محترفون رياضيون مسلمون في رمضان: الصوم يمنحنا السرعة والتركيز، وهنا السر

قضى حمزة عبدالله ثمانية مواسم يلعب كمدافع في الرابطة الدولية لكرة القدم الأمريكية، وفي كل المواسم الرياضية التي شارك بها كان يُصادف قدوم شهر رمضان إما خلال الموسم أو في أثناء معسكر التدريب بسبب تقلبات التقويم القمري -وهو أقصر بقرابة 11 يوماً من السنة الشمسية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/17 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/17 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية / Istock

قضى حمزة عبدالله ثمانية مواسم يلعب كمدافع في الرابطة الدولية لكرة القدم الأمريكية، وفي كل المواسم الرياضية التي شارك بها كان يُصادف قدوم شهر رمضان إما خلال الموسم أو في أثناء معسكر التدريب بسبب تقلبات التقويم القمري -وهو أقصر بقرابة 11 يوماً من السنة الشمسية.

تعامل الرياضيين المسلمين مع رمضان أمر شاق خاصة في أوقات التدريب

حمزة مسلمٌ متدين، وهو ما يعني أنَّه يصوم شهر رمضان. كان التعامل مع هذا أمراً شاقاً بالنسبة إلى رياضي محترف، ولا سيما في أوقات التدريب في شهر أغسطس/آب الحار قبل بداية الموسم، أو مع حدة المباراة التي تستغرق ثلاث ساعات، بحسب ما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية.

لكنَّ هذا الحرمان أصبح، بطريقةٍ ما، فرصة لكلٍ من حمزة وأخيه حُسين، الذي لعِبَ في خط الدفاع في فريقي كانساس سيتي تشيفس ومينيسوتا فايكنغ. إذ أتاح شهر رمضان للأخوين مشاركة معلوماتهما ومعرفتهما بدينٍ غالباً ما يُساء فهمه في أمريكا.

وهكذا أقنع حمزة أحد زملائه بالامتناع عن تناول لحم الخنزير عن غير عمد.

التزام الرياضيين المسلمين بالصوم دفع زملاءهم من غير المسلمين للتضامن معهم

كان زملاء حمزة غالباً ما يتعاطفون معه حتى في ظل طرح الأسئلة عليه حين كان يُبيِّن لهم ماهية شهر رمضان، ويوضح ما يتوجَّب عليه فعله فيه. وحين أخبره البعض برغبتهم في تقديم نوع من التضامن معه في تلك الفترة، كان يطلب منهم "التخلي عن شيءٍ تُحبه".

ويصف حمزة الأمر، قائلاً: "لطالما كان هذا ممتعاً ومثيراً. فربما يتخلون عن هواتفهم المحمولة، أو قهوتهم الصباحية، أو تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، أو الشبكات الاجتماعية بشكلٍ عام".

تحول الأمر عند زملاء حمزة لالتزام طويل

كان لحم الخنزير هو الشيء الذي أحبَّه زميله في الفريق. وكان حمزة قد ذكر له بالطبع أنَّ المسلمين بشكلٍ عام يمتنعون عن أكل لحم الخنزير لأسبابٍ دينية، لكن الأمر كان يُمثل بالنسبة لزميله استكشاف نقاط ضعفه ومن ثمَّ التغلب عليها.

ما أدهش حمزة هو تحول الأمر لالتزامٍ طويل الأمد. وبحسب حمزة، الذي توقف عن لعب كرة القدم للمحترفين بعد انتهاء موسم 2011، أخبره زميله أنَّه أصبح لا يستهلك نفس كمية اللحم التي اعتاد عليها في السابق.

ما زال حمزة حتى الآن، وبعد تقاعده، ينظر إلى شهر رمضان، الذي بدأ في 5 مايو/أيار من هذا العام، باعتباره فرصة لتعليم وشرح مبادئ دينه، وكيف ساعده ذلك في تحديده هويته الحقيقية.

نفس الشيء تفعله خديجة ديغز، التي تشارك في السباقات مرتدية الحجاب. إذ تقول: "إنَّها فرصة لإظهار الشكر والامتنان. فأنا ضحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أمٌ عزباء، وامرأة سوداء، لدي أطفال صغار. وها أنا تُتاح لي الفرصة للقيام بأشياء لا يحظى معظم الناس بفرصة فعلها".

الصيام في رمضان للاعبين أمر صعب للغاية لحاجتهم إلى كميات كبيرة من السعرات الحرارية

يُدرك حمزة وخديجة كلاهما مدى صعوبة الصيام بالنسبة لأي مسلم، وبالأخص الرياضيين المحترفيين، الذين يعتمدون على التدريبات الشاقة المُكثَّفة، ويحتاجون كمية كبيرة من السعرات الحرارية ليقووا على تلك التدريبات ويتمكنوا من المواصلة خلال الشهر الكريم.

اختار حمزة في إحدى السنوات حين كان يتعافى من حالة ارتجاج ألا يصوم في شهر رمضان،  واضطر إلى الاعتماد على أنظمة غذائية حادة في السنوات التي كان يصوم فيها خلال ساعات النهار ليتمكَّن من تحمل معسكر التدريب والمباريات دون تعريض صحته للخطر. لكنَّه لا يوجه اللوم لأي شخصٍ آخر في مكانه إن هو اختار أن يُفطِر.

حمزة يوجه نصيحة للمسلمين الذين ينظرون إلى الرياضيين باعتبارهم قدوة

يقول حمزة، الذي نشر مذكرات في عام 2016، تتعلَّق بمرحلة انتقاله من كرة القدم: "من المهم للمسلمين الذين ينظرون إلى الرياضيين باعتبارهم قدوة ألا يحكموا عليهم بناءً على قرارهم بالصوم أو الامتناع عنه. فلكل فردٍ خياره الشخصي".

إنَّ مسألة ما إن كان ينبغي منح الرياضيين المسلمين رخصة عدم الصيام، كما هو الحال مع من يعانون من مشكلات صحية، حسبما ذُكر في القرآن، تُشكل في الواقع معضلةً مستمرة في العالم الإسلامي وبين رجال الدين.

حين انطلق أولمبياد لندن خلال شهر رمضان في عام 2012، أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصرَ فتوى دينية تعفي الرياضيين من الصيام.

كذلك توجَّب على الرياضيين وقت انطلاق مرحلة خروج المغلوب في كأس العالم لكرة القدم خلال شهر رمضان في عام 2014، اتخاذ قرارهم الخاص بشأن ما إذا كانوا سيواصلون صيامهم أم يقضون ما عليهم في وقتٍ لاحق، حسبما رخَّص الله بالإفطار لمن هم على سفر وذُكِرَ في القرآن.

تأثير الصيام على اللاعبين من ناحية النشاط وزيادة احتمالية تعرضهم للإصابة أمر غير محسوم علمياً

ورُغم أنَّ دراساتٍ بعينها أظهرت أنَّ الصيام يُمكن أن يؤثر بالفعل على المهارات الرئيسية وكفاءة لاعبي كرة القدم المحترفين؛ إذ من الممكن أن تزيد معدلات تعرضهم للإصابة، فالأمر لا يزال غير محسوم نسبياً من الناحية العلمية.

غير أنَّ بعض الرياضيين يزعمون أنَّهم حققوا أرقاماً قياسية شخصية خلال شهر رمضان، وكذلك صرَّح حكيم عليوان، اللاعب  في فريق Hall of Famer في الدوري الأمريكي لكرة السلة أنَّه: "أخف، وأسرع، وأكثر تركيزاً خلال شهر رمضان".

أصرَّ حمزة عبدالله، الذي يصف عليوان بأنَّه "الشخص الذي أردنا تجسيده"، على أنَّ ثمة شيئاً ما حيال تعظيم شعائر الإسلام خلال تلك الفترة التي حفزته بطرقٍ جديدة ومختلفة، حين كان يكبر ويترعرع هو وأخوه. لكن الأمر يتطلَّب كذلك الالتزام بروتين غذائي صارم للغاية للوصول إلى هذه المرحلة.

نصائح طبية للذين يمارسون أنشطة رياضية خلال شهر رمضان

يقول أنيكا تشابرا، مدير وحدة الطب الرياضي في  مستشفى مايو كلينيك بولاية أريزونا إنَّ: "أكبر خطأ يرتكبه الناس هو أنَّهم لا يُخططون للمستقبل".

قدَّم تشابرا النصحية الطبية لعدد من الرياضيين الذين يمارسون الأنشطة الترفيهية ممَّن يعتنقون الإسلام في حين كونه لم يعمل مع أيٍ من الرياضيين المحترفين ممن يلتزمون بطقوس شهر رمضان، إذ يرى أنَّ ثمة طرقاً لجعل الصيام مفيداً للرياضيين وليس العكس على الأقل في تلك المرحلة.

يقول تشابرا: "إذا حافظت على جدول منظم وصارم سيتكيَّف جسمك مع هذا النمط. لكن الأمر يحتاج بالضرورة إلى شخص من نوعٍ خاص ليتسنَّى له القيام بذلك".

بمقدور الرياضيين تحقيق مكاسب كبيرة خلال شهر رمضان

يقول تشابرا إنَّ السر يكمن في إدراك كون الرياضيين قد يكون بمقدورهم تحقيق مكاسب كبيرة خلال شهر رمضان، لا سيما إن كانوا يُمارسون رياضة تتطلب اللياقة البدنية. إذ ينبغي أن يُركزوا في المقابل على تمارين تساعد على بناء العضلات، ويركزوا على الحفاظ على لياقتهم.

ويشير كذلك إلى أنَّ الكثير من المسلمين يرتكبون خطأً بتناولهم طعام الإفطار بعد الصيام في الليل متناولين الأطعمة الدسمة أو السكريات، إذ يجدون مساحة مناسبة لتناول سعرات حرارية إضافية. وبسبب ذلك بالتحديد يرى تشابرا بعض المرضى يزيد وزنهم في شهر رمضان.

يحتاج الرياضيون المحترفون الذين هم في خضم التدريب والمنافسة إلى أن يكونوا في غاية الالتزام.

تقول خديجة: في البداية لم أكن أعرف ما يتوجب علي فعله. لكنني عدَّلت نظامي الغذائي على مدى سنين. أركز الآن على تناول نسبة عالية من البروتين والدهون المفيدة لمنع انهيار العضلات، وأتمرن فترات أقصر".

كيف عدَّل حمزة نظامه الغذائي؟ يبدأ الأمر في الليل، حين يكون مسموحاً بتناول الطعام والشراب. ركَّز حمزة على حجم السوائل في جسمه بعد تناول وجبة العشاء، فيشرب ما يعادل نصف وزن جسمه من الماء.

كان حمزة يزن 220 رطلاً (99 كيلوغرام)، وهو ما يعني تناول 110 أوقية من الماء في الليلة الواحدة بين الإفطار ووجبة السحور قبيل الفجر. وكان حريصاً على أن يرتشف كمية الماء تلك ببطء بدلاً من ابتلاعها، واعتاد على استغلال الوقت الذي كان يستيقظ فيه في منتصف الليل ليذهب إلى الحمام في تناول الموز الغني بالبروتين.

الأمر يحتاج إلى خطة صحية تبدأ من الليل وتنتهي في إفطار صحي كل يوم

حرص حمزة كذلك على تناول إفطار صحي كل يوم، عن طريق تناول الفواكه والخضراوات ومصادر البروتين خالية الدهون مثل بياض البيض ونقانق الديك الرومي، مع بعض الخبز المحمص والعسل الممزوج به.

ساعدَ كلاً من حمزة عبدالله وشقيقه كونهم قادرين على الاعتماد على مدربيهم لمساعدتهما، وكلما تحدثوا معهم عن طبيعة شهر رمضان، تمكنوا أكثر من وضع خطتهم الغذائية المناسبة. كان بإمكان الأخوين على سبيل المثال ترطيب شفاهم بالماء أثناء التدريبات والمباريات بشرط عدم ابتلاعه.

يقول حمزة عبدالله إنَّه ستظل هناك أوقات تحتاج فيها إلى التراجع ولكن ثمة أوقات قد تفاجئ فيها نفسك. إذ خاضت خديجة في عام 2016 سباقاً ثلاثياً في جورجيا خلال شهر رمضان؛ كان يوماً مُلبداً بالغيوم وكان لا يزال أمامها 5 أمتارٍ فقط، وفي لحظةٍ ما حين شعرت "بنوعٍ من التعب والاستسلام"، نظرت حولها وأدركت أنَّها الأنثى الوحيدة في مجموعتها العمرية التي تقترب من خط النهاية؛ احتلت المركز الثالث بين النساء.

تقول خديجة: "بالنسبة إلىَّ يمنحني الصيام التركيز. إنَّه يُلهمني، ويساعدني على الشعور بالامتنان".

تحميل المزيد