"المجلس لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة من الشعب، وأنتم لا تمثلون الشعب السوداني كله"، صدر هذا التهديد مؤخراً من المجلس العسكري، فلماذا يبدو العسكريون السودانيون متحمسين للديمقراطية بينما الثوار يرفضونها، وهل تعيد الانتخابات الإسلاميين لحكم السودان؟ أم تفوز بها قوى إعلان الحرية والتغيير، أم أن هناك قوى أخرى مؤهلة للحكم.
فكلما اختلف العسكر والمتظاهرون لوحوا لهم بالانتخابات، والتصريح الأخير صدر عن الفريق أول صلاح عبدالخالق سعد عضو المجلس العسكري الانتقالي الذي قال إن قوى الحرية والتغيير مهما علا صوتها لا تمثل الشعب السوداني كله".
ولم يكتف الجنرال بهذا الكلام بل الأخطر أنه اتهم السياسيين بعدم "الجدية والمراهقة".
إذ حذر عضو المجلس العسكري من انفلات الوضع الأمني في السودان وانزلاقه إلى مستنقع الفوضى، وقال إن في السودان أكثر من 8 جيوش تحمل السلاح، في إشارة إلى إمكانية تفجر الأوضاع في أية لحظة إذا "تعامل السياسيون بعدم جدية ومراهقة"، على حد تعبيره.
يأتي هذا عقب وصول المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود، نتيجة الخلاف الظاهري على نسب التمثيل في المجلس السيادي المقترح.
ومع استمرار الخلاف، تتزايد الأصوات التي تخرج العسكري السوداني بتقديم حل من جانب واحد، بينما مازال المحتجون يتمسكون باعتصامهم داخل ميدان القيادة العامة المستمر منذ 6 أبريل/نيسان.
الانتخابات المبكرة.. ورقة يستخدمها العسكر دائماً للتهديد
في مواجهة تهديدات الحراك بالتصعيد في الشارع، وتنفيذ عصيان مدني، كانت الانتخابات المبكرة هي الورقة التي لوح العسكري السوداني عدة مرات ولكن عاد للتأكيد عليها مؤخراً.
"حتى أن العسكريين حددوا موعد الانتخابات المقترحة".
إذ قال الناطق الرسمي باسمه الفريق شمس الدين كباشي في تصريحات صحفية إن المجلس يملك خيار الدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال 6 أشهر، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع المعارضة بشأن الهيكل العام لنظام الحكم الانتقالي.
في المقابل أكد تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير نجاح الإضراب الذي دعا إليه واستمر ليومين بنسبة 90%، مشيراً إلى أنّ الالتزام الشعبي الواسع بالإضراب مثّل تفويضاً واضحاً من المجتمع السوداني لقوى الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات في البلاد، وهو ما شجعهم للحديث عن العصيان إذا لم يرضخ المجلس العسكري لمطالبهم.
وقالت إنّ الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة يعتبر إجهاضاً لمسيرة التفاوض بين قوى التغيير والمجلس العسكري.
وقال القيادي في قوى التغيير صدّيق فاروق إنه "من غير المقبول أن يصعد المجلس العسكري فوق أكتاف الثورة السودانية".
وأضاف أن المجلس إذا لم يستجب لمطالب الشعب السوداني، فإنهم سيتجهون إلى العصيان المدني، مع التأكيد على سلمية الثورة".
ولكن لماذا تخشى قوى التغيير الانتخابات المبكرة؟
"قد تكون مدخلاً لعودة الإسلاميين للحكم"، هذا ما يخشاه الحراك السوداني من الانتخابات.
وهو ما يصفه القيادي بحركة "الإصلاح الآن" أسامة توفيق، بـ"الحالة النادرة" في عالم السياسية.
إذ يقول توفيق لـ"عربي بوست": "من النوادر التي لا تحدث إلا في السودان، أن العسكر يهددون الأحزاب السياسية بإجراء انتخابات مبكرة وذلك لأن 90% من الأحزاب لا وجود لها على أرض الواقع"، حسب قوله.
وأوضح أن 80% من الأحزاب السياسية السودانية الحالية لم تعقد مؤتمرها العام منذ زمن طويل، وهو ما يحاول المجلس العسكري استغلاله بالضغط عليها للقبول بالوضع الجديد.
دارفور يمكن أن تتفوق على الشمال والنيل في أي انتخابات
المستقبل لأبناء دارفور إذ أجريت انتخابات، حسبما يقول توفيق.
إذ يقول إن خارطة السودان السياسية ضبابية فغالبية الثقل الجماهيري بات في ولايات الغرب، ما يعني أن المستقبل لأبناء دارفور حيث يفوق عددهم السكاني 8 ملايين نسمة، بعكس الولايات الشمالية ونهر النيل التى لا يتجاوز سكانها 3 ملايين نسمة.
وقال إن دارفور أصبح يوجد بها قوى جديدة بخلاف ما كانت عليه في السابق، حيث كان يسيطر عليها حزب الأمة منفرداً".
ويبدو أن بعض الإسلاميين يراهنون أن دارفور التي ازداد وزنها النسبي ستكون معقلاً مهماً لهم.
هل تعيد الانتخابات الإسلاميين لحكم السودان؟
يمكن أن يجد الاسلاميين الفرصة للعودة، إذا أجريت انتخابات، حسبما يرى توفيق.
لكن استدرك قائلاً "لكنهم لن يكونوا في المرتبة الأولى"، بل ربما في المرتبة الثانية أو الثالثة على أسوأ تقدير إذ من المحتمل أن تحوز قوى المنضوية تحت لواء قوى إعلان الحرية والتغيير على النصيب الأكبر وإن لم يكن الكثير من السودانيين على قناعة بمشروعها لكنهم سيصوتون لها نكاية في المؤتمر الوطني"، حسب قوله.
أما إذا أجريت الانتخابات متأخرة، فيقول أسامة توفيق "إنني على يقين بفوز الإسلاميين بالمرتبة الأولى لأن الإنقاذ ستكون قد محيت من أذهان السودانيين"، حسب قوله.
ولفت توفيق إلى أن عودة الإسلاميين إلى سدة الحكم في السودان لن تتحقق إلا مع زوال حالة الاحتقان التي ترسخت داخل الشعب والكره الذي جلبه المؤتمر الوطني بسياساته الخرقاء إذ لم تعِ قيادته أهمية الإصلاح، الأمر الذي أدى لانسلاخ عدد من الأجسام منه، إضافة لحالة من العداء تجاهه من قبل عامة الشعب.
وقال: "العودة لن تكون سريعة وبنسبة أقل للتيارات الإسلامية التي لم تكن على وفاق مع المؤتمر الوطني فالإسلاميون السياسيون هم الأكثرية بالمقارنة بأحزاب اليسار، معتبراً أن الوجدان السوداني إسلامي بالفطرة، إلا أن الهزة التي تعرض لها من قبل حزب المؤتمر الوطني كادت تطمس كل شي".
وعلى الرغم من الإستقطاب الحاد في مواجهة التيارات الإسلامية في الوقت الحالي إلا أن توفيق يبدو متفائلاً بعودة الإسلام الوسطي تحديداً إلى الساحة السياسية عقب انتهاء الفترة الانتقالية مستدلاً بالتحدي الذي أطلقه "حزب الإصلاح الآن" بأن قصر الفترة الانتقالية وإجراء انتخابات مبكرة من شأنه أن يجعل كل تيار يعرف حجمه الحقيقي.
ومن الراجح أن تتكتل عدد من الأحزاب الإسلامية في جسم واحد كحركة الإصلاح الآن التي يقودها غازي صلاح الدين (مستشار سابق للبشير انضم للمعارضة) بجانب منبر السلام العادل برئاسة الطيب مصطفى إضافة لحزب المؤتمر الشعبي صاحب القاعدة الجماهيرية الكبيرة.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من مشاركة الأخير مع النظام البائد في السلطة في فترة من الفترات لكن يبقى ذا شعبية كبيرة خاصة في ولايات غرب السودان.
ولكن ماذا عن فرص الأحزاب التقليدية؟
إضافة إلى أحزاب الإسلام السياسية توجد الأحزاب التقليدية في السودان التي توصف أيضاً بالإسلامية نظراً لجذورها ذات الطابع الديني، كما يطلق عليها الأحزاب الإسلامية الطائفية كالأمة القومي والاتحادي.
وتظل هذه الأحزاب الأقرب لسدة الحكم إذا أجريت انتخابات، لا سيما الأمة وإن كان رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي يتعرض لموجة انتقادات بسبب مواقفه المتأرجحة إضافة لخلافه غير المعلن مع قوى إعلان الحرية والتغيير إلا أنه يظل رقماً يصعب تجاوزه وهو الفائز بالأغلبية في آخر انتخابات حرة قبل انقلاب الـ30 من يونيو/حزيران 1989، الذي نفذه العميد عمر حسن أحمد البشير وقتها ليصبح رئيساً للسودان لمدة 30 عاماً.
ولا يستبعد البعض عودة المؤتمر الوطني نفسه وهو ما قد يحدث تحت لافتة جديدة واسم مختلف وهو الخيار الأقرب مع استبعاد قيادات الصف الأول وتصعيد أسماء أكثر مقبولية لدى الشارع.
ما هي حقيقة العلاقة بين الإسلاميين والعسكر؟
يرى المحلل السياسي عمر كمال أن تلويح العسكر بورقة الانتخابات لا يعدو سوى وسيلة لكسب المزيد من الوقت، بهدف الوصول لتسوية تلبي مصالحهم في البقاء على السلطة، لا سيما وأن حكم العسكر يبدو مرفوضاً إقليمياً ودولياً، على حد تعبيره.
وأوضح أنه يجب أن لا ننسى أن الجيش أعيدت هيكلته طوال الـ 30 عاماً الماضية إن كانت المجموعة الحاكمة لا تنتمي للمؤتمر الوطني إلا أنها تفكر بمبدأ الفطرة الإسلامية للسودانيين وهو ما تجلى عبر تصريحات أعضائه الذين يرفضون المساومة على مسألة الشريعة وقال: "ما زالت هناك جيوب إسلامية تنادي بشدة لعودة النظام السابق، ولو بصورة متسترة وراء المجلس العسكري الحالي".
وأضاف "الخوف من قوى الحرية والتغيير حقيقي خاصة وأنها تضم تجمع المهنيين -أحد أهم أذرع التحالف- الذي يمتلك قدرة هائلة حشد الجماهير وتحريك المواكب، مقابل أحزاب هرمت وأصبحت جزءاً من الماضي السياسي الذي أخفقت فيه بشكل كبير بتحالفات واهية".
ولعل العملية الإنتخابية نفسها حال تم إقرارها ستواجه جملة من الصعوبات الاجرائية فمن الصعب تنظيم انتخابات قبل التوصل لاتفاق شامل ينهي الحرب في كل أنحاء السودان ويحقق الاستقرار بمناطق النزاعات، بجانب تهيئة المناخ العام، إضافة لتوافق وطني حول الانتخابات وإجراءاتها وقانونها.
ومن الواضح أنه حال سادت عملية الشد والجذب بين الطرفين فمن المتوقع أن يلجأ العسكر لأحد خيارين إما الإعلان عن انتخابات مبكرة كما صرح بذلك عدد من أعضائه.
أو تشكيل حكومة تكنوقراط من طرف واحد دون التشاور مع إعلان الحرية والتغيير التي ستجد نفسها في موقف لا تحسد عليه فإما القبول بالأمر الواقع أو التصعيد مجدداً عبر سلاح العصيان المدني.
الخريطة السياسية للأحزاب السودانية تخبرنا بالنتيجة المحتملة للانتخابات
وإذا نظرنا للخارطة السياسية في السودان نجد عدد الأحزاب السياسية يتجاوز الـ 100 حزب مسجل بما فيها الأحزاب التاريخية إضافة إلى الأحزاب الناشئة حديثا أو نتيجة لانقسامات داخلية بأحد الأحزاب الكبرى فضلاً عن العديد من الحركات المسلحة إلا أن القوى ذات الثقل الجماهيري لا تتجاوز العد على أصابع اليدين أبرزها الآتي:
حزب الأمة القومي
يعتبر حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي من أعرق الأحزاب السودانية، حيث تأسس عام 1945 أي قبل استقلال السودان بنحو عشرة أعوام، باعتباره الواجهة السياسية لطائفة الأنصار والذين يستمدون اسمهم من "نصرة" الإمام محمد أحمد المهدي، الذي قاد ثورة إسلامية ضد الحكم التركي في القرن التاسع عشر ويمتلك الحزب شعبية كبيرة في مناطق الغرب وأجزاء من ولايات الوسط.
الحزب الاتحادي الديمقراطي
يعتبر هو الآخر من الأحزاب السياسية العريقة المرتكز على الطائفية الصوفية إذ ظل يتقاسم السلطة مع حزب الأمة طيلة فترات الحكم الديمقراطي في السودان لجماهيريته الواسعة المتمركزة في شمال وشرق السودان.
وتأسس الحزب نتيجة تحالف بين الحزب الوطني الاتحادي، وحزب الشعب الديمقراطي -الواجهة السياسية للطائفة الختمية- ويرأسه حالياً محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية إلا أن الحزب تعرض للعديد من الانقسامات.
وإن كان حزب مرشد الطائفة الختمية قد ابتعد عن الانخراط في الثورة بسبب مشاركته في السلطة مع العهد السابق إلا أن تجمع الاتحاديين الذي يضم أكثر من 17 كياناً كان أحد أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير.
حزب الإصلاح الآن
تأسس حزب "حركة الإصلاح الآن " أواخر العام 2013 من مجموعة من المنشقين عن حزب المؤتمر الوطني، يقوده وزير الإعلام والمستشار الأسبق لرئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين العتباني الذي برر خروجه من عباءة الوطني بضعف الدولة وعدم التزامها بحقوق المواطن واختلال نظام العدالة، مما جعل الفساد المالي والإداري مسلكاً ممنهجاً لأبناء الحزب الحاكم.
المؤتمر الشعبي
أسسه المفكر الإسلامي الراحل حسن الترابي عام 1999 عقب خلافه مع الرئيس البشير وقتها أو ما يعرف داخل السودان بالمفاصلة، حيث انضم للترابي عدد من شيوخ الحركة الإسلامية على قرار إبراهيم السنوسي ويس عمر الإمام ويرأس الحزب الآن الدكتور علي الحاج محمد، وهو طبيب وسياسي تقلد عدداً من الحقائب الوزارية، والمناصب السياسية في فترات مختلفة طوال حكم الإنقاذ.
الحزب الشيوعي السوداني
يعد أكثر الأحزاب اليسارية شهرة في السودان، وسبق تأسيسه الاستقلال كما شارك الحزب في محاولة انقلابية فاشلة في عام 1979 ضد نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري، وعلى إثره تم إعدام أهم قادته، بينما تم حظر نشاطه بعد انقلاب يونيو 1989 الذي قاده البشير، إلا أنه ظل يقود الصراع ضد حكومة الإنقاذ من الداخل بل يعد رأس الرمح ضمن قوى إعلان الحرية والتغيير الذي نجح في الإطاحة بنظام البشير.
الليبرالي الموحد
أعلن عن نشأة الحزب كتجمع لعدد من الحركات الليبرالية في السودان في عام 2008، باندماج أربعة تنظيمات هي (الحزب الليبرالي السوداني، حركة حق، الحركة الديمقراطية السودانية، الحزب الديمقراطي السوداني) إلا أن الحزب نفسه انقسم لاحقاً حيث شارك جناح ميادة سوار الذهب السلطة مع حزب البشير.
الحركة الشعبية – شمال
تأسست الحركة الشعبية قطاع الشمال في 2011 عقب انفصال جنوب السودان بوصفها امتداداً للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق الذي ظل يقاتل نظام الخرطوم منذ العام 1983 وصولاً لاتفاق سلام في 2005 الذي نظم استفتاء أدى إلى انفصال الجنوب.
وتتمترس الحركة الشعبية قطاع الشمال التي يقودها حالياً عبدالعزيز الحلو في مناطق النيل الأزرق وجنوب كرفان أو ما تسمى بالمناطق المحررة لكنها ومع سقوط نظام البشير أعلنت الحركة وقف العدائيات.
كما وصل الخرطوم نائب رئيس الحركة ياسر عرمان في مقدمة وفد لحسن النوايا فضلاً عن المشاركة في المفاوضات مع المجلس العسكري باعتبار حركته جزءاً من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير.
حركات دارفور
تتعدد حركات دارفور التي ظلت تقاتل نظام البشير منذ العام 2003 لكن تظل حركة جبريل إبراهيم التي حاولت غزو الخرطوم عام 2008 في معركة أمدرمان الشهيرة اللاعب الأكبر في الساحة إلى جانب حركة عبدالواحد محمد نور الذي أعلن رفضه مبدأ التفاوض مع المجلس العسكري بل تنصل من إعلان الحرية والتغيير تماماً بوصفه لا يلبي طموحات الشعب السوداني، فيما لا يمكن كذلك تجاوز بقية الحركات خاصة تلك التي وقعت على اتفاقيات سلام مع الحكومة.