لا تزال تداعيات تفجير بيروت تسيطر على العالم وتحتل صدارة المشهد السياسي والاقتصادي، بسبب فداحة الكارثة وحجمها المروّع، لكن كارثة بهذا الحجم تبدو مرشحة لأن تتكرر في أي لحظة، ولكن في دولة عربية أخرى منكوبة بالفعل وهي ليبيا، فما القصة؟
ما الذي يخشاه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط؟
أمس السبت، 8 أغسطس/آب 2020، حذَّر مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا من خطر حدوث كارثة في موانئ النفط الليبية، بسبب تزايُد الوجود العسكري مع وجود صهاريج بها مخزونات ضخمة منذ أشهر، بسبب عمليات الإغلاق.
وقال صنع الله في رسالة مصوَّرة إن "موانئ النفط مغلقة، والتصدير متوقف، فإذا تعرَّضت خزانات النفط لأي مصدر حرارة، أو أي مصدر اشتعال فستكون كارثة كبيرة جداً"، بحسب وكالة رويترز للأنباء.
فمنذ يناير/كانون الثاني الماضي، قامت ميليشيات شرق ليبيا، بقيادة الجنرال خليفة حفتر، بوقف صادرات الطاقة؛ ما تسبَّب في توقف معظم الإنتاج، وهو ما أدى -بعد أكثر من سبعة أشهر- إلى امتلاء صهاريج التخزين.
وعلى الرغم من أن حفتر شنَّ عدوانه على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، منذ بدايات أبريل/نيسان 2019، محاولاً فرض سيطرته على ليبيا، مدعوماً من قوى إقليمية كمصر والإمارات والسعودية، وقوى دولية مثل روسيا وفرنسا، فإنه لم يقُم بوقف تصدير النفط إلا في شهر يناير/كانون الثاني، وذلك بسبب طبيعة عمل المؤسسة الوطنية للنفط، التي تشكّلت بموجب اتفاق الصخيرات الذي انقلب عليه حفتر.
فالمؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، هي الجهة الوحيدة المخوّلة بإنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي في ليبيا، ويتم تحويل عوائد تصدير النفط إلى حساب البنك المركزي الليبي بطرابلس أيضاً، ومنه تدفع حكومة الوفاق رواتب العاملين في الدولة وأوجه الإنفاق الأخرى، بما فيها ميليشيات شرق ليبيا نفسها، التي كانت تحاصر العاصمة تحت إمرة حفتر.
قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت
بعد أن تمكنت قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا من تحقيق سلسلة من الانتصارات، أجبرت ميليشيات حفتر على الانسحاب من المحيط الإداري للعاصمة، والتراجع نحو مراكزها في شرق ليبيا، وذلك في يونيو/حزيران الماضي، وقالت المؤسسة الوطنية للنفط إن مرتزقة تابعين لحفتر دخلوا حقول وموانئ النفط التي تقع في نطاق سيطرتهم وأغلقوها.
وكانت الشركة قد قالت من قبل إن الإغلاق أدّى بالفعل إلى حدوث مشكلات فنية في الحقول والموانئ، وأمس السبت، شبّه صنع الله -الذي تم بث شريطه المصوّر على الموقع الإلكتروني للمؤسسة الوطنية للنفط- خطرَ حدوث كارثة بالانفجار الذي وقع في ميناء بيروت، الثلاثاء 4 أغسطس/آب، بسبب تخزين كميات ضخمة من نترات الأمونيوم في أحد عنابر المرفأ.
وما يتحدث عنه رئيس مؤسسة النفط الليبية هو أن الكميات الضخمة من المواد البترولية المخزّنة في الصهاريج تشبه الآن قنبلة موقوته بالفعل، فأي مصدر للحرارة -خصوصاً أننا في فصل الصيف حيث تصل الحرارة في ليبيا إلى ما فوق 45 درجة مئوية أثناء النهار في المتوسط- يمثل خطورة هائلة.
وفي ظل وقوع تلك المنشآت تحت سيطرة مرتزقة مسلحين، لا دراية لهم بكيفية التعامل مع أي مشكلة فنية قد تطرأ بفعل الحرارة أو غيرها، ترتفع نسبة المخاطر بصورة مقلقة، فإذا أضفنا لذلك طبيعة تلك الميليشيات نفسها، وتنوعها بين مرتزقة فاغنر الروس، ومرتزقة الجنجاويد، ومسلحي القبائل الليبية الداعمة لحفتر وغيرها، يرتفع سقف المخاطر أكثر وأكثر، خاصة أن تقارير تحدَّثت بالفعل عن اشتباكات وقعت بين تلك الميليشيات في محيط المنشآت النفطية.
الوقت ليس في صالح أحد
تحذيرات صنع الله الأخيرة تضيف إلى خطورة الوضع الاقتصادي، الناتج عن إيقاف ميليشيات حفتر العملَ في المنشآت النفطية، بُعداً آخر، فقد تحدَّثت التقارير الدولية أن الميزانية الليبية خسرت بالفعل أكثر من 26 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، جرّاء توقف تصدير النفط.
وتعاني الحكومة المعترف بها دولياً في التعامل مع تبعات عدوان حفتر على العاصمة، الذي استمر أكثر من 14 شهراً، قبل هزيمته وفك الحصار، وتسعى الحكومة حالياً لاستعادة العمل في المرافق الأساسية في العاصمة ومدن الغرب، لتوفير الكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية، وهي المرافق التي تعمَّد حفتر تدميرَها طوال فترة حصاره للعاصمة، كنوع من الضغط على سكان العاصمة -الذين يقتربون من نصف سكان ليبيا ككل- يجعل إغلاق منشآت النفط المهمة أكثر صعوبة.
لكن الآن تصبح منشآت النفط التي تسيطر عليها ميليشيات حفتر بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وبينما تواصل القوى الإقليمية والدولية محاولاتها لفرض أجندتها الخاصة، وتواصل حكومة الوفاق حشد قواتها على مشارف مدينة سرت، وقاعدة الجفرة الجوية، في مقابل تشديد ميليشيات حفتر دفاعاتها على نفس الخط، قد يستيقظ العالم على مأساة مروعة شبيهة بما حدث في مرفأ بيروت، فهل يتحرك أحد لإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان؟