قرية فلسطينية مهددة بالمحو من الخريطة بسبب مستوطن واحد.. والأغرب ما تفعله طائراته المسيرة بسكانها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/08/09 الساعة 21:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/09 الساعة 22:05 بتوقيت غرينتش
القرى الفلسطينية تتعرض لممارسات قمعية من سلطات الاحتلال/رويترز

جلس محمود عمارنة (56 عاماً) على شرفة منزل جاره وهو يبحث في حقيبته المليئة بالأوراق والمجلدات الحمراء.

وعمارنة هو رئيس مجلس فراسين، القرية الصغيرة في الشمال بجنين داخل الضفة الغربية المحتلة، على بُعد كيلومترات قليلة شرق الخط الأخضر.

وحتى الأسبوع الماضي كانت وظيفة عمارنة رمزيةً في الغالب، حيث يحفظ السلام بين سكان فراسين الـ200 الذين ينحدرون جميعاً تقريباً من نفس العائلتين، ويُسوّي أيّ نزاعات على الأراضي، ويُرحّب بأيّ زوار قد يأتون إلى القرية.

ولكنّه بات الآن مسؤولاً عن محاربة ما وصفه بالجهود المُكثّفة من جانب السلطات الإسرائيلية لطرد أهالي فراسين من أرضهم، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

فعلى مر العام ونصف العام الماضيين، قال عمارنة إنّ السلطات الإسرائيلية أمرت بهدم، أو إخلاء، أو تجميد البناء في كافة مباني فراسين الـ36.

ورغم توزيع أوامر وقف العمل أو الهدم في كافة أنحاء فراسين منذ أكثر من عام، لكن الغالبية العظمى منها سُلِّمَت للأهالي الأسبوع الماضي.

إذ قال عمارنة: "في الـ29 من يوليو/تموز قبل إجازة العيد، جاء الجنود الإسرائيليون مع سلطات الإدارة المدنية إلى القرية وسلّموا 18 أمراً دفعةً واحدة". وقبل أيامٍ قليلة من ذلك، قال إنّه قد صدرت أربعة أوامر وقف عمل وهدم أخرى.

وأردف العمارنة إنّ الـ18 أمراً التي تلقوها في الـ29 من يوليو/تموز "قضت على القرية".

وتابع في تصريحه لموقع Middle East Eye البريطاني: "لم يتسن لنا الاحتفال بالعيد هذا العام. إذ نتبادل الهدايا ونمنح الأطفال بعض المال عادةً خلال العيد. ولكن هذا العام منحتنا إسرائيل هدية عيد في صورة 18 أمراً لتدمير قريتنا".

أوّلاً يأتي المستوطنون، ثم يتبعهم الهدم

على غرار مئات البلدات والقرى الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية، صُنِّفَت كافة أراضي فراسين ضمن المنطقة ج بموجب اتفاقيات أوسلو، مما يضعها رسمياً تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي.

وتتألّف القرية الصغيرة في الغالب من الخيام والمنازل الصغيرة المصنوعة من الأسمنت وألواح الصفيح، والمتناثرة فوق مساحةٍ شاسعة تتجاوز الـ1,690 فدان من الأراضي. ويقطن القرية نحو 200 شخص، غالبيتهم من رعاة الغنم والمزارعين، وربعهم من الأطفال تحت سن 18 عاماً.

ونظراً لأنّ فراسين تقع في المنطقة ج، فإنّ أي شكلٍ من أشكال البناء يجب أن يحصل على موافقة الإدارة المدنية بالجيش الإسرائيلي -وهي المهمة شبه المستحيلة بالنسبة للفلسطينيين بسبب الرسوم الباهظة ومعدلات الموافقة بالغة الانخفاض. ولكن على مرّ السنوات، واجه السكان المحليون القليل من المعارضة على المشاريع البسيطة للبناء وتعديل المنازل، التي نفّذوها بدون تصاريح.

لكن كل ذلك تغيّر حين انتقل مستوطنٌ إسرائيلي للعيش على أراضي فراسين، وأقام بؤرةً استيطانية غير قانونية هناك في عام 2019.

وقال عمارنة: "لا يعيش هناك سوى مستوطن واحد، ولكن في غضون شهور كانت الحكومة الإسرائيلية قد مهّدت له طريقاً وربطته بشبكة الكهرباء وأوصلت خطوط المياه إلى بؤرته الاستيطانية".

وبموجب القانون الدولي، فمن غير القانوني بناء المستوطنات المدنية فوق الأراضي المُحتلة. وفي حين تُعتبر البؤر الاستيطانية غير قانونية أيضاً بموجب القانون الإسرائيلي، ولكن يجري التعامل معها بتساهل عادةً -إن لم تحصل على دعمٍ مُباشر من السلطات.

وبعد وقتٍ قصير من انتقال المستوطن إلى فراسين، بدأت المشكلة تباعاً.

وفي كل مرة يبدأ السكان العمل على بناء منازلهم أو غيرها من الإنشاءات، يجدون طائرات استطلاع بدون طيار تحوم فوق رؤوسهم -ويشتبهون في أنّ المستوطن هو من يُحرّكها.

إذ قال: "يُرسل المستوطن طائرته بدون طيار إلى السماء، وبعد وقتٍ قصير تصل الإدارة المدنية لإجراء استطلاعٍ أكبر عن قرب"، وأضاف أنّ القوات الإسرائيلية التي جاءت لهدم حظيرتي الماشية في فراسين -خلال شهر رمضان العام الجاري- وصلت مع جرافتين من اتّجاه البؤرة الاستيطانية.

وشدّد عمارنة على أنّه لم تصدر أوامر هدم صريح بحق كافة المنازل، لكن القرويين يعتقدون إنّها مسألة وقتٍ فقط قبل أن تتحوّل أوامر وقف العمل إلى إشعارات هدم.

وحذّر من أنّه في حال حدوث ذلك، فسوف يُسفر الأمر عن تهجير 200 شخص من القرية ومحو فراسين بالكامل من الخريطة.

وأردف: "قريتنا موجودةٌ هنا منذ أبد الآبدين. قريتنا كانت هنا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو التي حدّدت المنطقة ج، وكانت هنا قبل تأسيس دولة إسرائيل".

حتى خزانات المياه يريدون هدمها

فوق أعلى نقطة في فراسين، تُطِل الهياكل الحجرية المتداعية منذ 500 عام على القرية والمنطقة المحيطة.

واليوم، يعيش يوسف عمارنة (42 عاماً) مع زوجته وأطفاله الخمسة في هذه القرية. وبعد العيش داخل الخيام والمنازل المؤقتة على مدار السنوات الماضية، قرّر يوسف تخصيص وقته لترميم المباني القديمة التي توارث أبناء عائلته ملكيتها جيلاً بعد جيل.

لذا أُصيب يوسف بالصدمة حين وصلت السلطات الإسرائيلية إلى عتبة منزله الأسبوع الماضي وطلبت منه وقف العمل بحجة أنّه "يُدمّر قطعةً أثرية ثقافية".

وإلى جانب الأمر الصادر بحق منزله، أُمِرَ يوسف عمارنة أيضاً بإزالة خزانات المياه التي أقامها في منزله لتسهيل الحياة على نفسه وعائلته.

ووفقاً لمحمود عمارنة، فقد مُنِحَت أوامر وقف العمل والإزالة المشابهة للعائلات التي تعيش في الكهوف القديمة بالقرية، بحجة "تدمير قطع أثرية ثقافية" أيضاً.

وتساءل: "هذا هو أسلوب حياتنا، فكيف يقول الاحتلال الإسرائيلي إنّنا نُدمّر الثقافة، في حين أنّها ثقافتنا وأنّ هذه هي أرضنا في المقام الأول؟".

96 ساعة لهدم منزلي

وقصة يوسف عمارنة هي قصةٌ يتشاركها كافة سكان فراسين. إذ إنّ كافة العائلات مُعرّضةٌ لهذا التهديد، ومن بينها عائلة رئيس مجلس القرية محمود.

فوجدي عمارنة (37 عاماً) مثلاً هو زوجٌ وأب لأربعة أطفال. وهو مزارعٌ يعيش ويقضي وقته في زراعة وحصاد المحاصيل وتربية الماشية لإطعام عائلته، على غرار غالبية سكان القرية.

وطيلة سنوات كان وجدي يعيش مع عائلته داخل خيمة. ومع نمو عائلته، أراد تزويد أطفاله بحمايةٍ وأمانٍ أكبر؛ فقرر بناء منزلٍ صغير من غرفة واحدة فوق أرضه.

وبدأ وجدي في بيع المحاصيل والماشية التي لا تستخدمها عائلته، وتمكّن على مرّ السنوات من توفير المال الكافي لبناء منزله، الذي انتهى من تشييده العام الماضي. وبمساعدة رئيس مجلس القرية، تقدّم بطلبٍ لتسجيل منزله وترخيصه من جانب الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ولكنّه قال: "صُدِمت حين وصلوا الأسبوع الماضي وأخطروني أنّ أمام 96 ساعة لهدم منزلي. لديّ ملفٌ مفتوح لدى الإدارة المدنية، لذا لا يجب أن يُسمح لهم بتدمير منزلي طالما لا تزال القضية مفتوحة".

وانتهت مهلة الـ96 ساعة لهدم منزله يوم الإثنين، الثالث من أغسطس/آب، لكنّ وجدي يقول إنّه لن يذهب مع عائلته إلى أيّ مكان رغم حجم التوتّر الذي يُؤثّر على العائلة بأكملها.

وأردف: "لن أغادر، حتى إنّ جاؤوا لتدمير منزلي والعياذ بالله. وربما سأضطر للعيش داخل خيمة من جديد، ولكنّني أفضل العيش داخل خيمة أو فوق مرتبة على الأرض ولا أغادر هذا المكان".

في انتظار الضم

مع غروب الشمس فوق فراسين، وتخييم الألوان الوردية والبرتقالية على القرية، يجتمع السكان وعائلاتهم خارج منزل وجدي لتناول الشاي في المساء.

ومن بعيد تُطِل ناطحات السحاب والمباني من مدينة قيسارية بين الضباب -في تذكيرٍ بأنّ الإسرائيليين على بُعد كيلومترات قليلة يعيشون واقعاً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي يعيشه سكان فراسين.

ورغم أنّ سكان فراسين يعزون الكثير من مشاكلهم لوصول المستوطن الإسرائيلي العام الماضي، ولكنّهم لا ينكرون أنّ السياسات الإقليمية لها دورها في نضالهم.

إذ قال محمود العمارنة: "يسعى الإسرائيليون لخلق الحقائق على الأرض. وبهذه الطريقة عندما يحين وقت الضم، أو يبدأ تنفيذ خطة ترامب؛ سيتسنى لهم القول إنّ هذه الأرض هي ملكٌ لهم وأنّها يجب أن تكون جزءاً من إسرائيل".

وكان رئيس مجلس القرية يُشير هنا إلى خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المفتوحة لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية، وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثيرة للجدل حول إسرائيل وفلسطين.

كما أشار محمود إلى أنّ ما يحدث في فراسين يحدث أيضاً في كافة أنحاء الضفة الغربية.

وأردف: "هذا مجرد مثالٍ صغير على الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. إنّهم يريدون الأرض، وليس الأشخاص الذين يعيشون عليها. وحتى لو جاؤوا غداً لتدمير القرية بالكامل، فلن نغادر. هذه أرضنا. وسوف نبقى هنا".

تحميل المزيد