أشارت نتائج استطلاعٍ رأي سنوي أُجري مؤخراً، عن مخاوف الشباب العرب بشأن مستقبلهم، إلى أنَّ الأنظمة الاستبدادية العربية لم تنجح بعدُ في تقديم الخدمات العامة وتطلعات الشباب المُنتظَرة منها، وكشفت أن هناك فجوات كبيرة بين السياسيات الخارجية لهذه الأنظمة وبين مواقف شبابها كقضية فلسطين وحروب المنطقة ونزاعاتها. كما وتفسِّر النتائج الاستطلاع جهود تلك الأنظمة للترويج للقومية، وتوضح أنَّ الوظائف والحريات الاجتماعية، أهم من الحقوق السياسية.
الاستطلاع الذي أجرته شركة العلاقات العامة "أصداء بي سي دبليو" ومقرَّها دبي، يرجّح مصحوباً باندلاع احتجاجاتٍ مناهضة للحكومات على فتراتٍ متقطعة في مختلف مناطق العالم العربي، أنَّ خدمة المصالح الغربية والشرق أوسطية في المنطقة تتطلَّب نهجاً أمريكياً وأوروبياً "أكثر دقة" في التعامل مع الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، كما يقول موقع Lobe Log الأمريكي.
يتَّهم نقاد الاستطلاع (يُركز على الشريحة العمرية بين 18-24 عاماً)، بأنَّه معيوبٌ، إذ رجَّح كفَّة الآراء القادمة من دول الخليج الصغرى بخلاف الدول الأعلى كثافةً سكانية مثل مصر، وبأنَّه استطلع رأي عيناتٍ صغيرة لا تزيد عن 300 شخص، ولم يُدرِج قطر، وسوريا، والسودان في الاستطلاع.
أبرز ما جاء في الاستطلاع
- تمثِّل نتائج الدراسة خليطاً متناقضاً للحكَّام العرب المستبدين، وتشير إلى أنَّ تحقيق المعادلة الصعبة بين متطلَّبات الإصلاح وتوقُّعات الشباب هو قولٌ أسهل منه فعلاً، وقد يكون نقطة الضعف القاتلة لدى الأنظمة العربية.
- تقول أغلبية الشباب، إنَّ الحكومات التي تعيد كتابة العقود الاجتماعية بينها وبين شعوبها من جانبٍ واحد، وتتراجع شيئاً فشيئاً عن جوانب من سياسة الرعاية الاجتماعية "من المهد إلى اللحد"، قد فشلت في الإيفاء بوعودها.
- الشباب يتوقَّعون من حكوماتهم أن تكون معيلهم في وقتٍ يتطلَّب فيه أي إصلاحٍ تبسيطاً للبيروقراطيات، وتراجعاً لسلطة الدولة، وتحفيزاً للقطاع الخاص.
- رأى الشباب بنسبةٍ مفاجئة بلغت 78% أنَّ توفير الوظائف هو مسؤولية الدولة. وتوقَّعت النسبة نفسها دعماً للطاقة، واشتكى 65% منهم من أنَّ الحكومات لا تبذل ما يكفي من الجهد لدعم أسر الشباب، فيما توقَّع 60% أن توفِّر لهم الحكومة السكن.
- عبَّر 78% من الشباب عن مخاوف من جودة التعليم المُقدَّم لهم، ومن بين هؤلاء نسبة 70% في دول الخليج. ومع ذلك، قال 80% من شباب الخليج إنَّ أنظمة التعليم المحلية أعدَّتهم لوظائف المستقبل، بخلاف إجمالي نسبة 49% في المنطقة، شعرت بأنَّ التعليم متأخِّر. ومع ذلك، قال 38% فقط من المشاركين من الخليج إنَّهم قد يختارون الحصول على تعليمٍ عالٍ محلي.
فجوة كبيرة بين السياسات الخارجية للدول العربية وبين تطلعات شبابها
بدا من خلال نتائج الاستطلاع أن هُناك فجوةً كبيرة بين السياسات الخارجية والإقليمية للحكومات العربية وتطلُّعات شبابها، وهي كالتالي:
- تعارُض السياسات الحازمة، التي تتبناها دول الخليج على وجه الخصوص، والتي أشعلت نزاعاتٍ إقليمية، من بينها الحروب في ليبيا، وسوريا، واليمن، والتنافس السعودي- الإيراني، والمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لقطر لمدة عامين، مع رغبة الأغلبية بين مَن شاركوا في الاستطلاع في وضع نهايةٍ لهذه النزاعات. ورأى 67% من الشباب العربي إيران بمثابة العدو لصالح الحكام السعوديين والإماراتيين والبحرينيين.
- يشير الاستطلاع إلى أنَّ القضية الفلسطينية ما زال لها صدى عند الشباب، بخلاف المعتقد السائد. إذ قال 79% من المشاركين إنَّهم قلقون بشأن النزاع مع إسرائيل. ويطرح هذا سؤالاً حول ما إن كان تقارب دول الخليج مع إسرائيل ودعمها "صفقة القرن" -المقدَّمة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي يرى كثيرون أنَّها تظلم الفلسطينيين- سياسة تحظى بدعم شعبي في الخليج.
- يعزِّز من فرضية أنَّ سياسات دول الخليج حيال النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني غير مدعومة شعبياً كلياً، حقيقة أنَّ نسبة المشاركين الذين يعدُّون الولايات المتحدة عدواً ارتفعت إلى 59%، مقارنةً بنسبة 32% منذ خمسة أعوام.
الأنظمة العربية والدين
- اعتماد الحكَّام العرب على الدين ليكون أداةً لإضفاء الشرعية على أنظمتهم، والجهود الجديدة حالياً لتوجيه الإسلام إلى طريق التصوُّف غير المسيَّس يثبتان أنَّهما سلاحٌ ذو حدين، وهما السبب الأرجح لسعي زعماء مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتقليص دور المؤسسات الدينية، من خلال الترويج للقومية المفرطة.
- شعر حوالي ثلثي المشاركين في الاستطلاع أنَّ الدين يلعب دوراً أكبر من اللازم في الدولة، وهي زيادةٌ عن نسبة 50% من أصحاب هذا الرأي منذ أربعة أعوام، إذ قال 79% إنَّ المؤسسات الدينية بحاجةٍ للإصلاح.
- تزامن نشر نتائج الاستطلاع مع إصدار اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية تقريرها السنوي لعام 2019. لقَّب التقرير السعودية بأنَّها أحد "أسوأ منتهكي" الحريات الدينية في العالم، مسلطاً الضوء على التمييز الذي توقِعه على المسلمين الشيعة والمسيحيين.
وجاء في التقرير المكون من 234 صفحة: "ما زال المسلمون الشيعة في السعودية يواجهون التمييز في التعليم، والتوظيف، وأمام القضاء، ويُمنَعون من الوصول لأي مناصب عليا في الحكومة والجيش".
تعقيبات على النتائج
- في بيانٍ مصاحب للإعلان عن نتائج الاستطلاع، توصّل أفشين مولوي، وهو زميل أقدم في معهد السياسة الخارجية التابع لجامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، إلى أنَّ الاستطلاع بيَّن أنَّ "مطالب وأحلام الشباب العرب ليست جذرية ولا ثورية"، وأنَّه يُستبعَد "أن يُخدَعوا بأوهام المدن الفاضلة أو القادة "ذوي الشخصيات الآسرة" مثلما حدث لآبائهم".
- وفي مساهمته بالبيان نفسه، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي: "الحاجة الآن هيَ لعقدٍ اجتماعي جديد بين حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومواطنيها، يضمن لهم المُساءلة، والشفافية، والالتزام بمبدأ ألَّا يُهمل أحد… يبيّن آخر استطلاعٍ للشباب العربي أنَّه ما زال أمامنا طريقٌ طويل".