فوجئ الرأي العام العربي بالأنباء التي تفيد بنية السلطات السعودية إعدام ثلاثة من علماء الدين الإصلاحيين، في مقدمتهم الشيخ سلمان العودة، بعد رمضان، الأمر الذي أثار تساؤلات حول سر إقدام السعودية على التخطيط لإعدام سلمان العودة ورفاقه في هذا التوقيت تحديداً.
فقد كشف موقع Middleeasteye البريطاني، أن السعودية تتجه بعد شهر رمضان للحكم بالإعدام على الشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، والداعية علي العمري، المحتجزين بتهم الإرهاب.
وأبلغ مصدران حكوميان سعوديين الموقع بخطة إعدام الرجال الثلاثة، الذين ينتظرون حالياً المحاكمة في المحكمة الجنائية الخاصة في الرياض، وتم تحديد جلسة في 1 مايو/أيار 2019، لكن تم تأجيلها دون تحديد موعد آخر.
وأوقفت السلطات السعودية الداعية سلمان العودة، في 10 سبتمبر/أيلول 2017، ضمن حملة توقيفات شملت عدداً من العلماء والكتاب، وذلك عقب وقت قصير من تدوينة دعا الله فيها أن "يؤلف القلوب"، على خلفية تقارير عن مصالحة محتملة بين دول الأزمة الخليجية، وبعد الإعلان عن إجراء اتصال هاتفي بين الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.
اعتقال العودة جاء بعد أن قام الملك بتعزيته
تم اعتقال الشيخ سلمان العودة ضمت تداعيات انقلاب مفاجئ في سياسة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، الذي بدأ بالتقارب مع علماء الدين في السعودية وتحسين العلاقات مع قطر.
أدى هذا الانقلاب في السياسية السعودية إلى فرض حصار مفاجئ على قطر، وانضمَّت السعودية للحرب الإماراتية المصرية على تنظيم الإخوان المسلمين وعلى التيار الإسلامي الذي يوصف بالمعتدل.
واللافت أنه قبل اعتقال العودة، سبق أن اتصل الملك سلمان به لتعزيته في وفاة زوجته وابنه في حادث سيارة.
بالون اختبار.. العالم سكت عن إعدام 37 سعودياً
وفي مارس/آذار الماضي، جدد النائب العام السعودي خلال جلسة محاكمة سرية العودة طلبه السابق بقتل العودة تعزيرا، باستخدام تهم فضفاضة.
وقال مصدر حكومي سعودي آخر لموقع "middleeasteye": "إن إعدام 37 سعودياً، معظمهم من النشطاء الشيعة، بناء على اتهامات بالتورط في عمليات إرهابية، في أبريل/نيسان 2019، كان بمثابة بالون اختبار لمعرفة مدى قوة الإدانة الدولية.
وعندما اكتشف المسؤولون السعوديون أنَّ ردَّ الفعل الدولي كان ضئيلاً للغاية، لاسيما على مستوى الحكومات ورؤساء الدول، فقد قرَّروا المضيَّ قدماً في خطتهم لإعدام شخصيات بارزة"، كما قال المصدر.
ما بعد رمضان ليس كما قَبله.. سرُّ التخطيط لإعدام العودة ورفاقه في هذا التوقيت
يحظى الدعاة الثلاثة المهددون بالإعدام بشعبية كبيرة في المملكة خاصة سلمان العودة، فكيف ستمرر السلطات السعودية هذا القرار محلياً ودولياً؟
ويعتقد أن قرار السلطات السعودية إعدام الدعاة الثلاثة مرتبط بالرغبة في استغلال هذه الأحداث وكذلك لتمرير تغييرات تاريخية يخطط لها في المنطقة في مقدمتها ما يعرف إعلاميا باسم صفقة القرن.
ما علاقة العودة ورفاقه بصفقة القرن والأزمة الإيرانية؟
قال أحد أعضاء أسر العلماء لموقع "Middleeasteye": "عمليات الإعدام إذا استمرت ستكون خطيرة للغاية، ويمكن أن تمثل نقطة تحول خطيرة".
وسيتم التعجيل بتوقيت عمليات الإعدام بسبب الزيادة الحالية في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، حسب الموقع البريطاني.
يقول المصدر: "لقد تم تشجيع السعوديين على القيام بذلك، خاصة مع التوتر في الخليج في الوقت الحالي، لأن واشنطن تريد إرضاء السعوديين في الوقت الحالي".
وقال المصدر الأول: "إن الحكومة (السعودية) تحسب أن هذا الوضع سيمكّنهم من الإفلات من ذلك".
كما تزداد حاجة الإدارة الأمريكية للسعودية، خلال الفترة القادمة، بسبب دورها المزعوم في صفقة القرن.
الأمر بدأ بمحاولة محمد بن سلمان إقناع عباس بالتخلي عن القدس
علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفقة القرن علاقة وثيقة وقديمة، إذ سبق أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن بن سلمان قد عرض على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، نهاية عام 2017، خلال لقاء جمعهما في الرياض خُصص لبحث صفقة القرن "مبادرة سلام جديدة تتضمن اختيار ضاحية أبو ديس المجاورة لمدينة القدس المحتلة، لتكون عاصمةً للدولة الفلسطينية العتيدة، بدلاً من شرقي القدس".
وقالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إن محمد بن سلمان عرض على عباس "خطة متحيزة لإسرائيل، ولا يمكن لأي زعيم فلسطيني القبول بها".
والآن، يرجح أن هذه الخطة ستنطلق من البحرين، حليف السعودية المقرَّب، عبر التركيز أولاً على الشق الاقتصادي في الخطة.
وقال مسؤولون أمريكيون كبار، إنَّ البيت الأبيض سيكشف النقاب عن الجزء الأول من خطة الرئيس دونالد ترامب، التي طال انتظارها لـ "السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، عندما يعقد ترامب مؤتمراً دولياً في البحرين، أواخر يونيو/حزيران المقبل، لتشجيع الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
ترامب يدافع عن بن سلمان بعد مقتل خاشقجي والآن هو في حاجة له لتمرير الصفقة
وسبق أن دافعت إدارة ترامب عن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في مواجهة انتقادات الكونغرس الأمريكي، بعد اتهامه بالمسؤولية عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، والمقيم في الولايات المتحدة.
كما استخدم ترامب حقّ الفيتو لمنع تمرير تشريع في الكونغرس، يعرقل دعم الولايات المتحدة للحملة العسكرية السعودية في اليمن.
وبينما تحتاج الولايات المتحدة إلى دعم السعودية لتمرير صفقة القرن، فإن المملكة يبدو أنها بحاجة إلى إسكات أي أصوات معارضة للصفقة، سواء داخل البلاد أو على المستوى العربي.
فهم يخشون أن يتكرر مع حدث عندما تم استدعاء القوات الأمريكية لحماية الأراضي المقدسة
ويمثل العودة ورفاقه شخصيات بارزة في التيار السعودي الذي يمكن أن يعترض على أي تسوية محتملة على حساب القضية الفلسطينية.
إذ بينما يميل علماء الدين التقليدون في السعودية للصمت تجاه أي سياسات خارجية مثيرة للجدل تتخذها الحكومة، فإن الأمر مختلف بالنسبة للدعاة المستقلين، الذين سبق أن جاهروا باعتراضاتهم على قرارات حكومية اعتبروها تمس ثوابت البلاد مثل استدعاء قوات أجنبية للدفاع عن المملكة بعد الغزو العراقي للكويت.
فهل هي صدفة، أن يخطط لإعدام الرجل في نفس التوقيت الذي يُجرى فيه التخطيط لتصفية القضية الفلسطينية التي دافع عنها طيلة عمره.
وهل إعدام العودة ورفاقه رسالة تخويف لمن يسير على دربهم تنذرهم بألا يعترضوا على صفقة القرن حتى وإن تخلت عن الثوابت التي طالما عضوا عليها بالنواجز.