التصعيد مستمر بين مصر وتركيا.. كيف نتجنب المواجهة المسلحة في شرق المتوسط، ويربح الجميع؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/31 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/12 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
جندي إسرائيلي يراقب على متن سفينة بحرية في البحر الأبيض المتوسط/ رويترز

إذا لم يكن لديك وقت لقراءة المادة، استمع لتسجيلها الصوتي..

قد يكون التوازن الاستراتيجي الذي أبقى شرق البحر المتوسط هادئاً نسبياً على مدار السنوات القليلة الماضية على وشك الاضطراب. ففي الثالث من مايو/أيار الجاري أعلنت تركيا أنَّها ستشرع في عمليات تنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة الساحل الجنوبي لقبرص، في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها الحكومة المعترف بها دولياً في جنوب قبرص الذي تسيطر عليه اليونان.

تقول أنقرة إنَّها تدافع عن حقوق القبارصة الأتراك في النصف الشمالي من الجزيرة المنقسمة عرقياً الذين لهم ملكية مشتركة شرعية للغاز الطبيعي في الجزيرة لكنهم ممنوعون من المشاركة في تطوير القطاع الغاز. في الثاني عشر من مايو/أيار ضاعفت تركيا جهودها وأعلنت أنَّها سترسل حفارةً ثانية إلى المياه القبرصية.

مصر بدأت تشكيل تكتل ضد تركيا فاستفزت أنقرة

في تقرير لها تشير مجلة Foreign Policy  الأمريكية إلى أن  السياسة التركية المحفوفة بالمخاطر  تأتي استجابةً لمحاولاتٍ من مصر، واليونان، وقبرص وإسرائيل لخلق منظومة طاقة إقليمية ستستبعد تركيا من تسويق الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط. فعلى سبيل المثال في عام 2017 وبداية عام 2018، أجرت مصر وقبرص محادثاتٍ حول اتفاقٍ لبيع الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية، وهو ما يضمن أن الغاز البحري في المنطقة لن يمر عبر الأنابيب التركية في طريقه إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. وفي فبراير/شباط من عام 2018، أعلنت شركة الطاقة الإيطالية العملاقة، إيني، التي اكتشفت في عام 2015 حقل غاز "ظُهر" المصري بالقرب من المياه الإقليمية القبرصية، العثور على كميةٍ كبيرة من الغاز في حقل كاليبسو القبرصي المجاور للحقل المصري.

بسبب شعوره بأنَّه محاصر، منع الجيش التركي حفارةَ إيني قبل أن تصل إلى موقع حفرها في المياه القبرصية، مجبراً الشركة على سحبها. لكن هذا دفع نيقوسيا إلى التقرب من مصر أكثر، فوافقت قبرص على تزويد مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية بالغاز القبرصي بغرض تصديره. بعد أن وافقت قبرص على ذلك الاتفاق، سارت إسرائيل التي كانت تفكر في خط أنابيب إسرائيلي-تركي تحت الأرض، على خطى قبرص وعقدت اتفاقاً لبيع غازها إلى مصر أيضاً.

التصعيد قد يؤدي لعمل استفزازي يتسبب في مواجهة مسلحة

والتصعيد الأخير في هذا الخلاف مثيرٌ للقلق، إذ قد يؤدي أي عمل استفزازي من أي طرف إلى نزاع مسلحٍ في المنطقة التي تعاني بالفعل من شبكةٍ معقدة من النزاعات والمنافسات الإقليمية.

لكن كيف يمكن تجنب الكارثة؟

يمكن تجنب الكارثة اذا مُنحت كل الأطراف طريقاً للازدهار من رخاء الغاز الطبيعي في المنطقة

  • يمكن  للأطراف أن تجتمع إذا جرى التعامل مع الغاز الطبيعي والكهرباء الناتجة عنه على أنَّهما سلعتان إقليميتان يجري الاتجار بهما عبر مركزٍ افتراضي تجري إدراته بصورة مشتركة من المنطقة المحايدة في قبرص.
  • بعكس المركز الحقيقي، الواقع حيث تلتقي العديد من الأنابيب وحيث يُفترض بكل الأطراف أن تقوم بتبادلات مباشرة بحيث تصل إلى نقطة كمية الغاز نفسها التي ضُخت إلى المنظومة من نقطةٍ محددة أخرى من ذلك الموقع المحدد، يتيح المركز الافتراضي للباعة والشراة فرصةَ حجز كمياتٍ مختلفة من الغاز سواءٌ ذاك الذي يُضخ أو الذي يُسحب دون تحديد وجهةٍ مسبقة.
  • يشكل المركز الافتراضي كل نقاط الضخ والسحب في منطقة السوق هذه. وهذا النوع من المراكز (الشبيهة بـ"نقطة التوازن الوطنية" (NBP) الناجحة للغاية والتي تتبعها بريطانيا)، يتمتع بالمرونة ويجعل التجارة أسهل، وهو بالضبط ما يلزم لتطوير مركزٍ إقليمي في المناطق التي تتردد فيها الدول في ربط بُناها التحتية وأسواق تصديرها.
  • يتميز التعامل مع الغاز الطبيعي باعتباره سلعة إقليميةٍ مشتركة بمكاسب عديدةٌ. فبتجميع مخزونها في المنطقة، ستحصل كل دولةٍ على سعرٍ أفضل لغازها. أيضاً، سيفرض مركز التجارة الافتراضي الشفافية في أسواق الغاز في المنطقة لأنَّه سيكون كيانها المحايد الخاص المستقل الخاضع للقانون السويسري، أو القانون البريطاني أو سيكون خاضعاً للمحكمة التجارية الدولية في ستوكهولم، كما هو متعارف عليه في اتفاقاتِ تجارة الطاقة. وسيساعد الانفتاح في تقليص الفساد ويسهل الاتفاق حول مشاركة العائدات، وهذا مكوِّن رئيسي لأي خطةٍ لتوحيد قبرص.
  • وقد يضيف إنشاء مركز للتبادل التجاري الافتراضي في المنطقة المحايدة من قبرص زخماً لعملية توحيد قبرص بطرقٍ أخرى أيضاً. فالمكاتب والحواسيب التي ستكون موجودةً هناك يمكن أن يديرها بصورة مشتركة قبارصة الشمال والجنوب لتكون آليةٍ لبناء الثقة. وحين يكون التبادل مزدهراً، فإن كلا الطرفين سيصبح مساهماً في التطوير السلمي للتنقيب عن الغاز الطبيعي القبرصي وإنتاجه.
  • ستتجاوز المنافع حدود قبرص بكثير. فتبادل العقود يمكن على الأقل جزئياً أن يجري عبر شركة Energy Exchange Istanbul التركية التي تديرها شركة EPIAS. وباعتبارها مؤسسة رائدة في شرق المتوسط، تقود EPIAS مسيرة تحرير سوق الطاقة في تركيا وقد أسست سجلاً ممتازاً في تشغيل سوق تجارة الكهرباء بما يضمن الشفافية والظروف الموثوقة للسوق والوصول المتكافئ لكل المساهمين فيه.
  • بربط المنظومة بشركة الطاقة التركية وأيضاً بمثيلاتها في الإسكندرية وأثينا والقاهرة وتل أبيب وأماكن أخرى في المنطقة فإنَّ المركز الافتراضي سيزيد من سيولة سوق الطاقة في شرق المتوسط ويخلق حوافز للتعاون بين دوله. ليس القصد من المركز الافتراضي أن يجري استبداله بالمشروعات القائمة أو المخطط لها، بل زيادة فعالية مثل هذه المشروعات إذ سيوفر هذا المركز أفضل منصةٍ لاستكشاف الأسعار.
  • علاوةً على ذلك، قد يؤدي التعامل مع الغاز الطبيعي في المنطقة على أنَّه سلعةٌ مشتركة إلى أكبر استفادةٍ عملية من البنية التحتية الموجودة بالأصل في دول شرق المتوسط، فمثلاً ورغم أنَّ مصر تمتلك مصنعين كبيرين لإسالة الغاز، فهي لا تمتلك المرافق المناسبة لتخزينه، بينما لدى تركيا الكثير منها. إنَّ تجميع هذه البنى التحتية يبدو منطقياً أكثر بكثير من بناء مرافق متكررة في عدة دول.

ثمة منافع جيوسياسية أبعد لهذا الأمر أيضاً فما هي؟

  • سيساعد المركز التجاري الافتراضي في تطوير إنتاج الغاز الطبيعي في غزة بتوفير منفذ للتصدير لا يعتمد على إرضاء المصالح المصرية والإسرائيلية، وبفضل الشفافية التي يمنحها المركز التجاري الافتراضي يُرجَّح أنَّ تستثمر حكومة غزة عائدات تصدير الغاز في تحسين حياة سكانها.
  • بالمثل، يُمكن للتسويق الإقليمي والمركز التجاري الافتراضي أن يساعدا إسرائيل ولبنان في التغلب على نزاعهما على حدودهما البحرية وذلك بتوفير آليةٍ لمشاركة العائدات في الحقول المتنازع عليها. وأخيراً فإن المركز التجاري الافتراضي يمكن أن يجذب الاستثمار الخاص اللازم للتنقيب وتطوير الغاز الطبيعي قبالة سواحل سوريا، وهو ما لم يجر حتى الآن. بيع هذا الغاز قد يساعد لاحقاً في إعادة إعمار البلد بعد الحرب.
  • وبتشجيع تجارة الكهرباء بين دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، يمكن للمركز الافتراضي أيضاً أن يشكل جسراً مهماً للتسويق واسع النطاق للكهرباء التي يجري إنتاجها من الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط والمغرب العربي.
  • أخيراً، سيخلق هذا المركز فرص أعمالٍ في مجالات الغاز الطبيعي المسال، الخدمات التقنية والخدمات المالية للشركات المحلية وللشركات الأجنبية من روسيا والاتحاد الأوروبي، وهي شركات استثمرت الكثير بالفعل في مجال الطاقة في شرق المتوسط.

الرؤية الأكثر فعاليةً تجارياً لتطوير وتسويق الغاز الطبيعي الشرق أوسطي هي أيضاً الرؤية التي قد تحفز أكثر التعاون الإقليمي: السوق الافتراضية يمكن أن تخلق سلاماً حقيقياً في الشرق الأوسط.

تحميل المزيد