من المتوقع أن يلتقي وفدان من الإمارات والبحرين في واشنطن مع نظرائهم الإسرائيليين للتوقيع على تطبيع تاريخي للعلاقات. وبهذا تنضم المملكتان الخليجيتان إلى مصر والأردن، اللتين توسطتا في اتفاقيات سلام مختلفة على مدار عقود، بوصفهما الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين كانتا تعترفان رسمياً بإسرائيل. فيما تنظر إدارة ترامب وحلفاؤها في واشنطن إلى تلك اللحظة على أنها جزء من الشروع في اصطفاف جديد متنام في الشرق الأوسط، حيث تفكر مزيد من الدول العربية في التخلي عن مقاطعتها الرسمية لإسرائيل.
لكن هذا التحول الكبير في الموقف العربي حيال إسرائيل لم يكن له تأثير فقط على الدول التي شرعت في التقارب مع إسرائيل لكنه كشف ضعف وهشاشة الموقف العربي بالكامل تجاه القضية الأساسية لهم وهي "فلسطين"، وهذا كان ظاهراً في الجامعة العربية التي أحبطت دولة نافذة فيها قراراً يدين التطبيع الإماراتي مع تل أبيب، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
ماذا يريد ترامب من هذه الصفقة؟
تشير باربرا بليت آشر، مراسلة BBC، إلى أن "النقاط التي ركّز عليها البيت الأبيض تشي بالكيفية التي [سيستخدم بها ترامب هذه الاتفاقات] ليضعها كأوراق اعتماد له في مجال صنع الصفقات الدولية وتقديم نفسه من خلالها في حملته الانتخابية: كمبشرٍ للسلام والازدهار في الشرق الأوسط، خاصة مع احتمال انضمام مزيد من الدول العربية والإسلامية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
على الجانب الآخر، فإن هذه الاتفاقات تمثل خروجاً بارزاً على نهج سابق. إذ بموجب "مبادرة السلام العربية" التي أعلنتها السعودية عام 2002، ربطت غالبية الدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967. غير أنه، على الأقل فيما يتعلق بالإمارات والبحرين، لم تعد المتطلبات المفترضة من إسرائيل شرطاً مسبقاً للتطبيع، خاصة مع الدرجة التي جرى بها استبعاد حل الدولتين عن الكيفية التي كان متصوراً عليها الأمر قبل عقدين من الزمن.
وزاد على ذلك الشائعات التي تنتشر بأن بعض البلدان الأخرى، ومنها السودان وعمان والكويت والمغرب، يمكن أن تحذو حذو الدولتين الخليجيتين أو تتعرض لضغوط من إدارة ترامب للقيام بذلك.
ضربة من بيت العرب
وجاء اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية، الأسبوع الماضي، ليؤكد الحقائق الجديدة. فقد فشل في إصدار قرار، تقدمت السلطة الفلسطينية بمشروعه، لإدانة الخطوة الإماراتية. وهذا في وقت الذي لا يزال فيه المسؤولون العرب، وفيهم ممثلون عن دولتي الخليج اللتين اتفقتا مع إسرائيل هذا الأسبوع، يؤكدون مراراً وتكراراً التزامهم بمبادرة السلام العربية، ومشروع دولة فلسطينية مستقلة.
وخلال الكلمة التي ألقاها الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قال: "إن الغاية التي تسعى إليه الدول العربية كافة، ومن دون استثناء، هي إنهاء الاحتلال [الإسرائيلي] وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
بيد أن الفلسطينيين يرون أن جيرانهم العرب يتخلون عن كثير من أوراق الضغط والنفوذ خلال سعيهم لتحقيق تلك الأهداف. ففي الوقت الذي ينسب فيه المسؤولون الإماراتيون إلى اتفاق بلادهم الفضل في وقف خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي لضم أراضٍ جديدة في الضفة الغربية، يعلن نتنياهو وحلفاؤه من اليمين الإسرائيلي صراحة أن الضم لا يزال مطروحاً على الطاولة.
هذا السلوك دفع بمسؤول فلسطيني كبير في حكومة رام الله إلى القول لصحيفة Jerusalem Post: "كنا نعتقد في البداية أن الإمارات هي الدولة الوحيدة التي طعنتنا في الظهر. غير أننا أصبحنا نرى الآن كيف أن دولاً عربية عديدة خانت هي أيضاً الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. هذا يوم أسود في تاريخ الفلسطينيين والعرب".
شعور الفلسطينيين بالعزلة ليس شعوراً جديداً. فعلى مدى ما يقرب من عقدين من الزمن، أخذوا يراقبون الحقائق على الأرض وهي تنقلب ضدهم بلا هوادة، إذ وسعت إسرائيل المستوطنات وهدمت منزل الفلسطينيين بالجرافات وشرعت بثبات في بسط سيطرتها على مجريات الحياة في الضفة الغربية. وفي غضون ذلك، زادت مجموعة من الممالك الخليجية من عمق علاقاتها القائمة بالفعل مع الإسرائيليين، ووضعت الأساس لتعاون سري في مزيد من المجالات.
تطبيع سعودي بخطوة بحرينية
علاوة على ذلك، فإن حقيقة انضمام البحرين إلى الإمارات هي علامة، تزيد من التأكيد أن الداعم الأساسي للمملكة الصغيرة، السعودية، تقر وتؤيد هذا الانفتاح في العلاقات مع إسرائيل. وبالطبع سيكون إضفاء الطابع الرسمي على علاقات إسرائيل مع الرياض انقلاباً أكبر بكثير من التقارب الإسرائيلي مع أبوظبي.
من الجدير بالذكر أن الرأي السائد بين الخبراء في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن وبعض مسؤولي إدراة ترامب هو أن النخب الحاكمة في الخليج لا تهتم بالمحنة الفلسطينية، وأنها أكثر انشغالاً بكثير بالتحدي الجيوسياسي الذي تمثله إيران، فضلاً عن غوايتها بالتعاون مع قطاع التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل.
وفي هذا السياق، قال جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، للصحفيين يوم الجمعة الماضي 11 سبتمبر/أيلول: "إن قيادات المنطقة.. تدرك أن النهج الذي اتُّبع في الماضي لم ينجح، وهم يدركون الآن أن شعوبهم تريد رؤية مستقبل أكثر حيوية وإثارة".
صفقات السلاح أهم من فلسطين!
وعلى ما يبدو فإن جزءاً من هذا "المستقبل المثير والنابض بالحياة" هو مبيعات الأسلحة. فقد أعطت إدارة ترامب الضوء الأخضر للإمارات لشراء عتاد عسكري أمريكي كبير، وعلى رأسه طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" F-35، كمكافأة على مبادرة الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل. غير أن صفقة الأسلحة أثارت قلق كل من الإسرائيليين وبعض جيران الإمارات.
وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مقابلة مع Today's WorldView التي تصدرها صحيفة The Washington Post يوم الأحد 13 سبتمبر/أيلول: "لا نريد أن نرى أي تصعيد جديد في المنطقة، ونعتقد أن المنطقة بحاجة إلى أن تكون أكثر سلاماً، وأن تركز أكثر على الازدهار والتنمية، بدلاً من شراء معدات عسكرية. نأمل أن يكون أي شيء قيد الدراسة هو الدفاع عن بلداننا فقط، وليس العدوان على دول أخرى".
يُذكر أن الإمارات والسعودية على خلاف مع القطريين، الذين يختلف نهجهم في السياسة الخارجية بطريقة ملحوظة، عن الممالك المجاورة. وقد فشل الحصار الذي يفرضه جيران قطر عليها منذ عام 2017 في إخضاعها.
ومع ذلك فإن وزير الخارجية القطري لم ينتقد الدول العربية الأخرى لإعلانها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما أن القطريين ساعدوا في التوسط من أجل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. غير أنه رفض الآراء التي تذهب إلى أن النخب السياسية في المنطقة لا تهتم بحقوق الفلسطينيين.
وقال آل ثاني: "إذا كنا نحن سئمنا القضية الفلسطينية، فكيف إذاً سيكون شعور الشعب الفلسطيني الذي يعاني.. يوماً بعد يوم ويلات الاحتلال والقمع"، كما شدد على دعمه للهدف الطويل الأمد المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب عام 1967، قائلاً: "يتعين علينا إيجاد حل عادل لهم".
وأضاف وزير الخارجية القطري أن خطة إدارة ترامب للسلام، التي تتنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي لمصلحة إسرائيل ولا تضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، ليست "أساساً عادلاً" لإجراء مفاوضات بين الطرفين. علاوة على أن حكومة نتنياهو اليمينية "لم تظهر استعداداً للدخول في حوار بنَّاء مع الفلسطينيين".
ومع ذلك فإنه كان أكثر حذراً بشأن ماهية الطريق المجدي إلى السلام، قائلاً: "الأمر لا يعود لنا ولا إلى الولايات المتحدة لتقرير كيف يبدو هذا السلام".