عالقون بأمر كورونا.. بشر تقطَّعت بهم السبل بسبب الوباء، وهذه أبرز الجنسيات

عربي بوست
تم النشر: 2020/08/04 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/04 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تجنب المطارات الإقليمية الصغيرة، واحرص على السفر من وإلى المطارات الرئيسية/ istock

عندما انتهت دراستها بمدينة بودابست هذا الربيع، كان مقرراً أن تعود بوجي إلى وطنها منغوليا، حيث كانت تنتظرها وظيفة شاغرة في العاصمة المنغولية، أولان باتور. لكن في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، أغلقت منغوليا حدودها بالكامل، حتى أمام مواطنيها، ولم تعِد فتحها منذئذٍ. وبهذا أصبحت بوجي واحدة بين آلاف المنغوليين العالقين في أوروبا.

أشاعت أزمة كوفيد 19 الفوضى في خطط سفر الملايين حول العالم، إذ دمَّرت خطط العطلة لدى البعض ووضعت ضغطاً على علاقاتٍ بعيدة المدى. لكن بالنسبة للكثيرين ممَّن ما زالوا عالقين دون العودة لبلادهم، تبدو مثل هذه المشاكل تافهة مقارنة بما يواجهونه هم.

وجد طلاب صينيون، وسياخ منغوليون، وفلسطينيون من قطاع غزة، وكثيرون غيرهم أنفسهم في وضعٍ يمنعهم من العودة إلى أوطانهم، وعادة ما يعني هذا لهم أن يعانوا الانفصال عن أسرهم، وصعوباتٍ مالية، وحيرة بشأن المستقبل، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

كان المواطنون المنغوليون بين أشدّ المتضررين من الأزمة. كان السبيل الوحيد أمامهم للعودة إلى الوطن هو من خلال رحلة إخلاءٍ جوية تابعة للحكومة، لكنَّ هذه الرحلات تنظم مرةً واحدة في الشهر من مدينتي فرانكفورت وإسطنبول فقط. هذه الرحلات تذاكرها باهظة الثمن، ويُلزَم مستقلّوها أيضاً بدفع مصاريف إجبارية لإقامةٍ لمدة 21 يوماً في منشأة عزلٍ تابعة للحكومة فور وصولهم إلى منغوليا.

المال موجود لكن المقاعد محدودة!

حتى بالنسبة لهؤلاء ممن يملكون المال اللازم للسفر، فإنَّ الطلب يتجاوز العرض. يتقدَّم الآلاف للحصول على مقعدٍ بكلٍ من الطائرتين، ويُرفَض معظمهم، وسط تناقل شائعاتٍ بأنَّ هؤلاء ممَّن يملكون صلاتٍ شخصية بجهاتٍ حكومية تُمنَح لهم الأولوية. لم ترد وزارة الخارجية المنغولية على طلب صحيفة The Guardian البريطانية للتعليق على هذه الشائعات.

وقالت أويونا لوفسان، وهي منغولية عالقة حالياً بمدينة بيتش المجرية، وقد أنشأت مجموعة على فيسبوك للمنغوليين العالقين في أوروبا كي يتشاركوا إحباطاتهم: "تخيَّل مدى طول فترة الانتظار التي سيقضيها 2500 منغولي في أوروبا للعودة بمعدّل رحلتَي طائرة شهرياً". بعض من أعضاء المجموعة هُم طلاب نفدت نقودهم، وآخرون سياح كانوا في رحلاتٍ قصيرة لأوروبا مُدَّت فترتها قسراً لشهور بعد أن أُلغيَت رحلاتهم للعودة في مارس/آذار الفائت.

مرّ الطلاب الصينيون الدارسون خارج البلاد أيضاً بمعاناةٍ للعودة لوطنهم الصين، التي كانت أول بلدٍ تفرض قيوداً صارمة على السفر بعد تفشّي الجائحة في إقليم ووهان. ورغم توافر رحلاتٍ جوية حالياً إلى الصين، فإنَّ أسعار الرحلات قد زادت أضعافاً، وبعدئذٍ أحياناً تُلغَى الرحلات في اللحظة الآخيرة، ما يثير إحباطاً وغضباً لدى هؤلاء ممَّن يحاولون العودة.

مخاوف من عودة قوية لفيروس كورونا خلال فصل الشتاء في بريطانيا/ رويترز

كتب أهالي الطلاب الصينيين العالقين خارج البلاد رسالةً مفتوحة للدبلوماسيين الصينيين يطلبون فيها مساعدتهم، وعليه فقد شكَّك بعض مستخدمي الإنترنت الصينيين في الصورة التي تصدّرها بلادهم لنفسها بأنَّها تهبُّ لنجدة مواطنيها. قال أحد المعلّقين على المنصة الاجتماعية الصينية Weibo: "أليست الدعاية التي تُصدّرها الصين هي أنَّ بإمكانها إعادة مواطنيها؟".

قالت السفارة الصينية في الولايات المتحدة إنَّه بين 11 أبريل/نيسان و5 يونيو/حزيران الماضي تمَّت إعادة 7 آلاف طالب إلى الصين على متن رحلاتٍ جوية مؤجرة. وفي بيانٍ من السفارة هذا الأسبوع، قالت إنَّها سوف تستمر في توفير مثل هذه الرحلات لمواطنيها.

غزة بين حصارَين

وبالنسبة للفلسطينيين المقيمين بقطاع غزة، الذين كانوا يعانون قبلاً بالفعل من حصارٍ ثأري إسرائيلي-مصري، فإنَّ الجائحة قد فاقمت إلى حد كبير وضعاً أليماً حوصِر فيه المواطنون في الداخل والخارج على حد سواء. وقالت منظمة Gisha، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية، إنَّ معدَّلات الخروج والدخول إلى قطاع غزة قد انخفضت بنسبة 98% تقريباً مقارنةً بشهر فبراير/شباط الماضي، إذ غادر 218 فلسطينياً فقط القطاع في يونيو/حزيران الفائت.

وقد فُصِلت امرأة فلسطينية تبلغ من العمر، 32 عاماً، كانت قد غادرت قطاع غزة في أبريل/نيسان الفائت لتلقّي علاجٍ طبي لورم سرطاني في المخ، عن أطفالها الأربعة منذ غادرت القطاع، ومن بينهم رضيعها البالغ من العمر تسعة أشهر.

أنهى 321 شخصاً في قطاع غزة، مساء الأحد، فترة الحجر الصحي الاحترازي للوقاية من فيروس كورونا، بعد قضائهم 21 يوماً في مراكز الحجر. ( Ashraf Amra – وكالة الأناضول )

قالت المرأة إنَّها حاولت العودة إلى غزة من مدينة رام الله بالضفة الغربية مرتين، لكنَّ نقاط التفتيش الإسرائيلية منعت مرورها، مُلقية اللوم على فشلٍ في التنسيق بين السلطات الفلسطينية والإسرائيلية.

وقالت المرأة، التي طلبت أن تظل هويتها سرية، حتى لا تضرّ روايتها بفرصتها في العودة: "أتحدث مع أطفالي يومياً عبر الهاتف، ونرى بعضنا من خلال مكالمات الفيديو. أنا لا أحب غزة، لكني أحب أن أكون مع زوجي وأطفالي. أريد العودة".

نعم لرعاياها.. لكن الرعايا الآخرون "لا"

إنَّ منغوليا وغزة حالاتٌ متطرَّفة، إلَّا أنَّ هناك عدداً من الدول التي سمحت لمواطنيها بالعودة إليها لكن ليس للمقيمين طويلي الأمد. كانت أبرز هذه الدول الإمارات العربية المتحدة، التي يمثّل المواطنون الإماراتيون 12% فقط من تعداد سكانها. صُدِم عديدٌ من المقيمين طويلي الأمد بالإمارات عندما عومِلوا كالدخلاء ولم يتمكَّنوا من العودة عندما بدأ تفشي الجائحة.

وممَّا كُتِب على مجموعةٍ منشأة على فيسبوك معنية بهؤلاء الذين يحاولون العودة حتى الآن، يتضَّح أنَّ هناك الآلاف من المقيمين بالإمارات ممَّن لم يستطيعوا العودة لبلد إقامتهم، حتى بعد أن بدأت الإمارات تسمح بوفود السيَّاح إليها. بعضٌ من هؤلاء المنتظرين لهم أقارب في الإمارات، أو كانوا ينتظرون تلقّي علاجٍ طبي فيها.

قالت امرأة بريطانية عاشت في دبي لمدة 20 عاماً، وتملك منزلاً وتجارةً في الإمارات: "لقد أثَّر هذا القرار على نحوٍ جذري في شعور الناس تجاه الإقامة في الإمارات… لقد صار واضحاً لنا أنَّ الوافدين غير مهمّين للدولة ولن نحظى بأية حقوقٍ هنا". لم تستطع المرأة البريطانية العودة إلى دبي إلا مؤخراً برغم أنَّ زوجها كان في الإمارات بالفعل، وقالت إنَّ العديد من أصدقائها يخططون لمغادرة دبي بعد التجارب التي تعرضوا لها مؤخراً.

مطار دبي الدولي/ رويترز

وفيما يبدو احتمال الفوز بمقعدٍ على متن رحلة إخلاءٍ ضئيلاً بالنسبة لبعض المنغوليين العالقين في أوروبا، فكَّر بعضهم بوسائل أكثر إبداعاً تعيدهم إلى بلادهم. درست مجموعةٌ من المنغوليين بالمجر احتمال تأجير طائرة، لكن قيل لهم إنَّ السلطات المنغولية لن تسمح لها بالهبوط في أراضيها. وكانت آخر الخطط التي تُدرَس حالياً هي السفر براً عدة أيام من خلال روسيا والتخييم قرب الحدود المنغولية، على أمل أن يُسمَح لهم بدخول البلاد.

قالت بوجي إنَّها ترغب بمغادرة المجر بأي ثمن. قد خسرت الطالبة وظيفتها ذات الدوام الجزئي كنادلة في بودابست، وتعرَّضت لهجومٍ بمترو الأنفاق لمظهرها الآسيوي، إذ اعتدت عليها امرأة بمظلة واتهمتها بنشر فيروس كورونا.

وقالت: "نقود منحتي الدراسية نفدت، ويصعب إيجاد وظيفة هنا، وكادت تأشيرتي توشك على الانتهاء وليس لدي مكانٌ أقيم فيه. أريد فقط العودة إلى بلادي".

تحميل المزيد