رغم المال والتكنولوجيا والنفوذ الدبلوماسي.. لماذا تخشى دول الخليج أن تجد نفسها محرومة من الغذاء؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/09 الساعة 17:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/09 الساعة 20:41 بتوقيت غرينتش
دول الخليج تحاول الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية/رويترز

كانت مريم المهيري تستعد لحلول الأزمة منذ أكثر من عامين، ولهذا عندما توقَّفت الطائرات عن القدوم إلى الإمارات العربية المتحدة إبان تفشَّي جائحة فيروس كورونا داخل الشرق الأوسط في مارس/آذار الفائت؛ كانت تعلم أوَّل وزيرةٍ للأمن الغذائي في البلاد ما كان متوقعاً منها، في وقت يعاني الأمن الغذائي الخليجي برمته من فجوة كبيرة.

كان عليها أن تضمن أنَّ بلادها الصحراوية، التي تستورد 90% من طعامها، ستُبقي أرفف أسواقها ممتلئة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

وفيما اصطفَّت الطائرات بلا حراك في مطارات البلد المُغلقة، عقدت مريم اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن الغذائي الوليد حديثاً في الإمارات. 

وجرى تبنّي أنظمة للإخطار المبكّر وروقِبت حركة المواد الغذائية الاستراتيجية -مثل الحبوب والأرز والخضراوات- داخل وخارج البلاد. وأُلزِمَت الوفود الدبلوماسية الخارجية بالبقاء على استعداد في حال فرض مصدّرو السلع الغذائية قيوداً على التصدير. 

وتمَّ بسرعةٍ إقرار خطة لتنويع مصادر استيراد الأغذية ومُرِّرت إلى التجار في الإمارات بهدفٍ واضح هو التعرُّف على أسواق الاستيراد البديلة.

ليست الإمارات الوحيدة التي تخشى توقف استيراد الغذاء

لم تكن الإمارات هي الدولة الوحيدة التي تخاف أن تؤدي اختلالات سلاسل الإمدادات الدولية ومخاطر فرض الحكومات تدابير حمائية (تهدف لحماية كياناتها) إلى أزمةٍ غذائية دولية. لكن بالنسبة لدول الخليج -حيث لا توجد أنهار أو بحيرات دائمة، وحيث منسوب المطر الضئيل-، فهي عرضةٌ بشكلٍ محسوس أكثر من غيرها لمثل هذه التهديدات.

وهي ظاهرة دفعت، على مدار العقد الأخير، إلى زيادةٍ في الاستثمارات الخارجية في الموارد والمشاريع الزراعية داخل بلادهم. ومن المتوقَع أن يستمرّ صعود هذا التوجُّه على خلفية الجائحة، بينما تُعتبر الإمارات والسعودية من بين أنشط المستثمرين لأنّهما تضعان أعينهما على فرصٍ تمتد من الأمريكتين إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا.

التوسع في الاستثمارات الزراعية

وفي الأشهر الأربعة الأخيرة التي مرَّت منذ اكتشاف أوَّل حالة إصابة بمرض كوفيد-19 في دبي، قامت عاصمة الإمارات الثرية أبو ظبي بعدة استثمارات هدفها تحسين الأمن الغذائي بالإمارات.

إذ اشترت شركة ADQ، وهي شركة استثمارية قابضة مقرها أبو ظبي، حصَّة بنسبة 50% في واحدة من أكبر المشاريع الزراعية بالمنطقة: شركة الظاهرة المتخصصة في زراعة الأعلاف وإنتاج الأرز، والطحين، والخضراوات والفاكهة، ولها أنشطة في أكثر من 20 دولة. والآن سوف تحظى الشركة بدعمٍ من إحدى أغنى دول العالم.

دول الخليج تتوسع في الاستثمارات الزراعية بالخارج/رويترز

كما استثمرت إحدى الكيانات السيادية في البلاد، مكتب أبو ظبي للاستثمار، 100 مليون دولار في أربع شركات للتكنولوجيا الزراعية بهدف بناء منشآتٍ لها في الإمارات -ومن بينها شركة AeroFarms، وهي مجموعة مقرها الولايات المتحدة وتخطط لبناء مزرعة أفقية مغلقة ومنشأة للأبحاث على مساحة 90 ألف قدم مربع (ثمانية آلاف متر مربع)، وُصِفت بأنَّها ستكون الأكبر من نوعها في العالم.

بينما نشطت السعودية، التي تستورد ثلثيّ غذائها من الخارج، أيضاً في هذا المجال. ففي مايو/أيار الفائت استحوذت سالك، شركة الاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، على حصة بنسبة 30% من المجموعة التجارية الهندية Daawat Foods ضمن استراتيجية الشركة لتأمين إمدادات الأرز بالمملكة. 

وفي العام الفائت استثمرت الشركة سبعة ملايين دولار في شركة التكنولوجيا الزراعية البريطانية Hummingbird Technologies التي تستخدم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، والذكاء الاصطناعي، والتصوير بالأقمار الصناعية لإنتاج خرائط عالية الوضوح يمكنها أن تساعد المزارعين على توقُّع تعرُّض المحاصيل للإجهاد، أو التبقُّع، أو الحشائش الضارة، بالإضافة للتنبؤ بمنتوج المحاصيل الزراعية.

تعلُّم دبلوماسية الغذاء

لم تتعرَّض الإمارات ولا السعودية -وهما دولتان من الوزن الثقيل اقتصادياً وسياسياً بالمنطقة- لنقصٍ في الغذاء. لكنَّ المسؤولين من كلتا الدولتين يقولون إنَّهم يسرّعون من وتيرة برامج دولهم للأمن الغذائي بعد أن أعادت الأزمة إحياء ذكريات الطوارئ الغذائية التي تعرَّضت لها البلاد في الماضي، وكان آخرها في عام 2008 عندما شهدت أسعار الأرز والحبوب زيادات مهولة.

ووقتها سارعت دول الخليج المرتعبة، ومن بينها السعودية والإمارات وقطر والكويت، لتأمين مشاريع زراعية خارج البلاد على نحوٍ أثار الجدل -خاصةً في دول إفريقية معدمة مثل السودان وإثيوبيا، ما أثار انتقادات اتَّهمت الدول الغنية المُنتجة للنفط بالدخول في "سباقٍ للاستيلاء على الأراضي". وفشلت العديد من تلك المشروعات في تحقيق المرجو منها.

وقال إيكارت فورتز، وهو مدير معهد GIGA لدراسات الشرق الأوسط ومقرُّه هامبورغ: "قصدت دول الخليج اتّجاهاً خاطئاً. ليس التحدّي الرئيسي قائماً على الاكتفاء الذاتي ولا الاكتفاء الذاتي بالوكالة لدولٍ أخرى، وإنَّما يكمن في إدارة سلاسل القيمة ودبلوماسية الطعام".

الإمارات تريد أن تكون مركزاً عالمياً للتكنولوجيا الزراعية

وقد وقعَّت الإمارات والسعودية اتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت للتعاون في عددٍ من إجراءات الأمن الغذائي لصالح الدولتين، بدايةً من الاستثمارات وحتى تطوير التكنولوجيا الزراعية. وتعلّق كلتا الدولتين آمالاً كُبرى على هذه الخُطى الجديدة.

وأُسنِدَت إلى مريم المهيري، التي عُيّنت بمنصبها عام 2017، هذا العام رئاسة فريق مهمته تطوير قطاع التكنولوجيا الزراعية في الإمارات بمهلةٍ آخرها نهاية أغسطس/آب الجاري لتقديم خطة عمل.

وتسأل مريم قائلة: "نريد أن نكون مركزاً عالمياً للمعرفة وتكنولوجيا الغذاء، فلمَ لا نتطرَّق أيضاً لمجالاتٍ مثل الزراعة الخلوية ومصادر البروتين البديلة؟ هذه أغذيةٌ مستجدة يعتمد إنتاجها على التكنولوجيا لكنَّها لا تحتاج لتوافر كميات هائلة من المياه والأرض الخصبة".

مصر قررت منع تصدير الأرز/رويترز

والهدف من هذه الحملة هو زيادة معدلات إنتاج الغذاء المحلي بنسبة 30% بحلول عام 2021، ومَنح صناعة معالجة الأغذية المحلية -التي تنتج ستة ملايين طن من الغذاء سنوياً- الفرصة لزيادة معدَّلات إنتاجها بثلاثة أضعاف إن احتاج الأمر.

وقال عبدالرحمن عبدالمحسن الفاضلي، وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي: "كانت الجائحة بمثابة اختبارٍ لنا لنتحقَّق مما إذا كانت استراتيجيتنا ناجحة أم لا، ويبدو أنَّها كانت ناجحة. وربما نحتاج لتسريع وتيرة بعض البرامج، وبعض السلع".

والهدف زراعة محاصيل البحر المتوسط

تقع صوبة زراعية مُدارة بتكنولوجيا متطورة على بعد 45 دقيقة بالسيارة من أبو ظبي، وهي مثالٌ للمشروعات التي تراهن عليها الإمارات والسعودية لتحقيق المعدلات المُرادة من الإنتاج الغذائي المحلي.

وبُنِيَت المنشأة التي تديرها شركة Pure Harvest الناشئة، التي حصلت على تمويل من كيانات إماراتية وسعودية وكويتية، على مساحة 6,270 متر مربع من مواد بنائية تساعد على التحكُّم في حدَّة الشمس الصحراوية القوية ودرجات الحرارة والرطوبة القصوى. مما يخلق مناخاً يماثل مناخ البحر المتوسط، في دولةٍ تتخطّى درجة الحرارة فيها في الخلاء الـ50 درجة مئوية.

وتُزرَع في الصوبة، التي اكتمل بناؤها في أغسطس/آب عام 2018، ستة أنواع من الطماطم. وتسدُّ ما بين 2% إلى 3% من الاحتياج الإماراتي، وتزعم أنَّها تستهلك نسبة مياه أقل بـ90% من الصوبات الخليجية العادية. بينما جمعت شركة Pure Harvest تمويلاً بقيمة 20.6 مليون دولار في أبريل/نيسان بقيادة شركة وفرة للاستثمار الدولي، وهي شركة كويتية تعهَّدت بتمويل 100 مليون دولار إذا ما ثبُت نجاح المشروع.

وقال سكاي كورتز، مؤسس شركة Pure Harvest: "تمتلك المنطقة أفضلية تنافسية تكمُن في الشمس، والعمالة الرخيصة، والطاقة الرخيصة، ووسائل النقل الممتازة. ويمكننا حصاد مآرب هذا المناخ باستخدام التكنولوجيا".

لكن هذا لن يوفر لها الأمن الغذائي المنشود

غير أن جوزيف شميدهوبر، المسؤول البارز لدى منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة، حذَّر من أنَّ التكنولوجيا الزراعية قد تزيد الإنتاج المحلي من الفاكهة والخضراوات لكنّها "لن توفّر للدولة الأمن الغذائي" على حد قوله.

وأردف: "الفكرة مثيرة للاهتمام بوصفها فكرةً استثمارية، لكن لا قيمة لها بوصفها فكرة تهدف لتحقيق الأمن الغذائي".

ذاك هو الواقع الذي يدفع بهذه الدول للاستثمار الخارجي. ففي الإمارات تنسّق الدولة ونحو 14 شركة، من بينها شركة الظاهرة، مشروعات خارج البلاد تحت مظلة "تحالف الأمن الغذائي" المؤسس عام 2015. ووضعوا استثمارات في 19 دولة من ضمنها مصر، وباكستان، وناميبيا، والسودان، وفيتنام، وأمريكا الشمالية والجنوبية. وفي أواخر عام 2018، وقَّعت الإمارات اتفاقية مع أوغندا لتأسيس منطقة زراعية حرة في الدولة الواقعة شرق القارة الإفريقية.

وفي السعودية، تتصدَّر شركة سالك -وليدة أزمة عام 2008- مجهودات المملكة لتوسيع دائرة مصالحها في الخارج. إذ تملك سالك مشروعاً مشتركاً مع Bunge، شركة تجارة زراعية مقرها الولايات المتحدة، لتطوير أنشطة مرتبطة بزراعة الحبوب في كندا منذ عام 2015 وأنشطة لزراعة الأراضي الصالحة في أوكرانيا. 

كما تمتلك نسبة 25% في Minerva Foods، الشركة البرازيلية لمعالجة وتصدير اللحم، ومزارع للمحاصيل والماشية في أستراليا على امتداد 420 ألف هكتار (4,200 كيلومتر مربع).

وقال جون سفاكياناكيس، خبير شؤون الخليج بجامعة كامبريدج: "على دول الخليج أن تتقبَّل واقع أنَّها ستكون عرضةً للأزمات، وأنَّ استراتيجية الأمن الغذائي التي يتّبعونها لم تتعرَّض للاختبار الكافي. وحين تحلّ أزمة نقص الطعام بالدول التي استثمرت فيها دول الخليج، فكيف ينتظرون من تلك الدول أن تصدّر ما تراه ملكاً لها إلى الخليج؟ يعتمد الموقف كله على الأسواق العالمية، وهي خارج سيطرتهم. والأمر بيد الدول القومية وقراراتها بشأن سلاسل الإمدادات العالمية".

تحميل المزيد