغاثة العالمية مثل برنامج الغذاء العالمي ووكالة الأمم المتحدة للاجئين. الـ40% الباقية تصل إلى إفريقيا في إطار التعاون المشترك. كما تقوم روسيا بالتبرعات لدعم قطاعات التعليم والرعاية الصحية والزراعة والبيئة والطاقة.

الخطر بالنسبة لموسكو يكمن في أنه كلما طورت علاقاتها أكثر مع الحكومات الإفريقية، ازداد احتمال أن تتضارب مصالحها مع إما المصالح الصينية أو الأمريكية أو كلتيهما.

تحميل المزيد